الكاتب: بشار اللقيس

في كتابه “ثلاث عوالم؛ مذكرات يهودي عربي”،[1] يقص آفي شلايم حادثة وقعت له خلال طفولته. يقول شلايم: “في أحد أيام الصيف الحارة وبينما كنت أتسكع مع أصدقاء الحي في بلدة رمات جان شرق تل أبيب، خرج أبي من المنزل ونادى إلي يحدثني بالعربية”. يصف شلايم حالة الخجل التي اعترته أمام أصدقائه. يقول: “شعرت بالخجل وتحولت وجنتي إلى اللون الأحمر. كانت الإجابة على أسئلة والدي مشوشة، وأحادية المقطع، بالكاد مسموعة. ما أردت قوله له – ولم أستطع – هو أنه في حين قد يبدو الحديث باللغة العربية جيدًا في المنزل، إلا أن الأمر ليس على هذا النحو أمام الأصدقاء”. يقول شلايم:…

قراءة المزيد

في البدء كانت “التلينا” لا تحضر “التلينا” في الهستوريوغرافيا الإسرائيلية كثيرًا. بالأصل، كان اسم هذه السفينة ممنوعًا من التداول في “إسرائيل” حتى وقت قريب (بحسب آلان مينارغ، كان بشير الجميل قد أخبر شارون وبيغن إطلاقه اسم “التلينا” على معركة توحيد البندقية المسيحية دون علمه أن بيغن كان الخاسر في هذه المعركة التي سنورد تفاصيلها بعد قليل). منتصف عام 1948، قامت حركة “إيتسل” بتهريب سفينة “التلينا” إلى فلسطين فترة الهدنة الأولى من حرب عام 1948 بين العرب و”إسرائيل” بعد أن اشترتها “إيتسل” بهدف نقل مهاجرين مسلحين إلى فلسطين. حاول مناحيم بيغن، قائد “إيتسل” حينها، إقناع بن غوريون بإدخال السفينة إلى ميناء…

قراءة المزيد

بغض النظر عن دقة تقرير الوول ستريت جورنال عما جرى عشية بدء الحرب البرية على قطاع غزة، فإن نقاشًا حول مكانة “إسرائيل” وقدرتها كان قد شُرّع منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول داخل أروقة القرار الإسرائيلي. بإمكاننا اليوم قراءة ما سُرب من نقاشات في أروقة الحكومة الإسرائيلية باعتباره امتدادًا لنقاش ضارب في عمق الوعي الصهيوني عن “إسرائيل” ووظيفتها، وعن الجماعة اليهودية ودورها التاريخي خارج المنفى. وهو النقاش القديم الذي ما انفك يستعيد حضوره كسؤال عند كل تحدٍّ وفي كل منعطف: من هو اليهودي؟ يعود السؤال في جنبة من جنباته إلى كاتب ثلاثية سيرة تروتسكي (النبي المسلح، النبي الأعزل، النبي الخارج…

قراءة المزيد

ويننغر: لحظة ارتباك لم يكن أوتو ويننغر (Otto Weininger) شخصية عادية البتة. الشاب النمساوي الذي سيعود له الكثير من الفضل في ولادة علم النفس العيادي أواخر القرن التاسع عشر، كان قد أرخى بظلال كتاباته على كثير من الحقول والميادين؛ في الفنون مع أوغست ستريندبرغ (أحد الأعمدة الثلاثة – مع هنريك إبسن وأنطون تشيخوف – لمسرح الدراما الواقعية)، في الفلسفة مع نيكولا بيرديائيف (فيلسوف الوجودية المسيحية)، وفي الألسنيات مع لودفيغ فيتغنشتاين (للانصاف كان تأثيره على شخصية فيتغنشتاين أكبر منه على ألسنية فتغنشتاين). وبالرغم من عبقرية الرجل، وإجادته اليونانية واللاتينية والفرنسية والإنكليزية والاسبانية والإيطالية، فضلاً عن دراسته للطب والعلوم الطبيعية، إلا أنه…

قراءة المزيد

على النقيض من إرث آيزنشتات (S. N. Eisenstadt) ومن بعده دان هوروفيتس، موشيه ليساك، الكلاسيكي،[1] الذي ظل حاكمًا لأعوام طِوال في “إسرائيل”، كان يوناثان شابيرو أول أكاديمي إسرائيلي ينحرف عن نموذج المدرسة الوظيفية التي أسس لها آيزنشتات واختار بديلًا عنها. استند شابيرو في تحليله للمجتمع الإسرائيلي على نموذج عالم الاجتماع الأميركي س. رايت ميلز (C. Wright Mills) لكشف الطبيعة السطحية للديمقراطية الإسرائيلية. وبدلًا من تركيزه على الحداثة والديمقراطية كسمات غالبة على الواقع الإسرائيلي، سلط شابيرو الضوء على عمليات السيطرة التي يتحكم فيها حزب العمل والتي تعمل لضمان استمرار سيطرة الييشوف الأشكنازي وسيادة الصهيونية العمّالية في الكيان. ومع ذلك، لم يحلل…

قراءة المزيد

من غير المعتاد بدء مقال سياسي بقصتين بعيدتين نسبيًا عن صلب الموضوع، خاصة أن القصة الأولى منهما مرتبطة بالانتحار. ومع ذلك، نرى القصتين ضروريتين لفهم مآرب المقال، الذي يركز على تحولات الهوية لدى اليهود الأمريكيين ودورهم السياسي والثقافي في الولايات المتحدة. القصة الأولى لم يكن انتحار إستي فاينشطاين عام 2016 حدثًا عاديًا في “إسرائيل”. إستي كانت إحدى ناشطات “حسيدية غور” حتى عام 2008 قبل أن تتخلى عن تدينها كليًا. نتيجة لذلك، حكم حاخام غور بقطع العلاقة بينها وبين بناتها الست. خمس من بناتها استجابوا للحكم. عانت فاينشطاين بسبب ذلك، وحاولت المرأة الانتحار مرارًا قبل دخولها مستشفى للأمراض العقلية. إستي التي…

قراءة المزيد

لسنين طوال، ظل مفهوم “البجعة السوداء” (Black Swan) واحدًا من أبرز مفاهيم الدراسات المستقبلية. يشير المصطلح إلى الأحداث غير المتوقعة أو المستبعَدة من الإدراك (أي تلك التي تتسم بضعف الاحتمال والتأثير الكبير في آن: “Low Probability, High Impact”) التي يحاول الباحثون استشرافها. في تاريخنا المعاصر، عاش العالم لحظات كثيرة يصدق عليها هذا المفهوم: موت ماو تسي تونغ (1976)، زيارة السادات إلى القدس (1977)، وصول ميخائيل غورباتشوف إلى الحكم (1985). كلها أمور شكلت منعطفات من خارج السياق ولم يتوقع أحد مآلاتها.حالة “البجعة السوداء” يمكن التماسها أيضًا يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 في “العلاقات البين يهودية” داخل الولايات المتحدة. يختلف…

قراءة المزيد