انبثقت نظرية الأمن الإسرائيلية من أطروحة زئيف جابوتنسكي (1880-1940)، الأب الروحي لليمين الإسرائيلي، ومؤسس الحركة التصحيحية (أو التنقيحية)، والتي نشرها في مقالتين عام 1923 بعنوان “الجدار الحديدي”. الكلمات التي طرحها آنذاك تكاد تأخذ شكل تعليمات التعامل للوقت الحالي:
“ما هو مستحيل هو اتفاق طوعي. فطالما شعر العرب [الشعب الفلسطيني] بأنه ليس هناك بصيص أمل في التخلص منا، فإنهم سيرفضون التخلي عن هذا الأمل سواء مقابل كلمات طيبة أو لقاء توفير مصادر رزق أساسية لهم، لأنهم ليسوا رعاعًا بل شعب نابض بالحياة. ولا يتنازل شعب نابض بالحياة في أمورٍ ذات طبيعة حيوية كهذه، إلا عندما يفقد الأمل بالتخلص منا لأنه عاجز عن اختراق الجدار الحديدي. وحتى ذلك الحين، لن يتخلوا عن قادتهم المتطرفين الذين يتمسكون بشعار «أبدًا!» (أي [لا سلام] قط [مع دولة اليهود]!) وستنتقل القيادة إلى الجماعات المعتدلة، التي ستقترح علينا ضرورة اتفاق الطرفين على تنازلات متبادلة. ثم قد نتوقع منها مناقشة مسائل عملية بصراحة. وعندما يحصل ذلك، أنا على قناعة بأننا نحن اليهود سوف نكون مستعدين لمنحهم ضمانات مرضية، لكي يتمكن الشعبان من العيش معًا بسلام، كجارين تجمعهما علاقة طيبة. لكن السبيل الوحيد للتوصل إلى مثل هذا الاتفاق هو عبر الجدار الحديدي، والذي يعني [حشد] قوة كبيرة في فلسطين لا تكون عرضة لأي ضغوط عربية. بعبارة أخرى، إن الطريقة الوحيدة للتوصل إلى اتفاق في المستقبل هي التخلي عن أي فكرة للسعي إلى التوصل إلى اتفاق في الوقت الحالي”.([1])
كانت قناعة جابوتنسكي أن “القوة العسكرية هي وحدها القادرة على إيجاد والحفاظ على استمرار الدولة اليهودية”. ([2]) وقد ترجم بن غوريون، أول رئيس وزراء إسرائيلي (1948-1953) وأحد المؤسسين الأوائل للكيان، مبدأ الجدار الحديدي لجابوتينسكي إلى أحد الأسس الرئيسية لاستراتيجية الأمن القومي الإسرائيلي. ففي سبتمبر/ أيلول 1953 منح بن غوريون نفسه إجازة مدة سبعة أسابيع، تفرغ خلالها للتجوال في أرجاء فلسطين، التي مضى على احتلالها آنذاك خمس سنوات، بهدف كتابة وثيقة تتضمن أفكاره المتعلقة بمتطلبات الأمن القومي التي يجب تحقيقها انطلاقًا من استخلاصاته لواقع “إسرائيل” الجيوبوليتيكي وبيئة الصراع مع العالم العربي؛ حيث وضع وثيقة “جيش ودولة” بالتعاون مع عدد من مساعديه وقدمها إلى الحكومة في جلستها التي انعقدت في 28 أكتوبر/ تشرين الأول 1953، وتم التعاطى معها على أنها بيان صادر عن رئيس الحكومة وليست وثيقة ملزمة للدولة.
وعلى الرغم من أن الوثيقة غير ملزمة فإن ما تضمنته من أفكار وما صدر عن بن غوريون وكبار مساعديه من مواقف تتعلق بالأمن القومي في خطبهم وتصريحاتهم ومراسلاتهم، أصبح يشكّل مبادئ ومكونات استراتيجية الأمن القومي التي وجهت سياسات حكومته، ولقى قبولًا عند الحكومات التي تعاقبت على إدارة دفة الأمور في “إسرائيل”. ([3])
أدرك بن غوريون منذ البداية ماذا يعني نشوء دولة مصطنعة على أرضٍ ليست له، فعمد إلى وضع أساسٍ أولي للأمن قائم على نظرة عسكرية مرتكزة للقوة، مفادها أن أمن “إسرائيل” القومي هو أمن “الأقلية مقابل الأكثرية”. فقد كتب نائب رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي السابق يسرائيل طال، وهو من الفريق الذي ساعد بن غوريون على صياغة الأفكار التي مثلت استراتيجية الأمن القومي، في كتابه “قلة في مواجهة كثرة”: “كان واضحًا لقادة إسرائيل منذ بداية الطريق أن سماء الأمن القومي ستكون متكدرة لوقت طويل، وستضطر إسرائيل إلى الاعتماد على سيفها حتى ييأس العرب من أملهم باجتثاثها بالقوة من المنطقة”.([4])
لا بُد أن يستند هذا السيف [القوة العسكرية] إلى تبني سياسة هجومية لا دفاعية، لأنَّ الثانية معناها استنزاف “إسرائيل” وهو أمرٌ صعب التنفيذ. مع إدراكه لأنَّ تلك القوة ولضمان بقائها فمن المفترض أن يُصاحبها جهدٌ سياسيٌّ في الساحة الدولية.
كانت “إسرائيل” التي تصوّرها بن غوريون دولة تسعى لفترات طويلة من الهدوء، ولتجنب المواجهات العسكرية قدر الإمكان. لكن عليها، إذا دعت الحاجة، أن تحقق نصرًا سريعًا بسبب صغر حجمها ومحدودية مواردها البشرية، وعلى هذا الأساس وُضعت مرتكزات العقيدة الأمنية، وأهمها:
أولًا: تعزيز قوة الردع
ثانيًا: نقل المعركة في أقرب وقت ممكن إلى أرض العدو وإنهاؤها بسرعة
ثالثًا: تدمير قوات العدو العسكرية ومعداته
رابعًا: “هجوم استباقي” أو “حرب خاطفة وقائية” في حال التأكد من خطر وشيك.
خامسًا: سلاح نووي كخيار أخير.
ومن أجل تحقيق هذه الغاية، جرى اعتماد مبدأين:
– كان الأول منهما فكرة “جيش الشعب”، الذي يمكن تعبئته بسرعة، وهو يتكوّن أساسًا من المجندين في الخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياط. وهو جيش نظامي محترف صغير وقوات احتياط كبيرة وقوات جوية متقدمة، وتفوّقه على الأسلحة الجوية العربية مجتمعة، وأجهزة استخبارات عالية الكفاءة.
– والمبدأ الثاني أصبح يُعرف بـ”المثلث الأمني” الذي ترتكز عليه العقيدة الأمنية: الردع، والإنذار المبكر، والانتصار العسكري الحاسم. ([5])
على ضوء ذلك، طوّر بن غوريون ثلاث ركائز أساسية تقوم عليها النظرية الأمنية هي: الردع، والإنذار المبكر، والحسم السريع. أي ردع العدو عن المبادرة للحرب من خلال زرع قناعة راسخة لديه أن “إسرائيل” تمتلك قوة عسكرية هائلة للحد الذي يفقد فيها القدرة على تحمّل الدمار الذي ستحدثه ضربة “إسرائيل” الثانية لبلاده، إذا ما بادر بالضربة الأولى لـ”إسرائيل”، والإنذار المسبق أو المبكر حول أي نوايا هجومية للعدو، والحسم السريع إذا ما قرر (العدو) مهاجمة “إسرائيل”.([6])
“طوفان الأقصى” وثلاثية بن غوريون
لم تعد ثلاثية بن غوريون، المؤلفة من “الردع” و”الإنذار المبكر” و”الحسم”، صالحة بعد الحرب ضد حزب الله في لبنان (2006)، والحروب التي شنتها “إسرائيل” على قطاع غزة: عملية “الرصاص المصبوب” (2008 – 2009)؛ و”عمود السحاب” (2012)؛ و”الجرف الصامد” (2014)؛ و”سيف القدس” (2021)، التي شنّتها حماس على “إسرائيل”، والعشرات من جولات التصعيد ضد المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.
افترضت قيادة الجيش الإسرائيلي أنها قادرة على توفير ردع قوي طويل في حركة حماس، من خلال شن حروب متتالية يخوضها الجيش من وقت إلى آخر، فيوجه ضربات قاصمة إلى القدرات العسكرية، والضغط عليها عبر استهداف البنية التحتية للقطاع وقتل عدد أكبر من السكان المدنيين، ومحاولة إضعاف سيطرتها على قطاع غزة. ثم تترجم هذه الحروب المتتالية إلى “تفاهمات” سياسية تساهم في استقرار الردع بعد القتال.
ولكن مع صباح يوم السبت السابع من أكتوبر 2023 تبددت كل هذه الافتراضات والتقديرات التي استندت إليها النظرية الأمنية الإسرائيلية. أدّت “طوفان الأقصى” إلى أزمة حقيقة مسّت قلب العقيدة الأمنية الإسرائيلية وركائزها المذكورة، ووصفت بزلزال استراتيجي زعزع صورة الجيش الإسرائيلي وواقعه:
الردع
يرى العسكريون الإسرائيليون أن تحقيق “الردع” يتطلب إبراز القدرات والإمكانيات العسكرية، وإحباط محاولات العدو تحقيق أهدافه. دلت المواجهات مع المقاومة على قصور “الردع”، فقد اضطرت “إسرائيل” إلى شن عدة حروب على قطاع غزة، ولم تتمكن من تحقيق الردع المطلوب عسكريًا، إذ استمر إطلاق الصواريخ على “إسرائيل” في مراحل متفاوتة، فتحولت الجبهة الداخلية الإسرائيلية إلى جزء من المواجهة، بشكل أَثّر في المجتمع الإسرائيلي.
حسب النائب عوفر شيلح، الذي رأس لجنة برلمانية لدراسة فعالية استراتيجية الأمن القومي، فإن التنظيمات المسلحة أثبتت أنها قادرة على استهداف العمق المدني الإسرائيلي خلال المواجهة بمستوى لم تتمكن الدول العربية في حروبها مع إسرائيل من الاقتراب منه. ([7])
في “إسرائيل” اليوم هناك شبه إجماع على فشل ردع المقاومة في غزة، لدرجة وصفه بعض كُتابهم بـ”القصص الخيالية”! فلأول مرة منذ نشوء الكيان يتم استهدف مواقع للجيش داخل ما يسمى بـ”الخط الأخضر”، أي تنتقل الحرب داخل حدوده الوهمية، حيث تمكنت قوى المقاومة من السيطرة على عدد كبير من مواقعه وقواعده العسكرية مؤقتًا.
الإنذار المبكر
فشلت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في معرفة نوايا ومخططات حماس، وفي توفير إنذار مبكر، يسمح للجيش بإجهاض عملية “طوفان الأقصى”. ويَبْرُزُ هذا الفشل على مستويين:
أولهما، الاستخبارات البشرية، وقد اعترف الجنرال أهارون حاليفا، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، بإخفاق في توفير الإنذار المبكر.
وثانيهما، الاعتماد المفرط على التكنولوجيا. في مطلع كانون الأول / ديسمبر 2021، وقف وزير الأمن السابق، بيني غانتس، متفاخرًا بتدشين الجدار الأمني “الذكي” الخاص بقطاع غزة، الذي يحتوي على عشرات أبراج المراقبة، ومئات الكاميرات، بالإضافة إلى وسائل إنذار مسبق، ومجسّات حساسة. ولكن باستخدام تكتيكات بسيطة نسبيًا، تمكّنت قوات النخبة في “القسام” من اختراق السياج الإلكتروني، تاركين خلفهم حوالي 10 اختراقات في الجدار “الذكي”، وتعطيل بنيته التحتية.
الحسم السريع
طبقًا لاستراتيجية الأمن القومي الإسرائيلي، وإذ لم ينجح “الردع” و”الإنذار المبكر”، فإنه يتوجب حسم المعركة سريعًا، والعمل على تقليص أمد الحرب، وهو ما يُعرف بـ”الحروب الخاطفة”.
أثبتت “طوفان الأقصى” فقدان “إسرائيل” القدرة على “الحسم السريع”، فشنّ حرب خاطفة قصيرة يتوقف بالأساس على إحراز “إسرائيل” تفوقًا نوعيًا على حماس، وإطالة أمد حرب الإبادة لما يقارب الـ10 أشهر أدت إلى استدعاء الآلاف من قوات الاحتياط العاملين في المرافق الإنتاجية وقطاعات الخدمات، ما تسبّب في شلل الاقتصاد والمرافق الإنتاجية وقطاعات الخدمات بشكل كبير.
نتنياهو ومأزق العقيدة الأمنية
رغم كثرة الادعاء والتنظير لفكرة أن بنيامين نتنياهو “غبي” و”مجنون” يقود “دولة إسرائيل” إلى الدمار بإطالة أمد الحرب، وأن مصالحه الشخصية تحرّك عجلة الحروب في المنطقة، وأنه يحاول الهروب من الملاحقات القضائية…الخ، إلا أن قيادة نتنياهو في الفترة الأخيرة استثمرت العلاقات العضوية مع الغرب؛ لعب على وتر الصراع الحضاري بين الغرب والشرق، وأشار في خطابات عدة إلى أنه وحكومته جزء من الصراع بين “الحضارة” و”البربرية”، وأنه وحكومته رأسُ حربة الغرب في مواجهة التطرف الإسلامي، لذلك لا بد للغرب أن يقدّم كل أشكال الدعم اللازمة لتمكين “إسرائيل” من القيام بواجباتها في حربها ضد غزة.
يدور النقاش في العالم، ولا سيما في الكتابات العربية، بشأن دوافع نتنياهو من إطالة أمد حرب الإبادة في قطاع غزة، والسعي إلى حرب مع لبنان واليمن وإيران؛ فثمة من يَعزوها إلى دوافع شخصية خالصة، تتعلق بالهروب من الملاحقات القضائية في قضايا فساد، وثمة من يعزوها إلى “الغرور”، أو “الغباء”، أو “الجنون”. إن التعامل مع موقف نتنياهو من خلال هذه الأقاويل لا يسعفنا في فهم حرب الإبادة في قطاع غزة الممتدة على مدار 10 أشهر.
شكّل نتنياهو حالة فريدة في تجربة “إسرائيل” السياسية، فمنذ التأسيس عام 1948 وحتى اليوم لم يتمكن أي من قياداتها، رغم أن بعضهم من المؤسسين ومن الجنرالات العسكريين الذين قاموا بأدوار كبيرة ومؤثرة، من الاستمرار في الحكم لفترة زمنية طويلة كما فعل نتنياهو. يرمي الأخير إلى موضعة نفسه كـ”ملك ملوك إسرائيل”، وسليل ملوك روايات “الكتاب المقدس”، لا رئيسًا لحكومة “إسرائيل” فحسب. وفي هذا الإطار، يتحوّل إلى ممثّل الحضارة الغربية في مواجهة البربرية العربية-الإسلامية. وُجد لحماية “الشعب اليهودي” من الإبادة – كما يَزعم – التي تعرّض لها في “طوفان الأقصى”.
أدرك نتنياهو أنه يستطيع ترميم النظرية الأمنية الإسرائيلية، وإدارة حرب الإبادة في قطاع غزة، وتوسيع المعركة العسكرية لتشمل بلدانًا أخرى، لذا، لا يمكن إعادة الاعتبار إلى “دولة إسرائيل” ومنظومتها الأمنية من خلال اعتبار “طوفان الأقصى” عملًا عابرًا، وإنما يجب أن تدار المعركة من خلال تصعيد الوضع وتحويله إلى واقع غير قابل للمساومة.
حاول نتنياهو محو صورة 7 أكتوبر من الذاكرة العربية-الفلسطينية، وهي صورة انهيار قوة “الردع”، فارتكب هو وحكومته فظائع الإبادة الجماعية في غزة، ومبتغاه هو “الردع بالمذابح”، أو ما أسمّيه “عقيدة غزة” ([8])، والرسالة إن ما حدث في غزة بعد عملية “طوفان الأقصى” هو ما سيحدث في أي مكان تتم منه مهاجمة “إسرائيل”.
سقط نتنياهو وحكومته في خطأ كارثي عندما بدأ حرب الإبادة في قطاع غزة بدون أي اعتبار للرأي العام العالمي، وبدلًا من محو صورة انهيار قوة “الردع الإسرائيلية”، رسخ صورة الإسرائيلي القاتل بلا رحمة، ومس بسمعة الجيش الإسرائيلي، وحدث انقلاب حقيقي في الرأي العام العالمي ضد “إسرائيل” بعد رسوخ التعاطف معها على مدى 75 سنة، ووجدت “إسرائيل” نفسها -لأول مرة في تاريخها- في قفص الاتهام في لاهاي بتهمة الإبادة الجماعية.
يهدف نتنياهو في النهاية إلى إنقاذ العقيدة الأمنية لـ”دولة إسرائيل” بعد زلزال “طوفان الأقصى”، بحيث يكون الحل الوحيد والممكن للصراع مع قوى المقاومة هو حسمه بقوة النيران وبلا رحمة، وبذلك جرى التعويل على “الحسم السريع”، و”الانتصار في الحرب”، وتحقيق “النصر المطلق”. ولكن بعد مضي عشرة أشهر على “طوفان الأقصى” لا تبدو “إسرائيل” على وشك النصر، كما لم تظهر ملامح هزيمة قوى المقاومة في قطاع غزة. ولا تزال المقاومة تسيطر على مساحات شاسعة من القطاع، وتحتفظ بالأسرى، وتنصب الكمائن، وتزرع الألغام، وتقنص الجنود الإسرائيليين، وتستهدف آلياتهم العسكرية. فقد اعترف الجيش الإسرائيلي ولأول مرة منذ بداية الحرب، بالافتقار إلى “الكثير من الدبابات المتضررة والذخيرة”.([9]) وبحسب تقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، إن “إسرائيل” فشلت في تدمير شبكة أنفاق حماس في قطاع غزة، حيث “لا يزال 80 % من تلك المنظومة سليمة”.([10])
أعاد نتنياهو إلى الأذهان مقولة بن صهيون (نتنياهو الأب)، وهي فكرة جابوتنسكي، “الجدار الحديدي”: “أن ما يمنع اليوم إبادتنا ليس إلّا الجدار الحديدّي، الذي شيّدناه بقوّتنا، من يجرؤ على التخلّي عن هذا الجدار الحديدي؟ من يجرؤ على إضعافه”.([11])يرى نتنياهو نفسه المُنقذ لـ”دولة إسرائيل”، فقرر شن ضربات عسكرية على ميناء الحديدة في غرب اليمن (20 تموز/ يوليو 2024)، ردًا على الهجوم اليمني على تل أبيب، وصعد على الجبهة اللبنانية، واغتال فؤاد شُكر، القيادي في حزب الله، في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت (30 تموز/ يوليو 2024)، والتجرؤ على اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في طهران (31 تموز/ يوليو 2024).
باختصار، نتنياهو يسعى لإعادة إحياء ثلاثية بن غوريون، المؤلفة من “الردع” و”الإنذار المبكر” و”الحسم”، وتعزيز “الجدار الحديدي”، وهذه المفاهيم والنظريات من المستحيل تحقيقها إلا بالقضاء على قوى المقاومة في قطاع غزة، وهذا حلم بعيد المنال، فلا سبيل أمام نتنياهو سوى اتساع الحرب إلى خارج حدود قطاع غزة، وتحويلها إلى حرب إقليمية كبرى، لإنجاز نوع من “الردع” و”الحسم”، وهذه مقامرة كبرى، قد تكبد “إسرائيل” مزيدًا من الخسائر، وتؤدّي إلى هزيمة نكراء للجيش الإسرائيلي، تُعجّل في تفكيك “دولة إسرائيل”.
[1]() غادي آيزنكوت وغابي سيوني، توجيهات لاستراتيجية الأمن القومي الإسرائيلي، معهد واشنطن
لسياسة الشرق الأدني، ص 9.
[2]()عبد الحي زلوم، حروب البترول الصليبية، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت،
2005، ص 281.
[3]() صالح النعامي، إستراتيجية الأمن القومي الإسرائيلي في ضوء التحولات الجيوسياسية، ط1، مركز الجزيرة
للدراسات، الدوحةــ قطر، 2022، ص (31- 32).
[4]() النعامي، مرجع سبق ذكره، ص 38.
[5]() منير فخر الدين (محرر)، دليل إسرائيل العام 2020، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 2021 (فادي
نحاس، المؤسسة العسكرية والأمنية، ص (666- 667)).
[6]() عوض منصور، دليل إسرائيل العام 2011: المؤسسة الأمنية والعسكرية، مؤسسة الدراسات الفلسطينية،
بيروت، 2011 ص (583- 652).
[7]() النعامي، مرجع سبق ذكره، ص 70.
[8]() أطلقت على حرب الإبادة في غزة مفهوم “عقيدة غزة”، استنادًا إلى مفهوم “عقيدة الضاحية”، وهو مفهوم
استراتيجي/ قتالي تبلور في أعقاب حرب تموز/ يوليو 2006، وأطلقه غادي آيزنكوت.
[9]() צה“ל מודה לראשונה במלחמה: “חסרים לנו טנקים רבים שנפגעו – ותחמושת” | פרסום ראשון (ynet.co.il)
[10]() Israel Struggles to Destroy Hamas’s Gaza Tunnel Network – WSJ
[11] () د. مهند مصطفي، بنيامين نتنياهو: إعادة إنتاج المشروع الصهيوني ضمن منظومة صراع الحضارات، مركز رؤية للتنمية السياسية، أسطنبول، 2019، ص (66- 67).