يوم 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، بعد أيام قليلة من عملية “طوفان الأقصى”، وهو أول ظهور علني له، وجّه رئيس الوزراء الصهيوني، بنيامين نتنياهو، في خطاب متلفز، رسالة إلى مجتمع المستوطنين، قائلًا: “نحن دائمًا كنا نعرف من هي حماس، أما الآن فالعالم كله يعرف. حماس معناه داعش وسندحرها تمامًا كما دحر العالم المتحضر داعش”. ([1])
وفي اليوم نفسه، التقى نتنياهو وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن، في مكتبه بوزارة الأمن في تل أبيب، حيث قال نتنياهو لبلينكن: “الرئيس بايدن محق بأنّ حماس هي داعش، وكما تم القضاء على داعش، سيتم أيضًا القضاء على حماس، يجب أن يدينهم المجتمع الدولي”.([2])
تشبيه نتنياهو حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بتنظيم “داعش”، هدف إلى التذكير بهجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001. كان نتنياهو يحاول أن يشعل شرارة الصراع في العالم ليضع الغرب في مواجهة الإسلام بأكمله.
بين أيلول الأميركي وتشرين الأول الإسرائيلي
منذ الساعات الأولى لعملية “طوفان الأقصى”، استحضر الكيان الصهيوني هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001، إذ قال مندوب الكيان بالأمم المتحدة جلعاد أردان، للصحفيين: “هذا هو 11 سبتمبر بالنسبة لإسرائيل. من الآن فصاعدًا، لن يعود أي شيء كما كان عليه في السابق”.([3])
أراد الكيان الصهيوني أن تتحول عملية “طوفان الأقصى”، ومن اليوم الأول، إلى ١١ سبتمبر جديدة لحشد الدعم الغربي وراء الكيان الصهيوني، وإذكاء نيران الصراع بين الغرب والشرق. ففي ١١ سبتمبر 2001، وبعد أيام قليلة من الهجوم، خاضت الولايات المتحدة حربين كبيرتين في مسارح مختلفة، أفغانستان والعراق، مستخدمةً لغة الحرب الصليبية ـ وهي لغة رؤيوية دينية ـ وعبارات على شاكلة “الرعاية المقدسة”، و”محور الخير ومحور الشر”.
على خطى جورج دبليو بوش، استخدم نتنياهو هذه اللغة الرؤيوية الدينية، حين وصف الفلسطينيين بأنهم “أبناء الظلام”، وذلك في إطار المقارَنة بين الإسرائيليين والفلسطينيين حين قال: “نحن أبناء النور، وهم أبناء الظلام، ولا بدّ للنور أن يتغلب على الظلام”. ثم وجه كلامه للإسرائيليين: “سنحقق نبوءة أشعياء، لن تكون هناك سرقة عند حدودكم، وستكون أبوابكم مجدًا، معًا سنقاتل وسننتصر معًا”.([4])
ودعمًا لهذا الهوس الديني، أطلق جو بايدن، بعد لقائه نتنياهو ومجلس الحرب المصغر، خلال زيارته “إسرائيل” في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، موقفه: “لا أعتقد أنه يجب أن تكون يهوديًا لتكون صهيونيًا، وأنا صهيوني”.([5]) وكان بايدن قال في تموز/يوليو 2023، لدى وصوله في زيارة رسمية إلى “إسرائيل”: “لست بحاجة إلى أن تكون يهوديًا لكي تكون صهيونيًا”، وكرر هذه العبارة في ظل الحرب الحالية في 12 كانون الأول/ ديسمبر 2023. ([6]) في أثناء زيارته “التضامنية” إلى تل أبيب، في 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، قال الرئيس الأمريكي إن إسرائيل يجب أن تعود مكانًا آمنًا لليهود، وإنه لو لم تكن هناك إسرائيل “لعملنا على إقامتها”.([7]) أمّا بلينكن، ففي 12 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وفور نزوله مطار تل أبيب، أوضح أنه لم يأتِ لكونه وزيرًا لخارجية الولايات المتحدة فقط ولكن بصفته “يهوديًا فرّ جدّه من القتل”.([8])
وتتسارع وتيرة التصريحات الخطيرة الممزوجة بـ”الهوس الديني”، فقد علّق السيناتور الأمريكي، ليندسي غراهام، (خلال مقابلة مع قناة “فوكس نيوز”، يوم 11 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، نشر مقطع منها في تدوينة على صفحته الرسمية بمنصة “أكس” ـــــ “تويتر” سابقًا)، على معركة “طوفان الأقصى” بالقول: “نحن في حرب دينية هنا، أنا مع إسرائيل، قوموا بكل ما يتوجب عليكم القيام به للدفاع عن أنفسكم، قوموا بتسوية المكان”.([9]) لكن أخطر تصريح، هو ما نقله برنامج “فوق السلطة”، عن رئيس مجلس النواب الأمريكي مايك جونسون، حين قال إن “إسرائيل حليف حيوي للولايات المتحدة الأمريكية، ومعظم الناس يفهمون ضرورة تمويل الإسرائيليين الذين يقاتلون من أجل وجودهم”، مضيفاً: “دعم إسرائيل واجب إنجيلي”.([10])
عند أوربان الثاني الخبر اليقين!
إذا كان بنيامين نتنياهو، وجماعات “الهوس الديني” في الغرب، هم من يحمل عبء اعتبار حرب الإبادة على قطاع غزة “حرباً دينية”، فإن سلفهم في مثل هذا الدور الخطير، قبل حوالي أكثر من ألف سنة، كان البابا الكاثوليكي. ففي 27 تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 1095م، استصرخ البابا أوربان الثاني (Urbanus II) الملّة المسيحية لتجريد السلاح، لتحرير القبر المقدس، ولتحرير مسيحيي الشرق، الرازحين تحت طغيان الإسلام.([11]) عبأ البابا قادة العالم الغربي وعامته أيضًا بدعوة متصاعدة إلى الحرب المقدسة قائلًا:
“فليهبّ العالم المسيحي الغربي، لإنقاذ الشرق، يجب أن يذهب الغني، والفقير، على السواء، وينبغي لهم أن يكفّوا عن ذبح بعضهم البعض، وأن يحاربوا، بدلًا من ذلك، حربًا مقدَّسة، فيكونوا بذلك فاعلين عمل الرب، وسوف يقودهم الرب، ومن يمت في المعركة يفزْ بالغفران، ومحو الذنوب، وما الحياة على الأرض، إلاّ حياة البؤس، والشر، يُرهق الناس أنفسهم، فيحصدون دمار أبدانهم، وأرواحهم، هنا الناس فقراء تعساء، وهناك متمتعون مزدهرون، وأصدقاء الرب، بحق، ولا ينبغي أن يكون هناك تأخير، فليكونوا على أهبَّة الاستعداد، للانطلاق، عندما يحل الصيف، وسيكون الرب مرشدهم”. ([12])
هنا يكمن المغزى الأعمق للبيان الخماسي المشترك، الصادر في يوم 9 تشرين الأول/ أكتوبر، الذي تعهد فيه قادة الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا، “دعم إسرائيل في جهودها للدفاع عن نفسها”.([13])
وبإشارة جونسون (دعم إسرائيل واجب إنجيلي)، وبإعلان السيناتور غراهام (نحن في حرب دينية هنا)، فقد تم ربط حرب الإبادة على غزة بـ”الحرب الدينية”، وبالتالي “الحرب المقدسة” التي ينتهك فيها المحاربون المقدسون [الكيان الصهيوني والغرب] حدود قوانين الحرب والقانون نفسه، لأنهم يقاتلون عدوًا جوهريًا وجوديًا لا يخضع لحماية القانون البشري. وحين يضع المحاربون المقدسون أنفسهم فوق أعراف وقوانين السلوك البشري، فإنهم يجردون بذلك أعداءهم من أي نوع من الحماية القانونية، لأنهم أدنى من البشر، ويتجلى ذلك من التصريحات الصادرة من الكيان الصهيوني. فقد قال وزير الحرب يوآف غالانت، خلال اجتماع بالقيادة الجنوبية للجيش، 9 تشرين الأول/ أكتوبر 2023: “لقد أمرت بفرض حصار كامل على غزة. لن يكون هناك كهرباء ولا طعام. نحن نقاتل الحيوانات البشرية ونتصرف وفقًا لذلك”.([14]) وقد وردت هذه الأوصاف ذاتها على لسان نتنياهو، ففي 15 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، اعتبر أن الجنود الإسرائيليين “يفهمون نطاق المهمة” وهم مستعدون “لهزيمة الوحوش المتعطشة للدماء التي قامت ضد [إسرائيل] لتدميرنا”.([15]) وفي رسالته، بمناسبة عيد الميلاد، إلى الجنود والضباط الصهاينة، والتي نشرها على “اكس” في 25 كانون الأول/ ديسمبر 2023، قال: “نحن نواجه وحوشاً، وحوشاً قتلت الأطفال أمام والديهم… هذه معركة ليست فقط إسرائيل ضد هذه البرابرة، بل معركة الحضارة ضد الهمجية”.([16])
وفي معرض رده على أسئلة قناة “سكاي نيوز”، في 26 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، قال المندوب الصهيوني السابق لدى الأمم المتحدة دان غيلرمان: “مندهش من القلق المستمر الذي يظهره العالم وكذلك المملكة المتحدة تجاه الشعب الفلسطيني”، واصفًا الفلسطينيين بأنهم “فظيعون وحيوانات مجردة من الإنسانية”. وأضاف: “في الواقع، هذه الحيوانات الفظيعة والمجردة من الإنسانية، ارتكبت أسوأ الفظائع التي شهدها عصرنا وأسوأ الفظائع التي عانى منها اليهود منذ المحرقة”. ([17])
السمة الجوهرية لهذه التصريحات، هي الحرب حتى الموت، حرب من أجل الإبادة. وفي “الحرب المقدسة” التي يشنها الكيان الصهيوني والغرب على قطاع غزة، لا يُعدّ قتل الفلسطينيين جريمة، لأنهم “فظيعون وحيوانات مجردة من الإنسانية”، وبذلك يجعل منهم مجرد كتلة مزدحمة لا تحمل اسمًا ووجودها يتطلب إلى الإبادة.
[1]() https://x.com/نتنياهو يشبه مقاتلي حماس بداعش ويتعهد بالإنتصار في الحرب من أجل وجود إسرائيل – تايمز أوف إسرائيل (timesofisrael.com)
[2]() نتنياهو: “سنقضي على حماس كما قُضِيَ على داعش“، و بلينكن يؤيّد: “نقف وراء إسرائيل” – i24NEWS
[3]() مندوب تل أبيب بالأمم المتحدة عن “طوفان الأقصى“: 11 سبتمبر إسرائيلي – RT Arabic
[4]() أحمد الدبش، نتنياهو وخطاب الوهم التوراتي، الكرمل، 30/11/2023. نتنياهو وخطاب الوهم التوراتي | الكرمل (alcarmel.net)
[5]() عن كثب-“أنا صهيوني“.. كيف تشكل علاقة جو بايدن بإسرائيل سياسة الحرب – SWI swissinfo.ch
[6]() https://x.com/LindseyG بايدن: ليس من الضروري أن تكون يهوديا لكي تكون صهيونيا (youtube.com)
[7]() بايدن من تل أبيب: لو لم تكن هناك إسرائيل لعملنا على إقامتها | أخبار | الجزيرة نت (aljazeera.net)
[8]() بلينكن: أزور إسرائيل بصفتي يهوديا وسنلبي جميع حاجاتها الدفاعية | أخبار | الجزيرة نت (aljazeera.net)
[9]() الجزيرة مباشر on X: “السيناتور الأمريكي ليندسي غراهام في مقابلة مع قناة “فوكس نيوز” الأمريكية: نحن في حـ ــرب دينية وأقف إلى جانب إسرائيل #ليندسي_غراهام #الجزيرة_مباشر https://t.co/z4SJvgS8mw” / X (twitter.com)
[10]() فوق السلطة– رئيس مجلس النواب الأميركي: دعم إسرائيل واجب إنجيلي | البرامج | الجزيرة نت (aljazeera.net)
[11]() رنيه غروسّيه، موجز تاريخ الحروب الصليبية في المشرق الإسلامي وشرقي حوض المتوسط،
ترجمة وتعليق: د. أحمد إيبش، ط1، هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة، أبو ظبي، 2014، ص 32.
[12]() ستيفن رانسيمان، تاريخ الحملات الصليبية، الجزء الأول، ط1، ترجمة: نور الدين خليل، الهيئة المصرية
العامة للكتاب، القاهرة، 1994، ص (189- 190).
[13]() بيان خماسي غربي مشترك: دولنا ستدعم إسرائيل في “الدفاع عن نفسها” – 09.10.2023, سبوتنيك عربي (sputnikarabic.ae).
[14]()وزير الدفاع الإسرائيلي: نحارب حيوانات بشرية.. لا كهرباء ولا طعام إلى قطاع غزة
(فيديو – RT Arabic)
[15]() رئيس الوزراء يلتقي عائلات الإسرائيليين المختطفين في غزة ويتعهد بإعطاء الأولوية لعودتهم –
تايمز أوف إسرائيل (timesofisrael.com)
[16]()Benjamin Netanyahu – בנימין נתניהו on X: “To our Christian friends around the world, Merry Christmas. Christmas is supposed to be a time of good will to all men and peace on Earth. Well, we don‘t have peace on Earth, not in our part anyway, and we certainly don‘t see good will to all men. We‘re facing monsters,… https://t.co/NleTWVybSb” / X (twitter.com)
[17]() مندوب إسرائيل السابق لدى الأمم المتحدة عن الشعب الفلسطيني: “حيوانات مجردة من الإنسانية” –
RT Arabic