تفرض قواعد العمل السياسي أن تُقدّم دولة استعمار، كإسبانيا، المساعدة لكيان الاحتلال في حربه ضدّ الفلسطينيين، وتقف الدول العربية، كالمغرب، إلى جانب دولة وشعب فلسطين في مواجهة المشروع الصهيوني. ولكن المصالح الخاصة للقيادات العربية واستدامة حُكم الأنظمة على حساب المصلحة العامة، أدّت إلى قلب المعايير. فوضعت إسبانيا في مواجهة «إسرائيل» والمُعسكر الغربي، ومملكة المغرب في صفّ الاحتلال على حساب فلسطين.
ماذا يجري؟
كشف موقع «غلوبز» الاقتصادي الصهيوني بتاريخ 19 يونيو الجاري، أنّ سفينة الإنزال الجديدة التابعة للبحرية الإسرائيلية، «إي أن أس كوميميوت – INS Komemiyut»، توقّفت في ميناء مدينة طنجة المغربية للحصول على الإمدادات، أثناء إبحارها بين الولايات المتحدة وكيان الاحتلال، قبل أن تُكمل رحلتها وتصل إلى «ميناء حيفا» يوم الأحد الماضي. معلومات «غلوبز» دُعّمت بسجلات السفينة على موقع «فيسيل فايندر» المُتخصّص برصد السفن، الذي أظهر أنّه حال وصول سفينة الإنزال إلى ميناء طنجة أوقفت جهاز الإرسال والاستقبال الخاص بها. وبحسب «غلوبز»، لم تكن هذه المرّة الأولى التي تفتح فيها المغرب موانئها أمام السُفن الصهيونية. فسفينتَي الإنزال اللتين اشترتهما «إسرائيل» ووصلتا إلى «حيفا» في سبتمبر سنة 2023، رستا في المغرب قبل مواصلة طريقهما إلى الأراضي المُحتلة.
ما الذي أقدمت عليه قيادة المغرب؟
بكلّ بساطة، مساعدة الاحتلال على إكمال حرب الإبادة في قطاع غزة والضفة الغربية، وإمداده بالدعم لشنّ حربٍ على لبنان. فسُفن الإنزال هي جزء من الأسطول البحري التي تُساعد في التكيّف مع الحرب مُتعدّدة الساحات، وفق ما ذكر «غلوبز»، والتي بحالة الاحتلال يُمكن أن تكون أكثر خطورة من ساحة قطاع غزّة، مما يتطلّب النقل اللوجستي للمعدات والمُقاتلين إلى وجهات أخرى مثل لبنان أو غيره من الدول.
ماذا عن إسبانيا؟
في مايو الماضي، أعلن وزير النقل الإسباني، أوسكار فوينتي أنّ سفينة الشحن «ماريان دانيكا»، التي ترفع العلم الدنماركي، طلبت الرسو في ميناء «كارتاخينا»، إلا أنّ طلبها رُفض. ونشرت صحيفة «الباييس» الإسبانية أنّ السبب يعود لكون السفينة كانت تحمل 27 طنًا من المتفجرات متجهة إلى البحر الأبيض المتوسط إلى موانئ كيان الاحتلال. اضطرت «مارينا دانيكا» على المرور بالمياه الإقليمية الإسبانية بسبب الحصار البحري الذي يفرضه أنصار الله في البحر الأحمر على السفن المُتجهة إلى كيان الاحتلال أو التابعة له. ويبدو أنّ مساندة جبهة غزة بحريًا لم يعد محصورًا بمحور المقاومة فقط، بل يشمل إسبانيا التي عبّرت برفضها مرور سفينة إلى «إسرائيل» عن موقف سياسي مُهم، يُضاف إلى بدء الإجراءات للاعتراف بالدولة الفلسطينية وإدانتها الحرب على غزة.
شعب المغرب ضدّ حكومته
يكشف تقرير لـ«البارومتر العربي» (شبكة بحثية تُعرّف عن نفسها بأنّها مستقلة وغير حزبيّة،) نُشر في مايو الماضي عن تراجع حاد في الدعم الشعبي للتطبيع بين «إسرائيل» والدول العربية، من ضمنها المغرب. فقد انخفض دعم التطبيع في المغرب من 31% عام 2022 إلى 13% فقط بعد حرب طوفان الأقصى. النسبة ليست أمرًا عابرًا في بلد مثل المغرب كان الدعم الشعبي فيه لقرارات القيادة، وتحديدًا في العلاقة مع كيان الاحتلال، أعلى من دول عربية أخرى. وهو يعكس ارتفاع نسبة الوعي لدى الرأي العام المغربي، واعتراضه على استمرار العلاقات الطبيعية مع كيان الاحتلال التي تُصرّ عليها المملكة المغربية. وقد أظهر الاستطلاع أيضاً أنّ 26% من المغاربة يصفون الأحداث في غزة بأنها مجزرة، و24% بأنّها حرب، و14% بأنّها إبادة جماعية أو قتل جماعي. واللافت أنّ نتائج الاستطلاع تأتي ضمن سياق يعكس تضامن المجتمع المغربي مع الشعب الفلسطيني. فقد ذكر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أنّه «أسبوعيًا تقريبًا تُنظّم في المغرب تظاهرات دعمًا للفلسطينيين، والتي تدعو عادةً إلى قطع العلاقات بين إسرائيل والمغرب (…) يؤدي هذا الاتجاه الشعبي إلى تفاقم التوتر بين سياسة المغرب الرسمية المتمثلة في الحفاظ على العلاقات مع إسرائيل (…) والمعارضة الشعبية والسياسية المتزايدة». واستنادًا إلى تقرير المركز الصهيوني، تستمر العلاقة التجارة بين المغرب وكيان الاحتلال، كما أنّ العلاقات الأمنية لم تتوقّف، ولكن «تضرّرت جوانب أخرى مُهمة بشكل كبير، وأبرزها العلاقات الدبلوماسية العلنية والزيارات الرسمية والسياحة. تقلّب العلاقات خلال فترات التصعيد في الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني ليس أمرًا جديدًا، ولكن من الأفضل لإسرائيل أن تتذكّر أنّ دعم المغرب للفلسطينيين قد يمتد إلى ما هو أبعد من الكلام. خلال الانتفاضة الثانية، ذهب المغرب إلى حد قطع العلاقات مع إسرائيل بسبب تصاعد الصراع، واستغرق تجديدها ما يقرب من عشرين عامًا».