“كل الأدب سفر، منذ هوميروس، مرورًا بجلجامش، حتّاي” ابتدأ الراحل الياس خوري كلمته الافتتاحية في مؤتمر “الثقافة الفلسطينية إلى أين؟” الذي نظمته مؤسسة الدراسات الفلسطينية في جامعة بيرزيت سنة ٢٠١٦ بسؤال: “مَن يروي الحكاية؟”. مثل الثقافة الفلسطينية، لا يمكن قراءة الياس خوري بمعزل عن “النكبة المستمرة”، فالتفوق الأخلاقي للثقافة الفلسطينية بالنسبة إليه هو شرط قدرتها على توليد الكلمات والمعاني الجديدة. لذا فإنّ صراعها مع الصهيونية على مَن يروي الحكاية هو في جوهره صراع عمّن يرث الأرض والمستقبل. في الانتهاك الشامل للمعاني الإنسانية، حسب وصف خوري، كان حكّاء فلسطين، وإلى جانب كونه حكّاءً، كان قارئًا للواقع الثقافي العربي بوصفه جزءًا من…
الكاتب: يوسف م. شرقاوي
ثمة رجلان من الحياة الفلسطينية، ومن كتّاب فلسطين تحديدًا، وضعا السؤال الفلسطينيّ الذي يهوي على الوجود فيصيبه في مقتل. ثاني الرجلَين كان تلميذًا للأوّل في مدرسة الأليانس (دير ياسين في ذلك الوقت) في دمشق سنة ١٩٥٦، وثاني الرجلَين أيضًا كان أستاذي سنة ٢٠١٩ في دمشق. الرجل الأول هو الشهيد غسان كنفاني، أمّا الرجل الثاني فهو الراحل حسن سامي يوسف. أمّا سؤالهما فواحد، لكن كل منهما وضعه بطريقته، إذ كان كنفاني قد وضعه في مقالة غير معروفة له تحت عنوان “فضول طفل أم قدر رجل” (بيروت 1967)، فيما وضعه حسن سامي يوسف في روايته الأولى “الفلسطيني” الصادرة عن دائرة الثقافة في…
ثمّة اهتمام دولي متزايد عبر الدوائر الضيقة ثم الأوسع بالثقافة الفلسطينية في كل جوانبها، لا سيما “جامعة برلين الحرة” التي قدّمت خلال السنوات الماضية، بدعم من “اللجنة الأوروبية للأبحاث”، إسهامات عديدة في التعريف بالثقافة الفلسطينية وتحديدًا الأدب الفلسطيني، كما دعمت عدة مشروعات في السياق نفسه سوف نقف على واحدٍ منها. كما أقام “المعهد العربي” في باريس السنة الفائتة، بعد أشهر قليلة على مجازر الإبادة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في غزة، معرضًا بعنوان “ما تقدمه فلسطين للعالم”، لإطلاعه (أي العالم) على الإرث الثقافي والفني للفلسطينيين. وكان المعهد قد أصدر كتابًا جماعيًا بإسهام خمسين مثقفًا وكاتبًا وفنانًا قبل ذلك بعنوان “ما تقدمه…
لا شيء يوضح مسيرة الشهيد وليد دقة ويبرز خصوصيتها أكثر مما كتبه يامن نوباني في العدد 292 من مجلة “شؤون فلسطينية”، في باب “أنثولوجيا”، تحت عنوان “جامعة اسمها وليد دقة”: “افتتح وليد دقة في 25 آذار 1986 جامعة لا تشبهها أي جامعة في العالم. تتوزع أفرعها اليوم على 28 موقعًا شمال ووسط وجنوب فلسطين المحتلة. وهي 19 سجنًا، وأربعة مراكز تحقيق، وثلاثة مراكز توقيف، ومحكمتان عسكريتان. تغطي الجامعة كامل فلسطين التاريخية. 27.027 كم. بدون نقاط تفتيش. تعبرها كما لو أنك تملك البلاد كلها. لا أحد يستطيع إيقافك”. تعامل وليد دقة مع هذه الجامعة (أي نفسه) على أنها ذات باحثة وموضوع…
عاشت الرواية الفلسطينية ظروفًا استثنائية، تتمثل في تشتتها الجغرافي ما بين الأراضي المحتلة عام ١٩٤٨ والضفة الغربية وقطاع غزة، إضافة إلى الشتات. هذا التشتت جعل للرواية في الضفة والقطاع خصوصية فرضتها الظروف السياسية والعسكرية التي كان من نتيجتها خضوع المنطقتين للاحتلال الإسرائيلي سنة ١٩٦٧، مما أعطى الرواية، وأي عمل أدبي يصدر هناك، ملامح خاصة، لأنّ الكتابة تكون من داخل الحدث والمعايشة اليومية للاحتلال. وجد الإنسان الغزي نفسه أمام ظروف جديدة لم يعهدها ولم يتوقعها، بالتالي كانت ثمة ضرورة لمواجهة عدة تحديات من أجل أن “يحافظ وهو الأعزل على وجوده وليبقى متجذرًا في أرضه فيرفض الهروب ويصمد أمام أعمال الترحيل الاحتلالية…
لا توجد معرفة واسعة بالنضال البرمجي الفلسطيني أو المقاومة الإلكترونية، إذ تُعدّ مجهولة منذ نشأتها، ولا توجد دراسات عنها كوسيلة للمقاومة ضد الاحتلال، عدا دراسة إيريك سكاريه، المحرر في موقع “إنفوفاضة” الإلكتروني ومؤلف كتاب “عن فلسطين: دليل سفر سياسي باللغة النرويجية”. نُشرت دراسة سكاريه بترجمة عربية لمنصور العربي عن “منشورات المتوسط” سنة 2018 بعنوان “الجهاد الرقمي، المقاومة الفلسطينية في العصر الرقمي”، وهي المرجع الوحيد في هذا الخصوص. تدرس المقاومةَ الفلسطينية والوسائل الجديدة المستخدمة في العصر الرقمي، وتحاول أن تتقصى من هم الهاكر الفلسطينيون وماذا يفعلون، وهل يمكن اعتبار النشاط البرمجي جزءًا من المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي.بدأ نشاط الإنترنت العربي…
خصصت مجلة “ناشيونال ريفيو” اليمينية الأمريكية سنة ٢٠٠٨ أربعة أعمدة للتنديد بإدوارد سعيد ووصفه بالدجل وانعدام الأمانة، على الرغم من وفاته قبل ذلك التاريخ بخمس سنوات. كتب أنتولي دانيلز وقتها متوقعًا أن تندثر كتابات سعيد كلها. لا شك في أن ذلك كله جاء خوفًا من تأثير سعيد الهائل في بنية المجتمع الأمريكي، ولا سيما في ما يخص القضية الفلسطينية، إلى حد أن روبرت فيسك وصفه بأنه: أكثر صوت فعال في الدفاع عن القضية الفلسطينية. كما قال عنه الناقد الإنجليزي رايموند ويليامز إنه لا يعرف فردًا استطاع بمفرده أن يثبت قضية أمته وشعبه على خريطة العالم إلى الأبد من غير إدوارد…
[إلى (…)، العائد الأول الذي ما يزال يسير] في العدد ١٣٦ من مجلة الدراسات الفلسطينية، يُعيد إبراهيم مرعي، الأسير الفلسطيني، الانتباه إلى ضرورة إعادة الاعتبار لحلم تحرير فلسطين، بما يشمل الدعوة إلى إجماع فلسطيني جديد يستعيد الإجماع الأصلي وهو “تحرير فلسطين”. يمكن إيجاز المقالة، على أهميتها، بالعبارات التالية: “لقد كان تحرير فلسطين ولا شيء غيره، هو “الدين السياسي” الذي اعتنقه الفلسطينيون بعد سقوط البلاد في سنة 1948″. يناقش مرعي كل نقاط التحول في مسار القضية الفلسطينية، من خلال منظمات وأحزاب وما طرأ على الفكر والطموح السياسي، وكيف انقلبت الأهداف والحقوق: “يصبح التمسك بـ”تحرير فلسطين” الذي كان ذات يوم “أبو الأهداف…