قد يعتبر بعض المؤيدين للقضية الفلسطينية والرافضين للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والضفة أنّ القرار الأوّلي لمحكمة العدل الدولية في الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد «إسرائيل» وتتهمها فيها بارتكاب إبادة جماعية في قطاع غزة «انتصارًا» للشعب الفلسطيني، وخطوة أولى نحو وقف الحرب. إلا أنّ القليل من التدقيق في القرار الصادر اليوم الجمعة، يُظهر أنّ حُكم المحكمة لا يشذّ عن قواعد اللعبة التي حدّدتها الولايات المتحدة الأمريكية، ومستوى الانتقادات المسموح توجيهه لكيان العدّو. محكمة العدل الدولية، التي تُعتبر إحدى أذرع دول الشمال الاستعمارية والإمبريالية، أصدرت قرارًا أوليًّا صُنع في أمريكا. ومنحت العدّو الضوء الأخضر ليستكمل إبادة سكّان غزة.
ماذا يتضمّن القرار؟
تضمّن القرار الأولي قبول دعوى جنوب إفريقيا المقدمة ضد «إسرائيل»، مقابل رفض الدعوى الإسرائيلية بردّ الدعوى ضدها. إجراء شكلي يسقط أمام بنود القرار. خاصة أنّ المحكمة التفتت فقط للرهائن الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية. فطالبت بالإفراج عن 137 أسيرًا إسرائيليًا في قطاع غزة، من دون ذكر ما يُقارب 10 آلاف أسير في السجون الإسرائيلية منذ السابع من أكتوبر، وما قبله.
التدابير المؤقتة التي طلبتها «العدل الدولية» من العدّو، هي:
– ضمان توفير الاحتياجات الإنسانية المُلحة في قطاع غزّة بشكل فوري
– اتخاذ إجراءات لمنع التحريض المباشر على الإبادة الجماعية
– التأكّد فورًا من أن قوات العدّو لا ترتكب الانتهاكات المذكورة سابقًا
– رفع تقرير إلى المحكمة في غضون شهر بشأن كل التدابير المؤقتة المطلوبة
القرار نسخة أمريكية
القرار الوحيد الذي يبدو مُفيدًا لغزة والشعب الفلسطيني اليوم هو وقف الحرب، عودة النازحين إلى بيوتهم، وإدخال المساعدات. كلّ ما عدا ذلك، يُعتبر تعاونًا مع العدّو في حربه. محكمة العدل الدولية قرّرت الالتزام بالشروط الأمريكية، فأحجمت عن إجبار العدّو على «التعليق الفوري للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة».
ما هي أوجه الشبه بين قرار اليوم والمواقف الأمريكية؟
يُصر البيت الأبيض على عدم إعلان وقفٍ لإطلاق النار، وقد عطّلت الولايات المتحدة عدّة قرارات في مجلس الأمن لإصدار وقف لإطلاق النار، مُصرّة على إعلان «هدنات إنسانية»، كما أشار المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي في 19 يناير الحالي. بالإضافة إلى ذلك، يُذكّر المسؤولون الأمريكيون والغربيون يوميًا بـ«حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، شرط «تجنّب ارتكاب المجازر واستهداف المدنيين». وحبة الكرز على قالب الحلوى، هي في دعوة أمريكا وأصدقائها الغربيين «إسرائيل» إلى «احترام القانون الدولي» أثناء تنفيذها الحرب ضدّ الشعب الفلسطيني! هذا هو حرفيًا قرار محكمة العدل الدولية.
«إسرائيل» غير راضية
بعد إعلان الحُكم الأولي، صدرت تعليقات إسرائيلية مُنتقدة لمحكمة العدل الدولية. فيوجد لدى العدّو وجهة نظر مُتخوّفة من قرارات مستقبلية، وهما بحسب ما نقلت «القناة 12» العبرية:
أن تطلب محكمة العدل الدولية وقفًا فوريًا لإطلاق النار
عودة النازحين من جنوب القطاع إلى شماله
المقاومة… تحكم بالعدل
خلاصة مشهد محكمة العدل الدولية اليوم هو التالي: يُثبت القانون الدولي مُجدّدًا انحيازه إلى دول الشمال التي وضعته، وأنّه يحكم باسمها، وأنّه يتبنّى السردية الغربية الأمريكية في دعم «إسرائيل» بشكل مطلق. هذا الانحياز لا يترك أمام الفلسطينيين سوى خيار واحد: التمسّك بالمقاومة.