خصصت مجلة “ناشيونال ريفيو” اليمينية الأمريكية سنة ٢٠٠٨ أربعة أعمدة للتنديد بإدوارد سعيد ووصفه بالدجل وانعدام الأمانة، على الرغم من وفاته قبل ذلك التاريخ بخمس سنوات. كتب أنتولي دانيلز وقتها متوقعًا أن تندثر كتابات سعيد كلها. لا شك في أن ذلك كله جاء خوفًا من تأثير سعيد الهائل في بنية المجتمع الأمريكي، ولا سيما في ما يخص القضية الفلسطينية، إلى حد أن روبرت فيسك وصفه بأنه: أكثر صوت فعال في الدفاع عن القضية الفلسطينية. كما قال عنه الناقد الإنجليزي رايموند ويليامز إنه لا يعرف فردًا استطاع بمفرده أن يثبت قضية أمته وشعبه على خريطة العالم إلى الأبد من غير إدوارد سعيد، إنه هبة الحق في كل مكان.
في حوار قديم لسعيد مع القسم العربي لهيئة الإذاعة البريطانية قال مجيبًا عن سؤال حول المصداقية التي نالها في الدوائر الغربية: “كنت أتقن تاريخنا. أعرف ماذا حدث بالضبط. ابن القضية وتعلَّمت، لا يكفي أن تكون ابن القضية بل يجب أن تكون تلميذها”. وظلّ سعيد، طوال حياته، الضمير النقدي للقضية الفلسطينية، وعنوان المقال الذي خصصه فيصل دراج له في كتابه “بؤس الثقافة في المؤسسة الفلسطينية” تدليلٌ كافٍ على كل ما سيجيء هنا: “إدوارد سعيد أو أخلاقية المعرفية”، وقال في مكان آخر عنه أنه “أعطى في مساره درسًا نموذجيًّا في الهُجنة الخصيبة، فقد كان أمريكيًّا يدافع عن القضية الفلسطينية، وكان فلسطينيًّا يندِّدُ بالسياسة الصهيونية، وكان ذلك الفلسطيني الأمريكي الذي ينقد المؤسسة العرَفاتية (إشارة إلى ياسر عرفات) ويرى فيها شرًّا وبيلًا يهدِّد الحق الفلسطيني”.
كما أنّ أول أوراق مؤسسة الدراسات الفلسطينية كانت دراسة لسعيد بعنوان “القضية الفلسطينية والمجتمع الأمريكي” نشرتها المؤسسة سنة ١٩٨٠.
كذلك فقد اعتبر محمود درويش، سعيد “ضميرنا وسفيرنا إلى الوعي الإنساني”، “ولو سُئل الفلسطيني عمَّا يتباهى به أمام العالم، لأجاب على الفور: إدوارد سعيد، فلم ينجب التاريخ الثقافي الفلسطيني عبقرية تضاهي إدوارد المتعدِّد المتفرِّد، ومن الآن (أي وفاته) وحتى إشعار آخر بعيد، سيكون له الدور الرياديُّ الأول في نقل اسم بلاده الأصلية من المستوى السياسي الدارج إلى: الوعي الثقافي العالمي. لقد أنجَبتهُ فلسطين، ولكنه -بوفائه لقيم العدالة المهدورة على أرضها، وبدفاعه عن حقِّ أبنائها في الحياة والحرية- أصبح أحد الآباء الرمزيِّين لفلسطين الجديدة، إن منظوره إلى الصراع الدائر فيها هو منظور ثقافي وأخلاقي لا يبرِّر فقط حقَّ الفلسطينيِّين في مقاومة الاحتلال، بل ينظر إليه باعتباره واجبًا وطنيًّا وإنسانيًّا أيضًا”.
يرصد محمد كمال محمد في بحث له في “مركز الحضارة للدراسات والبحوث” أهم ملامح فكر سعيد بخصوص القضية الفلسطينية، وهي:
النقد الذاتي، والمشترك الإنساني، ومأزق ضحية الضحية، ومعضلة الجغرافيا والديمُغرافيا.
وكل ذلك يمكن العثور عليه في كتب سعيد ومقالاته ودراساته لا سيما “مسألة فلسطين”، وحواراته مع دافيد بارساميان التي ترجمها توفيق الأسدي في كتاب “القلم والسيف”.
لن نخوض هنا في الحديث عن القضية الفلسطينية في فكر إدوارد سعيد بالشكل العام، ولا عن نقده للسلطة الفلسطينية التي منعت كتبه داخل فلسطين، بل يعنينا من ذلك كله جزء لا ينفصل عن فكر سعيد العام، لكن يمكن الحديث عنه على نحو منفصل، وهو القضية الفلسطينية والمجتمع الأمريكي. ففكر سعيد في هذا السياق دعا إلى وجود دراسات منفصلة تحمل عنوان “التمييز بين أمريكا الرسمية وأمريكا الأخرى انطلاقًا من فكر إدوارد سعيد”.
يرى الغربي في صورة الصهيوني، الباني لدولة “إسرائيل”، صورته الماضية والحاضرة. هكذا يصبح الصهيوني في سلطة صناعة الرأي العام أسطورة هي في جوهرها استعادة لأسطورة الأبيض وهو يكتشف الأراضي الجديدة
في مقالة له، “خواطر حول أمريكا”، سنة ٢٠٠٣، ثمة أشياء كثيرة، تعادل في وقتها ما يحدث اليوم منذ “طوفان الأقصى” يوم السابع من أكتوبر، وما جاء بعده من سياسات وتطورات. كتب سعيد وقتها: “[…] ما جعل سياسة إسرائيل في الآونة الأخيرة تبدو لعدد معتبر من الإسرائيليين سياسة انتحارية. وهذا ما جعل الكثرة الكاثرة من الإسرائيليين ينحون باتجاه الوضع الاحتياطي بدلًا عن الخدمة في جيش الاحتلال تعبيرًا عن نهجهم الرافض. وهذا هو أفضل ما انبثق عن الانتفاضة. وهو عينه ما يبرهن على أن الشجاعة الفلسطينية والتفاني في مقاومة الاحتلال قد آتيا ثمارهما أخيرًا”. كما ينقد سعيد في مقالته السياسة الأمريكية مع الإشارة الخاصة إلى العالم العربي والموقف المداهن لبعض المفكرين الأمريكيين من تلك السياسة.
يصف نعوم تشومسكي السياسة الأمريكية في كتابه “ردع الديمقراطية” بالقول: “إن المحاولات كلها سوف تبذل من أجل تفريغ عامة السكان والناس من الثقافة وصولًا إلى إغراق هؤلاء الناس في وحل المستوى الذهني والأخلاقي لأولياء الأمور في سائر الميادين الثقافية والاجتماعية”.
يتفق سعيد على نحو كبير مع القول السابق، إذ يقدم في كتاب “لوم الضحايا” صورة عن لا أخلاقية الثقافة الأمريكية كما تتجلى في إنتاج صورة الفلسطيني. فالفلسطيني فيها خلقٌ إيديولوجي محض أوجدته إيديولوجيا لا تعترف بالوجود الفلسطيني الموضوعي أبدًا. كتب سعيد في الكتاب المذكور، وهو كتاب جماعي، ثلاث مقالات، إضافة إلى تقديمه الذي وضع فيه الصورتين الصهيونية والفلسطينية كما تصوغهما صناعة الرأي العام وسلطة صناعة التزوير التي تعطي التزوير شكل البداهة.
إن الصهيوني والفلسطيني في هذه الصورة يشكلان وحدة متناقضة هي وحدة الشر والخير. يحيل الصهيوني فيها (طبعًا) إلى الخير، وهذه الإحالة (كما يراها فيصل دراج) هي نفسها تحيل على الخير المحايث للذات الغربية. إذ تتعامل هذه الذات، في تعاملها مع الصهيوني، مع “ذاتٍ” مثلها، وفي تمجيدها تمجد ذاتها. تنبثق هنا صورة الصهيوني من إيديولوجيا المركزية الأوروبية التي بنت ذاتها على هدم ذات “الآخر” (اللا أوروبي). لا تستطيع الإيديولوجيا الإعلامية الصهيونية أن تحقق فاعليتها إلا في عملية بناء الصورة الصهيونية بمواد الموروث الإيديولوجي الكولونيالي العنصري الكلاسيكي. حيث يرى الغربي في صورة الصهيوني، الباني لدولة “إسرائيل”، صورته الماضية والحاضرة. هكذا يصبح الصهيوني في سلطة صناعة الرأي العام أسطورة هي في جوهرها استعادة لأسطورة الأبيض وهو يكتشف الأراضي الجديدة، الأمر الذي يجعل من الصهيوني تجسيدًا جديدًا فوق أرض فلسطين لطهرانية أمريكية ترتد إلى القرن التاسع عشر زرعت الحضارة يوماً في أرض الهنود التي “لم تعرف الحضارة”.
يقول إدوارد سعيد في “القضية الفلسطينية والمجتمع الأمريكي» إنّ التأييد الأميركي للصهيونية إنما هو دعم إيجابي لسياسة استعمارية غربية لا يمكن التشكيك في أهدافها النبيلة، وهي سياسة الاستيطان في أراضٍ صحراوية، وخلق مؤسسات حديثة، وحل المشكلات التقنية بكفاءة وبصورة تثير الإعجاب بحسب أفضل التقاليد الغربية.
على النقيض من صورة الصهيوني، يُحوَّل الفلسطيني إلى أسطورة أخرى تمثل نفيًا للأولى، لذا يتم اختزاله إلى نماذج جاهزة: مسلم مأفون هائج مأخوذ بعنف مجاني، لا عقلاني، متوحش وبدائي. تصدر صورة الفلسطيني، كما يُظهر سعيد، من صورة الصهيوني، المنبثقة من سلطة الإعلام. والفلسطيني معادٍ للمعايير الأمريكية لأنه معادٍ للواقع الصهيوني، لذا تقع عليه الصفات الأمريكية الجاهزة: إرهابي / شيوعي، وهو في النهاية بالنسبة لها معادٍ للسامية.
يُظهر سعيد في الإطار نفسه كيف أنّ لوم الضحية يكشف عن إيديولوجيا الاكتشاف الكولونيالية الملازمة للإيديولوجيا الأمريكية المسيطرة، والتي وفقًا لها لا وجود لفلسطين، لأنّ ما يحمل صفة الوجود هي فلسطين التي “اكتشفها” الصهاينة.
كتب إدوارد غاليانو في مقالة له بعنوان “اكتشاف أمريكا الذي لم يقع حتى الآن”: “نقول إنه في عام ١٤٩٢ تم غزو أمريكا لا اكتشافها، لأن الهنود الذين كانوا يعيشون ذلك الزمان اكتشفوها قبل ذلك الزمن بملايين السنين”.
في مقالة لاحقة لسعيد في “لوم الضحايا” بعنوان “مؤامرة المديح”، يكشف عن حالة خاصة من حالات التزوير، وموضوع مقالته كتاب عنوانه “منذ زمن سحيق” لكاتبته جون بيترز. يقول كتاب بيترز إن الفلسطينيين ليسوا أكثر من دعاية محضة، جاؤوا إلى فلسطين بين ١٩٤٦ و١٩٤٨ كمهاجرين عرب بشكل لا شرعي، مجذوبين إلى رخاء المستوطنات اليهودية علهم يجدون عملًا هناك. لقي الكتاب مئات المراجعات الإيجابية وقتها، وانتشر في الأوساط الأمريكية، ولم يتصدَّ له علميًا إلا نورمان فينكلستاين وبيل فاريل.
في مقالته هذه، يشير سعيد إلى التحالف اللا أخلاقي بين المعرفة والسياسة في الولايات المتحدة، وينهيها بالكلمات: “تكمن الحقيقة المحزنة في أن الولايات المتحدة تبقى، حيثما تكون إسرائيل موضوع المناقشة، دون إسرائيل نفسها بكثير من حيث الالتزام بمعايير الحقيقة ومناهج الحوار السليمة (يذكّر هذا بتصريحات جو بايدن في الأيام التي تلت السابع من أكتوبر). لذا فإننا نجد أنفسنا أمام تجسيد كامل لأسلوب جنون البارانويا في الحياة السياسية الأمريكية”.
يحاكم سعيد، في مقالة أخرى من الكتاب، عنوانها “الإرهابي النموذجي”، معنى الإرهاب في الإيديولوجيا الأمريكية، إذ يحدد معنى الإرهاب الطرف الذي يردعه، أو يدّعي ردعه، ويصبح الدفاع عن الكرامة الوطنية وحق الضعيف في المقاومة والكفاح المسلح (الحق المشروع والكوني للشعوب المقموعة) شكلًا من الإرهاب. والحقيقة البسيطة التي يود سعيد أن يخلص إليها مفادها: “تعتبر الولايات المتحدة عملًا إرهابيًا كل عمل يزعج إسرائيل أو يضيرها، سواء كان ذلك في الحاضر أم في المستقبل”. يدلل تشومسكي في مقالة له ضمن الكتاب نفسه كيف تمارس أمريكا إرهاب الدولة، إذ تمارس عنفًا إعلاميًا داخليًا يعطي الزيف شكل البداهة، وعنفًا خارجيًا قاتلًا يعطي القتل شكل الإنقاذ.
في الصفحة الثانية من “لوم الضحايا” يكتب سعيد: “تشكل إسرائيل، نسبةً إلى تعداد السكان، أكثر بلدان العالم في التاريخ تلقيًا لمساعدات الولايات المتحدة. فمن المقدر أن كل مواطن إسرائيلي يحصل من الولايات المتحدة على ما يقرب ١٤٠٠ دولار في السنة، أما كل فرد من أفراد الجيش فمدعوم بما لا يقل عن ٩٧٥٠ دولارًا في العام الواحد» (كانت هذه الأرقام سنة ١٩٨٨).
بالنسبة لإدوارد سعيد، فإن كل تحليل جاد يجب أن ينطلق من الأسئلة الصحيحة، لذا يضع ملاحظة هي أنّ اعتبار المجتمع السياسي – أو الدولة – معبّرًا عن أمريكا بمجملها هو اعتبار صحيح لكن إلى حد ما فحسب. ومن الأمثلة على ذلك قيام المجتمع المدني الأمريكي، بما في ذلك الجامعات كافة، ضد المجتمع السياسي الأمريكي، كما كان هذا المجتمع يعبّر عن نفسه في فيتنام أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات.
محاضرة “القضية الفلسطينية والمجتمع الأمريكي” محاضرة ألقاها سعيد خلال وجوده كرائد باحث في مؤسسة الدراسات الفلسطينية سنة ١٩٧٩، وكما قلنا فإن أول أوراق المؤسسة المطبوعة سوف تكون هذه المحاضرة بعد إلقائها بسنة واحدة.
آمن سعيد، أنه في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، تحتفظ المقاومة للوحشية الإسرائيلية بأقوى قواعدها وأصدقها هناك، في التقليد المعارض ضمن المجتمع المدني الأمريكي، لا بين المحللين العسكريين أو السياسيين ولا داخل مجتمع الأعمال
تناول سعيد في المحاضرة الإطار العام للآراء المختلفة في الولايات المتحدة بصدد القضية الفلسطينية. وانطلق من النظرية التي تقول إن المجتمع الأمريكي شأنه شأن أي مجتمع صناعي رأسمالي متطور ينقسم إلى مجتمعين: سياسي ومدني. يتألف المجتمع السياسي من الحكومة والجيش والأمن والبيروقراطية، ويمثل قوة إمبريالية تتبع سياسة معادية للقضايا العربية عامة وللقضية الفلسطينية على وجه الخصوص. أما المجتمع المدني فيتألف من المؤسسات الثقافية والجامعية والدينية والنقابية وما إلى ذلك، ويلعب دورًا بارزًا في توجه السياسة الأمريكية. وقوة الصهيونية، كإيديولوجيا وفكر، ترتكز على هذا المجتمع أكثر مما ترتكز على المجتمع السياسي. وقد بدأ المجتمع المدني، وقت المحاضرة، أي سنة ١٩٧٩، يشهد تحولات إيجابية في ما يتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني، وذلك في إطار التحول العام الذي طرأ عليه منذ الستينيات في اتجاه الاهتمام بالعدالة وحقوق الإنسان ومعاداة الحرب، لكن الحاجة لا تزال قائمة (حتى اليوم) للتصدي لمواقف سلبية ترى في الفلسطينيين إرهابيين أو ما شابه.
المهم، بالنسبة لإدوارد سعيد، هو أنه في نقطة ما، وبصورة تكاد تكون فجائية، أواخر ١٩٦٧ وأوائل ١٩٦٨، انتقلت معارضة الحرب من هوامش الحياة الأمريكية إلى مركزها، وفي الجامعات في كل مكان. وضمن إطار الرؤية (المجتمع المدني) ظهر للمرة الأولى بعض الوعي للنضال الفلسطيني من أجل التحرر الوطني. صحيح أنه وعي ضئيل يلقى معارضة شديدة، لكنه يظل وعيًا على الرغم من كل شيء. وظهر الفلسطيني وازداد قوة – مثله في ذلك مثل الأمريكي الأسود والفلاح الفيتنامي والمقاتل الأنغولي من أجل الحرية – بفضل ارتباطه في العقل الثقافي الشعبي بأولئك الضحايا الآخرين للإمبريالية في العالم الثالث. وإنّ التغير الكبير في الثقافة والسياسة الأمريكية في السبعينيات هو بروز جهد هائل عاقد العزم على نسيان الستينيات.
مع ذلك، يقول سعيد، فإنه لكي تحظى القضية الفلسطينية بقبول وسائل الإعلام من الضروري أن نفكر ضمن واحد من إطارين: إما إخضاع القضية لبرنامج تجميلي يجعلها جذابة تجاريًا، وإما قبول تحدي نظام هائل ملتزم تقريبًا بتدميرنا وهزيمته (يبدو أن الإطار الثاني بعد السابع من أكتوبر هو الذي تم، وتحققت الكلمة الأخيرة منه).
أكثر المقاطع تفاؤلًا في تحليل سعيد للمجتمع المدني الأمريكي المعاصر، كما يقول، هو أنه المكان الذي يجب أن نضع فيه ثقتنا نهاية المطاف، وهو ذلك الموقع في الحياة الأمريكية الذي يجب أن نكرس له جهودنا السياسية والثقافية لمصلحة الكفاح الفلسطيني من أجل تقرير المصير. لأنّ لا وزارة الخارجية ولا الرئاسة حليفنا الطبيعي، وإذا أردنا أن نترجم كفاحنا كفلسطينيين إلى أكثر من مجرد قضية سياسية صغيرة، وإذا نظرنا إلى ما نفعله كجزء من القضايا الأكبر – المتعلقة بالحرية الإنسانية العامة والعدالة الاجتماعية – وجب علينا أن نركز جهودنا في نقاط التقارب تلك في الحياة المدنية الأمريكية التي تتطابق بصورة طبيعية مع نشاطاتنا الموجهة ضد القمع ومن أجل التحرير.
يرصد سعيد بعد ذلك قطاعًا من المجتمع المدني الأمريكي يقول إنه يقوم بدور رئيسي في تشكيل روح الشعب القومية، ومن هذا القطاع تنبع كل المواقف الأخلاقية.
يختتم سعيد محاضرته أننا كفلسطينيين لم نتعرف حقًا وجود أمريكا الأخرى، ويضيف أن التقليد المعارض في المجتمع الأمريكي يقف على أهبة الانتظار والتهيؤ للوقوف إلى جانب الكفاح الفلسطيني. آمن سعيد، أنه في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، تحتفظ المقاومة للوحشية الإسرائيلية بأقوى قواعدها وأصدقها هناك، في التقليد المعارض ضمن المجتمع المدني الأمريكي، لا بين المحللين العسكريين أو السياسيين ولا داخل مجتمع الأعمال.
كتب بول فيندلي من قبل كتاب “إنهم يجرؤون على التكلم جهارًا” تحدّث فيه عن آلية سير الإعلام في أمريكا وعدم السماح بأي نبرة نقدية لـ”إسرائيل”. اليوم، قسم هائل من المجتمع المدني – بل وحتى من السياسي – الأمريكي يتكلّم جهارًا ضد الإبادة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في غزة، في قلب الكونغرس أيضًا. إن الرأي العام الأمريكي اليوم، يشبه ما كان عليه في السبعينيات، في موقفه من مجتمعه السياسي بتدخلاته الخارجية وحروبه، واليوم فإن معظم المنظمات والجمعيات المدنية الأمريكية تخرج ببيانات تصف الأشياء بمسمياتها: “إسرائيل” ترتكب إبادة بحق الفلسطينيين، ليكن كل فلسطيني حرًا من البحر إلى النهر، وهذه ليست معاداة للسامية.