بعد أكثر من 117 يومًا من الحرب الإبادية على قطاع غزة، يقف العدو الإسرائيلي أمام مأزق داخلي وخارجي. فالكلفة الكبيرة التي تكبّدها في حربه «للقضاء على حماس» لم تقترب حتى من أن تؤتي ثمارها. وهو غير قادر على وقف الحرب لأن ذلك سيعني انكساره أمام الرأي العام الداخلي. من هنا، رأت الولايات المتحدة الأمريكية ضرورة التدخل لإنهاء هذه الحرب على قطاع غزة، ليس من أجل حفظ ماء وجه الاحتلال فحسب، بل أيضًا لتخفيف الضغط عن واشنطن نفسها.
الضغوط على الولايات المتحدة تأتي من «جبهتها» الداخلية، ربطًا بالانتخابات الممهدة للانتخابات الرئاسية، في ظل تنامي موجة معارضة الحرب. وقد ظهر ذلك في تصويت (أو مناقشة) بعض الولايات والمدن الأمريكية الكبرى مثل سان فرانسيسكو، ميشيغان، شيكاغو وغيرها خطواتٍ لإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة. أما خارجيًا، فالولايات المتحدة لم تتمكّن بعد من احتواء التوتر الإقليمي المتصّل بالحرب على غزة، تمامًا كعجزها عن منع إدانة الحرب الإسرائيلية (وصولًا إلى محكمة العدل الدولية)، مع ما يرافق ذلك من تضرّر صورة أمريكا التي ذكّرت العالم بحقيقتها كدولةٍ راعية للإبادة.
لأجل ذلك كله، بادرت الولايات المتحدة إلى اقتراح مفاوضات تضمّها إلى «إسرائيل» ومصر وقطر، عُقدت في العاصمة الفرنسية، باريس.
الهدف العلني لهذه المفاوضات التوصل إلى اتفاقية تبادل للأسرى. لكنها في الواقع تهدف إلى وقف الحرب من دون إعلان وقف الحرب.
واشنطن «تسّوق» للحل
المفاوضات التي انتهت يوم الأحد 28 يناير 2023، جمعت رئيس الموساد الإسرائيلي دادي بارنيع، ورئيس «الشاباك» رونين بار، ورئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي أي إيه) وليام بيرنز، ورئيس وزراء قطر محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ورئيس المخابرات المصرية عباس كامل. كما أجرت الدول الأربعة محادثات مع السلطات الفرنسية، بهدف التقدم نحو اتفاق يتضمن هدنة وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى حركة حماس.
ووفق الأمريكيين، فإن الحل الذي ترمي إليه واشنطن «يُرضي طرفَي الصراع»، أي المقاومة الفلسطينية في غزة متمثلة بحركة حماس والاحتلال الإسرائيلي. وتضمّن المقترح الأميركي الذي سُرّب إلى الإعلام، هدنة طويلة الأمد تمتد إلى أكثر من أربعة أشهر، قد تكون تمهيداً لوقف إطلاق النار تحت الأمر الواقع، مقابل تسليم المقاومة الفلسطينية الرهائن الإسرائيليين لديها على مراحل، وإدخال مساعدات إنسانية للقطاع، وإطلاق سراح آلاف المعتقلين الفلسطينيين من سجون الاحتلال. وكانت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية قد كشفت في وقتٍ سابق أنه تم تقديم عرض جديد لحركة حماس و«إسرائيل»، تزامناً مع انعقاد الاجتماع الرباعي في باريس.
ونشرت الصحيفة، نقلاً عن مسؤولين مصريين، بنود الاتفاق والتي تتقسم على مرحلتين، الأولى تشمل:
– أن تلعب الدول الأربع دور الوساطة بين الجانبين،
– وقف إطلاق النار لمدة 4 أشهر في قطاع غزة مقابل إطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين،
– وقف الهجمات الإسرائيلية لمدة 6 أسابيع كمرحلة أولى من أجل إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين من الأطفال والنساء وكبار السن الذين يحتاجون إلى رعاية طبية عاجلة، مقابل إطلاق «إسرائيل» سراح عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين (لم يتم الاتفاق على الأرقام بعد)،
– زيادة المساعدات الإنسانية إلى غزة.
أما المرحلة الثانية فتشمل:
– إطلاق حماس سراح الجنديات الإسرائيليات الرهائن، ومن ثم الجنود الرهائن، وتسليم جثث القتلى الإسرائيليين في غزة إلى «تل أبيب»،
– حصول حماس على ضمانات دولية، بما في ذلك من الولايات المتحدة الأمريكية، حول إمكانية التوصّل إلى اتفاق شامل من شأنه إيقاف الحرب على غزة بشكل نهائي.
مع ذلك، كشفت قناة «كان» العبرية أنّ المقاومة الفلسطينية لاتزال مُتمسكة بشروطها وهي:
100 أسير فلسطيني مقابل كل رهينة إسرائيلية،
انسحاب القوات الإسرائيلية بشكل كامل من قطاع غزة،
تهدئة ما بين 10 – 14 يومًا قبل الإفراج عن أي رهينة إسرائيلية،
تهدئة لمدة شهرين بين كل مرحلة وأخرى من مراحل الصفقة.
حلّ لإفراغ أوراق الضغط لدى المقاومة؟
بعد أربعة أيام على اجتماع باريس، بدأت تتسرّب معلومات متناقضة عن أن الأمريكيين لم يقدموا ضمانات بوقف إطلاق النار، في سبيل إنهاء الحرب على غزة. وأنّ واشنطن تضغط على قطر ومصر من أجل الضغط على حماس للقبول بهذا الحل وتفريغ جعبة المقاومة من أقوى ورقة لديها وهي الرهائن الإسرائيليين. في المقابل، تحدّثت معلومات عن وجود ضمانات أمريكية ومصرية وقطرية، بأنّ الهدنة ليست سوى تمهيد لوقف إطلاق النار، لكن من دون إعلان ذلك، «لأن إعلان وقف نهائي لإطلاق النار ليس سوى إعلان هزيمة إسرائيلية».
رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو قال لعائلات الرهائن الإسرائيليين إنّه سيوافق على هدنة لإطلاق سراح أبنائهم، حتى لو كلّفه ذلك مستقبل حكومته. والتقى نتنياهو زعيم المعارضة، يائير لابيد الذي أبدى استعداده لتغطية الحكومة التي يعارضها في سبيل التوصل إلى اتفاق تبادل للأسرى والرهائن. وكان حليفا نتنياهو، وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير ووزير المالية، بتسلئيل سموترتش قد أكّدا نيتهما الانسحاب من الائتلاف الحكومي في حال وافق رئيس الوزراء على الهدنة الطويلة التي تُمهّد لوقف الحرب من دون تحقيق نتائجها العسكرية، وأولّها «القضاء على حركة حماس».
في المقابل، أكّدت مصادر مصرية أنّ المفاوضات ماضية ونتائجها ستُبصر النور مطلع الأسبوع المقبل. فيما أكّد القيادي في حركة حماس علي بركة استمرار التفاوض والتشاور بين فصائل المقاومة للخروج بموقف موحد.
الأمر إذًا مرهون بالأيام القليلة المقبلة، لتظهر حقيقة الموقف الأمريكي. فهل اقتربت نهاية الحرب، أم أنها مناورة لن تسمح المقاومة بتمريرها؟