لطالما وقف لبنان إلى جانب فلسطين، وما نشهده اليوم من وحدة الدم بين الشعبين هو امتداد طبيعي لتاريخ طويل من التضامن والمصير المشترك. هذا المسار الذي قطعه إنشاء “إسرائيل”، ها هي المقاومة اليوم تسعى لاستعادته.
قبل عام 1948، كانت فلسطين، وبالأخص شمالها، مقصدًا لأهل الجنوب اللبناني، فهي الأقرب إليهم من بيروت، وكانت خيراتها تفيض أكثر مما يمكن أن يناله أهل الجنوب من صيدا أو غيرها. هذا الارتباط الوثيق بين الشعبين انعكس بشكل واضح في العادات والتقاليد على جانبي “الحدود”، فمن يمكن أن يشبه أهل الجنوب أكثر من سكان شمال فلسطين؟
تاريخيًا، كان هناك ترابط وثيق بين اللبنانيين والفلسطينيين، حيث لجأ الطرفان إلى بعضهما في مواجهة الأزمات. من ثوار جبل عامل الذين فروا إلى حيفا هربًا من القمع، إلى ثوار فلسطين الذين لجأوا إلى لبنان هربًا من الاضطهاد البريطاني.
حتى الشيخ عز الدين القسام، القادم من سورية، لجأ إلى فلسطين عبر الجنوب اللبناني هاربًا من قمع الفرنسيين، ليتحول لاحقًا إلى رمز للمقاومة.
أبناء هذه المنطقة تربطهم معرفة عميقة وتاريخ طويل، وطالما وقفوا إلى جانب بعضهم البعض في أوقات المحن.
وفي ضوء ما يجري في فلسطين منذ السابع من أكتوبر، كان من الطبيعي أن تقف المقاومة اللبنانية إلى جانب نظيرتها الفلسطينية.
في الثامن من أكتوبر، أعلن حزب الله دخوله في المعركة عبر إطلاق النار على “إسرائيل”، بعد 17 عامًا من الهدوء النسبي. وقد كان هدف الحزب مساندة غزة في معركتها ضد الاحتلال. ورغم الانتقادات التي وجهت للمقاومة اللبنانية في بداية الحرب حول بطء رد فعلها، إلا أن حزب الله اتبع استراتيجية تصاعدية محسوبة للضغط على العدو وإجباره على التراجع. كل يوم هدوء، كان بالنسبة للمقاومة فرصة لتعزيز قدراتها والاستعداد لمواجهة أكبر.
في الأيام الماضية، وجه العدو سلسلة ضربات للمقاومة اللبنانية، من تفجير أجهزة الاتصال (البايجر) إلى تفجير أجهزة اللاسلكي، ثم اغتيال قادة “الرضوان” في الضاحية الجنوبية لبيروت. وما نعيشه حاليًا من استهداف العدو الإسرائيلي لبنان، ناقلًا ثقل المعركة إلى شمال فلسطين، هدفه إخضاع المقاومة وبيئتها لفك ارتباطها بغزة. فما تريد حكومة بنيامين نتنياهو تحقيقه، بعيدًا عن إعادة المستوطنين إلى الشمال الفلسطيني المحتل، هو فك ارتبط الجبهتين، لأن المعركة في غزة طويلة وهي مستمرة إلى حين تفكيك “حماس” (كما يدعي العدو)، وهذا يتطلب معركة دائمة وطويلة لا تحتمل “إسرائيل” معها بقاء الجبهة الشمالية مفتوحة.
ما يريد العدو حاليا تحقيقه، هو إخضاع المقاومة وبيئتها، وإحداث الصدمة في قلوبها. إلا أنه لا يدرك أن من اجتاز ما جرى يوم تفجير البايجرات، لن يؤثر فيه شيء، وأن الكأس المر التي تقدمها للمقاومة في لبنان سيتجرعها هو، وسيجبر في النهاية على التفاوض على وقف إطلاق النار وعلى حل سياسي، لا يكسر المقاومة في غزة أو في لبنان، بل يراكم على الإنجازات منذ بدء طوفان الأقصى.
فلسطين ولبنان.. وحدة المسار والمصير
