يوم الإثنين 10 يونيو 2024، تبنّى “مجلس الأمن الدولي” مشروع قرار أمريكي، يدعو إلى “وقف إطلاق النار في غزة وتطبيق غير مشروط لصفقة تبادل الأسرى”. مشروع القرار الذي كان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد أعلن عنه سابقًا بُني على أساس موافقة “إسرائيل” عليه، على ذمّة الإدارة الأمريكية. وينص المشروع على إنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، وانسحاب جيش الاحتلال من القطاع. وقد تبنى المجلس هذا القرار بموافقة 14 دولة، فميا امتنعت روسيا عن التصويت من دون استخدام حق النقض (الفيتو).
المندوبة الأمريكية في المجلس، ليندا توماس غرينفيلد، قالت خلال إن “الصفقة المطروحة الآن تلبّي مطالب إسرائيل، وتتيح إدخال المساعدات إلى غزة”، مضيفة أن “إسرائيل وافقت على الصفقة التي تمهّد لتسوية سياسية”. وتابعت: “ننتظر أن توافق حماس على الصفقة، ولا يمكننا تحمل الانتظار إلى ما لا نهاية”. ولفتت غرينفيلد إلى أن بلادها تريد “وقفاً دائماً لإطلاق النار”.
وقد رحب الاتحاد الأوروبي وعدد من الدول العربية بالقرار الأخير، فيما رحّبت حركة “حماس”، في بيان، بما “تضمّنه قرار مجلس الأمن حول وقف إطلاق النار الدائم، والانسحاب التام من قطاع غزة، وتبادل الأسرى، والإعمار، وعودة النازحين إلى مناطق سكناهم، ورفض أي تغيّر ديموغرافي أو تقليص لمساحة قطاع غزة، وإدخال المساعدات اللازمة لأهلنا في القطاع”. وعبّرت الحركة عن “استعدادها للتعاون مع الإخوة الوسطاء للدخول في مفاوضات غير مباشرة حول تطبيق هذه المبادئ”.
على أنّ “إسرائيل” نفسها أعربت عن امتعاضها من القرار الذي قالت الإدارة الأمريكية أنه مقترح إسرائيلي، إذ نقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية يوم الإثنين 10 حزيران 2024 عن مسؤول إسرائيلي كبير قوله إن “القرار الذي أصدره مجلس الأمن الدولي يحد من حرية إسرائيل في العمل”. وأضافت الصحيفة أن “إسرائيل كانت قد أبلغت الإدارة الأمريكية قبل التصويت أن الصياغة الحالية للاقتراح إشكالية ولا تعكس الخطوط العريضة الإسرائيلية للصفقة”. ولفتت الصحيفة إلى أنه في النسخة السابقة من القرار “إسرائيل وافقت على أنه مقابل عودة جميع المختطفين تنتهي الحرب، وتنسحب قوات الجيش الإسرائيلي بشكل كامل من القطاع، إلا أن إسرائيل أكدت أن الاتفاق على إنهاء الحرب كان فقط بشرط ألا تعود حماس القوة الحاكمة في غزة”، وختمت الصحيفة بالقول: “يزعمون (في إسرائيل) أنهم لم يوافقوا على ما كتب في النسخة التي طرحت في مجلس الأمن”.
من جانبه، أكد مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا، أن مشروع القرار الأمريكي بشأن غزة “غامض وهناك تساؤلات بشأنه ويعتمد على اتفاقات يديرها وسطاء غير واضح عما يتفاوضون عليه وعلى ماذا وافقت إسرائيل”. وأكد نيبينزيا انّ ” معالم الصفقة النهائية لا تزال حتى الآن غير واضحة، لا أحد ربما باستثناء الوسطاء على علم بها، واضعو الاتفاق لم يبلغونا في مجلس الأمن بشيء. في الواقع هذا مثل السمك في الماء”. وشدد المندوب على أن تنفيذ بنود القرار الأمريكي الذي اعتمده مجلس الأمن الدولي “لا يمكن إلا أن يبقى حبرًا على الورق”.
في الواقع، وجهة نظر المندوب الروسي تبدو واقعية. فالولايات المتحدة الأمريكية تزعم بأن “إسرائيل” موافقة على القرار. لكن حكومة الاحتلال لم تُعلن موقفها منه، فيما هي تسرّب في وسائل الإعلام الإسرائيلية بأنها غير موافقة عليه. ورغم أن “حماس” أعلنت تأييدها لمضمون القرار – بخلاف حكومة الاحتلال، إلا أن الولايات المتحدة لا تزال تدعو “حماس” إلى الموافقة عليه، مكررة الزعم بأن “إسرائيل” وافقت.
ماذا يعني ذلك؟
ما تقدّم يشير إلى القرار الأخير الصادرعن مجلس الأمن لم يصدر بهدف تنفيذه، إذ أن الولايات المتحدة الأمريكية تريد منه تحسين صورتها في العالم، ومحاولة أخذ مسافة من الإبادة الجارية في قطاع غزة. فالاستمرار بتكرار كذبة أن “إسرائيل” موافقة على القرار، كما تكرار دعوة حماس إلى الموافقة عليه رغم إعلانها ذلك، يؤشران إلى أن واشنطن لا تريد لهذا القرار أن يُنفَّذ، التزامًا منها بتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب لكيان الاحتلال. وهذا القرار ليس سوى حلقة في سلسلة المساعي الأمريكية لتحسين صورتها والنأي بالنفس، إعلامياً، عن الإبادة، فيما هي تدير عمليات جيش الاحتلال ومجازره في قطار غزة، وآخرها مجزرة النصيرات، وفي عدد من الدول العربية، على رأسها اليمن.
ولا بد من التذكير بأن القرار الأخير الذي اعتمده مجلس الأمن ليس الأول من نوعه الذي يدعو إلى وقف الحرب على قطاع غزة، بل هو الرابع منذ السابع من أكتوبر 2023. وكل تلك القرارات لم تكن ملزمة لـ”إسرائيل”.
ما هي هذه القرارات؟
الأول: كان في الـ 15 من تشرين الثاني – نوفمبر 2023، عندما تبنى مجلس الأمن الدولي القرار 2712 الذي يقضي بإقامة هُدن وممرات إنسانية عاجلة ممتدة في جميع أنحاء قطاع غزة والإفراج الفوري ومن دون شروط عن كل المحتجزين. وحصل القرار على تأييد 12 عضوا وامتناع الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وبريطانيا عن التصويت.
لم تنفّذه “إسرائيل”.
الثاني: كان في الـ 23 من كانون الأول – ديسمبر 2023، حين تبنّى مجلس الأمن الدولي القرار الثاني بشأن الحرب على غزة. وقد نص القرار 2720 على اتخاذ خطوات عاجلة للسماح فورًا بإيصال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، وتهيئة الظروف لوقف إطلاق النار بين “إسرائيل” و”حماس”. وقد حظي القرار بتأييد 13 دولة، فيما امتنعت الولايات المتحدة وروسيا عن التصويت. وللمرة الثانية لم تلتزم حكومة الاحتلال بالقرار.
الثالث: كان يوم الـ 25 من آذار – مارس 2024 حين تبنى مجلس الأمن الدولي قرارًا جديدًا بشأن قطاع غزة. ونص القرار 2728 الذي تمت الموافقة عليه على أن “وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس يجب أن يكون فوريًا وتحترمه جميع الأطراف خلال شهر رمضان، ما يفضي إلى وقف دائم ومستدام لإطلاق النار، والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المحتجزين وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة”. وبطبيعة الحال، لم تلتزم “إسرائيل” بهذا القرار.
نسخة عن القرار 242؟
يعيد القرار الأمريكي الأخير ــ الذي تبناه مجلس الأمن بشأن وقف الحرب في غزة – إلى الأذهان قرار مجلس الأمن رقم 242، الذي تم اعتماده بعد حرب حزيران – يونيو 1967، بإجماع دولي. وقد نص القرار حينذاك على انسحاب “إسرائيل” من الأراضي التي احتلتها في حرب عام 1967. غير أنّ كيان الاحتلال وداعميه في الغرب ادعوا آنذاك أنّ القرار “لم يدعُ إلى انسحاب الاحتلال الإسرائيلي بشكلٍ كاملٍ من الأراضي المحتلة”، على الرغم من أن منظمة التحرير الفلسطينية، قبلت عمليًا بالقرار 242، بعد إعلانها الاستقلال في تشرين الثاني 1988، ووافقت على أنه – إلى جانب قرار مجلس الأمن رقم 338 – ينبغي أن يكون أساسًا للمفاوضات مع “إسرائيل”.