في 22 ديسمبر الماضي، نشر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي تقريرًا «مُتفائلًا» عن كيفية تحويل التهديد الآتي من البحر الأحمر إلى «فرصة» تستفيد منها «إسرائيل» وبقية دول الاستعمار والإمبريالية. بعد مرور شهرين، تبدّل الخطاب الصهيوني إلى الاعتراف بالضرر الذي تسبّب به قرار حركة أنصار الله اليمنية منع وصول السفن التجارية إلى الموانئ الفلسطينية المُحتلة. تأثيرات ضربات الحوثيين لم تُصب كيان العدّو فقط، بل أبرز داعميه الدوليين أيضًا: الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا. هذه المجموعة اليمنية المتواضعة، تمكّنت من تعرية «القدرات الخارقة» لأمريكا وحشرها في موقع مُحرج داخليًا وعالميًا. طريق البحر الأحمر – ومنذ مدة – لم تعد سالكة. توازي بأهمية ما ينتج عنها، معارك المقاومة الفلسطينية ميدانيًا وضربات المقاومة اللبنانية.
في التفاصيل
موانئ «إيلات» و«حيفا» و«أسدود»، بدأت تحصد ويلات إقفال طريق البحر الأحمر أمام السُفن المُتّجهة إليها. فقد نشرت قناة «i24» الصهيونية عبر موقعها الالكتروني تقريرًا تشرح فيه تأثّر الموانئ الإسرائيلية «بصورة كبيرة بالهجمات التي شنّها الحوثيون في البحر الأحمر والتي استهدفت السفن المتجهة إلى إسرائيل»، وتحديدًا بسبب تحويل شركات النقل مساراتها بعيدًا عن باب المندب، ما ضاعف بثلاثة أضعافٍ مُدّة وصولها الى الموانئ الإسرائيلية، بحسب ما يذكر التقرير الصهيوني.
ونقلت «i24» عن إحدى العاملات في إدارة التخطيط الاستراتيجي في «ميناء حيفا» أنّ «السفينة التي تستغرق أسبوعًا في العادة بات يستغرق وصولها ثلاثة أسابيع الآن». وفي الوقت نفسه، تحوّل «ميناء حيفا» إلى بديل عن الموانئ الأخرى، وتحديدًا «أسدود»، فباتت السفن التي كانت ترسو في «أسدود» تُفرغ حمولتها في «حيفا» بسبب الضرر الذي لحِق بالأوّل.
فرض الحوثيون على العدّو والشركات المتعاملة معه تغييرًا في قواعد التجارة، فباتت شركات التأمين تفرض رسومًا عالية على الحاويات «وصلت إلى نحو 65 في المئة من قيمة السفينة تماشيًا مع تكاليف الرحلة ومُدّة الوصول». ويُضيف التقرير الصهيوني أنّ الموانئ المُحتلّة باتت «وتماشيًا مع حالة الطوارئ هذه تعمل أكثر وبطاقة أعلى إرضاءً لشركات الشحن». وتقوم هيئة الضرائب الإسرائيلية بتعويض السفن التي تتعرّض لأضرارٍ نتيجة مرورها في باب المندب أو اضطرارها إلى تغيير مسارها «بنسبة 100%». ويؤكّد التقرير أنّ استمرار الحرب على غزّة، سيُبقي وضع التجارة على ما هو عليه حاليًا، طالما أنّ أنصار الله ربطت مرور السفن المُتّجهة نحو الموانئ المُحتلة بإنهاء الحرب وفكّ الحصار عن غزّة.
لماذا يهّمنا الخبر؟
الأمر لا يقتصر على مُجرّد منع أنصار الله مرور السفن إلى الموانئ التي تحتلّها «إسرائيل»، بل جرّ أعظم قوّة في العالم، الولايات المتحدة الأمريكية، إلى معركة بحرية كُبرى، وفرض حالة تأهّب قصوى عليها، من دون أن تتمكّن من تحقيق انتصار بسيط، رغم الفارق الهائل في القدرات التقنية والتكنولوجية والبشرية.
في البداية، اعتقدت «إسرائيل» وبقية الدول الغربية أنّها أمام «فرصة» لتشكيل تحالف بحري مُتعدّد الجنسيات بقيادة أمريكا عنوانه «حماية السفن في بحر العرب والبحر الأحمر من التهديد الحوثي»، ومن خلفه إيران. ساد اعتقاد أنّه بالإمكان جمع أكبر عدد من الدول في هذا التحالف، ومنها الدول العربية والخليجية القريبة. قبل أن يتبخّر سريعًا هذا الحلم. أراد كيان العدّو من خلال تعزيز الدبلوماسية البحرية توسيع اتفاقيات التطبيع مع العالم العربي وتمتين الطوق حول غزّة، وبذلك تُحوّل التهديد الحوثي إلى فرصة استراتيجية، فكان للميدان رأيٌ آخر.
الحوثيون صامدون، والجيش الأمريكي «لا يعرف بالضبط مقدار قدرات الحوثيّين التي تم تدميرها، أو كم من الوقت ستستغرق مهمة ردعهم إلى الأبد»، وفق قائد المجموعة الثانية من حاملة الطائرات الأمريكية. الهجمات اليمنية لم تكن مُتوقعة للجيش الأمريكي، كما أنّه لم يكن متوقعًا إدخال أنصار الله لأسلحة جديدة في المعركة، كاستخدامهم غواصة غير مأهولة للمرة الأولى. المعركة الدائرة في البحر الأحمر هي «الأكبر للبحرية الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية»، يقول نائب قائد القيادة المركزية الأميركية، براد كوبر، لذلك أهميتها ليست في تأخير وصول سفينة ثلاثة أسابيع أو فرض رسوم تأمين مرتفعة، بل في فرض واقع بحري جديد وفي تثبيت مضيق باب المندب جبهة يحرسها أنصار الله خدمةً للقضية الفلسطينية.