لم يكن أحد فينا متمرسًا على هذه اللحظة، مع أننا في وعينا ولا وعينا علمنا أنها قادمة، فحقيقة الخوف لمن صدق محبته أن لا تكون الشهادة ختام حياة السيد. أتت الشهادة ومعها الصدمة، وكأن الكون توقف، ولكن وإن أنكرنا جميعًا، رغم ظننا بأننا انكسرنا كسرًا لا يجبر إلا إنه وبعد الساعات الأولى من الخبر كانت روحه وبصمته فينا وحدها قادرة على الاستنهاض. بصمة السيد التي طبعها فينا منذ الصغر منذ عقود استنهضتنا، وتستنهضنا.
إن المدة التي تستغرقنا منذ وقع الخبر إلى انتشال الأنفس لم تكن لولا سحر شخصية السيد نفسه، ولم تكن لولا أن شهادته زمانًا ومكانًا ومعركةً تليق في مقامه، وبها حكمة نجزم أنه كان يعلمها منذ زمن. حاول العدو صدمتنا باغتيال السيد فكان السيد ذاته عنوان صمود من تلك الصدمة، لم يكمل خبر السيد الـ48 ساعة إلا ونحن عائدون إلى ما أورثنا إياه؛ طريق حرب عسير طويل ولكن كما خط هو قطعًا سننتصر فيه.
تشبه سكرة خيلاء العدو بصدمة الاغتيال سكرته بغضبه بعد السابع من أكتوبر المجيد، فالمستعمر الصهيوني في ذات الحالة، غارق في النشوة كما كان غارقًا في الانتقام قبل عام، وبين الحالتين نحن لم نتغير، ثابتون وصامدون، بل وإن تغيرنا فهو أننا مسلحون اليوم بطيف السيد.
لا يزال العدو يحوم حول المنجزات التكتيكية، لا منجزاً استراتيجياً حتى اللحظة، فلم يتحقق فصل الجبهتين ولم يعد المستوطنون، والتقييم العام الهادئ يسفر عن نتيجة واحدة، أنه لا يزال في ورطة استراتيجية، وهو بحاجة لنصر حقيقي ملموس، فسرعان ما سيستفيق جمهور العدو بأن الضربات على المقاومة الإسلامية في لبنان كانت مفرحة ولكن بلا قيمة، وما مشهد الناطق بجيش العدو عن “مواقع الرضوان” سوى انعكاس أن العدو يريد استمرار فيلم النصر الذي يبيعه لنفسه من اسطوانة فارغة، فالحرب مستمرة، وطريقه نحو حسمها يحتاج منجزًا حقيقيًا عجز عنه في غزة، وبينه وبينها في لبنان معركة برية. بتعبير آخر: بينه وبينها رجال ومفاجآت تركها له السيد، إرثه، وكأن التاريخ ينصف أبا هادي، قدر الصهاينة أن يهزموا بإرثه فقط.