أليس ما يجري في غزّة إبادة جماعية؟
ألا ترتكب قوات الاحتلال الصهيوني مجازر بحقّ المدنيين؟
ألا تشنّ «إسرائيل»، بكلّ قدراتها العسكرية والتكنولوجية، حربًا ضدّ أطفال غزّة ونسائها؟
ألا يوجد شبه بين ما ترتكبه القوات الصهيونية، مدعومةً من الغرب، وبين المحرقة التي ارتكبها أدولف هتلر خلال الحرب العالمية الثانية بحقّ اليهود وسواهم في ألمانيا؟
ألم يُكشف مُخطط كيان العدّو بإعادة احتلال قطاع غزّة وطرد أهل الأرض منه؟
… نعم. وأكثر من ذلك، نسبة المُقتنعين بهذه الحقائق قد ارتفعت بشكل ملحوظ منذ السابع من أكتوبر الماضي.
لماذا إذًا استفزّ العدّو من تصريح الرئيس البرازيلي، لولا دا سيلفا، الذي قال في كلمةٍ له يوم الأحد الماضي، في قمة الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، إنّ «ما يحدث في قطاع غزة ليس حربًا، إنّها إبادة جماعية. ليست حرب جنود ضدّ جنود، إنّها حربٌ بين جيش على درجة عالية من الاستعداد ونساء وأطفال». لولا اعتبر أنّ ما يجري «لم يحدث في أي مرحلةٍ أخرى في التاريخ. في الواقع، سبق أن حدث بالفعل حين قرّر هتلر أن يقتل اليهود».
في سابقةً قد تكون الأولى من نوعها، ردّت وزارة الخارجية الإسرائيلية على تصريح دا سيلفا باعتباره «شخصًا غير مرغوب فيه باسرائيل حتى يتراجع عن تصريحاته». واستدعت الخارجية الإسرائيلية السفير البرازيلي لتوبيجه أمام الصحافيين، في متحف المحرقة (“ياد فاشيم”).
وأضاف بيان صادر عن وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتش «لن ننسى ولن نغفر، إنّه هجوم معاد للسامية خطير».
سريعًا، أمر الرئيس البرازيلي سفيره بمغادرة الأراضي المحتلة، كما أمر باستدعاء السفير الإسرائيلي من قبل الخارجية البرازيلية، وتوبيجه وطرده.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو إنّ «مقارنة إسرائيل بالمحرقة النازية وهتلر تجاوز للخط الأحمر. إسرائيل تُقاتل دفاعًا عن نفسها وتأمينًا لمستقبلها، محترمة القانون الدولي حتى تحقيق النصر الكامل».
استفزّ العدّولأنّه يُريد أن يحتكر «المظلومية العالمية» التي تمنحه موقعًا مُتقدّمًا على شعوب العالم، وتُبيح له ارتكاب المجازر واحتلال الأراضي وطرد السكّان الأصليين. لا تُريد «إسرائيل» أن يتم تشبيهها بهتلر، مُجرم الحرب العالمية الثانية الأوحد وفق البروباغندا الغربية، حتى تتمكّن من مواصلة ارتكاب جرائمها ولكن بغطاء «إنساني» وتحت راية «الدفاع عن النفس».
لماذا يهمّنا الخبر؟
بعد عملية «طوفان الأقصى»، انضمّ رئيس البرازيل لولا دا سيلفا إلى زعماء الدول الذين هاجموا حركة حماس. فوصف يومها ما جرى بـ«الهجوم الإرهابي»، مُندّدًا بأخذ الرهائن. يومها، نزع دا سيلفا عملية المقاومة الفلسطينية من سياقها، مُتناسيًا أنّها ردّة فعل على حالة احتلال وإجرام تمتد لحوالي 76 عامًا، وقرّر المساواة بين الضحية والجلّاد. موقفه أيضًا أتى غريبًا عن مواقف اليسار اللاتيني الداعمة للقضية الفلسطينية ولحركات المقاومة في دول العالم، والمؤيدة للاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة. مع تقدّم الحرب الإسرائيلية، بقي لولا مُصرًّا على اعتبار «طوفان الأقصى» عملية إرهابية، إلا أنّه بات يتحدّث عن «ردّة فعل غير مُبرّرة» من جانب الإسرائيليين. تصاعدت مواقفه المعارضة للحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة رُويدًا رُويدًا. فبات يعتبر مع تقدّم آلة القتل الصهيونية أنّ «موقف إسرائيل تجاه النساء والأطفال يُشبه الإرهاب. لقد ارتكبت حماس عملًا إرهابيًا، وفعلت ما فعلته. كما ترتكب إسرائيل العديد من الأعمال الإرهابية، متجاهلة الأطفال والنساء العالقين في هذه الحرب». ورأى دا سيلفا أنّ «إسرائيل تريد احتلال قطاع غزة وطرد الفلسطينيين منه. هذا ليس صائبًا، وليس عادلًا. ندعو إلى إنشاء دولة فلسطينية». أما أكثر مواقف الرئيس البرازيلي تصعيدًا، فكانت تشبيهه الجرائم الإسرائيلية بهولوكوست الحرب العالمية الثانية، وجرائم هتلر.
أهمية مواقف لولا دا سيلفا الأخيرة أنّها تصدر عن دولة هي شريك تجاري وتكنولوجي وأمني استراتيجي لكيان الاحتلال. وقد قام دا سيلفا خلال رئاسته الثانية (بين الـ2007 والـ2010) بالحفاظ على هذه العلاقة وتعزيزها، خاصة عندما وقّع اتفاقية تعاون أمني مع «إسرائيل» عبر إحدى شركات الأمن الإسرائيلية لإدارة وتنسيق الأمن خلال الألعاب الأولمبية لعام 2016 في ريو دي جانيرو. بالإضافة إلى ذلك، تُعدّ «إسرائيل» أحد الشركاء التجاريين الرئيسيين للبرازيل، وكان كيان العدّو أول من وقّع في عام 2007، على اتفاقية «ميركوسور» التجارية من خارج أمريكا اللاتينية.
إذًا، ورغم المصالح التجارية بين الاثنين، لم يمتنع لولا دا سيلفا عن رفع الصوت بوجه كيان العدّو، واصفًا – بكلّ واقعية – جرائمه في غزة. دا سيلفا، الرئيس اليساري الذي تجمعه مصالح تجارية واقتصادية مع الاحتلال الصهيوني، والذي يتمركز على بُعد أكثر من 10 آلاف كلم عن فلسطين، نطق بكلمة حقّ دفاعًا عن حقّ الشعب الفلسطيني بالعيش وبالحصول على دولة مستقلة، غير مُهتم بالنيران الصهيونية التي ستُشنّ ضدّه، مُتقدّمًا بمواقفه على عرب التطبيع.
فزعماء التطبيع العرب مُستمرون في بيع الفلسطينيين أوهامًا، ومستمرون أيضًا في مسار العار. لم يجرؤ قادة الدول العربية المُطبعة على القيام بأي خطوة لوضع حدّ للاحتلال الصهيوني ولوقف المجازر. مواقفهم كانت عبارة عن كلمات لـ«رفع العتب»، وتغطية لاستمرار حركة التصدير والاستيراد مع العدّو، بناء جسور جوية وبرية وبحرية لإيصال السلع من وإلى الأراضي المحتلة، إقامة مناطق لاستقبال الفلسطينيين وإخراجهم من غزة، والتآمر ضدّ مصالح الشعب الفلسطيني وضدّ المقاومة.
من هذا المنطلق، تأتي أهمية مواقف لولا دا سيلفا.
ترحيب حركة حماس
ثمنّت حركة حماس تشبيه لولا دا سيلفا مجازر «إسرائيل» بالمحرقة اليهودية. وورد في بيان صادر عنها أنّ «هذا التصريح يأتي في سياق التوصيف الدقيق لما يتعرّض له شعبنا، وكشف فداحة الجريمة الصهيونية المرتكبة بغطاء ودعم مفتوح من قبل الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس الأمريكي جو بايدن». وطالبت حركة حماس محكمة العدل الدولية «بأخذ تصريح الرئيس البرازيلي في الاعتبار على ما يعانيه شعبنا الفلسطيني على يد جيش الاحتلال المجرم ومستوطنيه الإرهابيين من انتهاكات وفظاعات لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلًا».