كشفت تحقيقات استخدام جيش الاحتلال، الذكاء الاصطناعي، لقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين المدنيين، بصورة ممنهجة، من خلال اعتبارهم أهدافًا قابلة للاغتيال في حربه المستمرة على غزة. حُكي الكثير في الأسابيع الماضية عن نظام ذكاء اصطناعي يُطلق عليه اسم «لافندر»، استخدمه العدو لزيادة عدد الشهداء في الغارات الجوية، خاصة في الأسابيع الأولى من الحرب على قطاع غزة. لكن ما لم ينل نصيبه من الإشارة الإعلامية هو برنامج «أين أبي؟» الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي، والمخصص عمليًا لإبادة عائلات المقاومين.
في التفاصيل
وفقًا لستة ضباط استخبارات إسرائيليين شاركوا في عملية صنع آلة القتل تلك، صُمّم «لافندر» للتعرّف بسرعة على جميع «النشطاء المُشتبه بهم في الأجنحة العسكرية لحماس والجهاد الإسلامي في فلسطين» واعتبارهم «أهدافًا محتملة للقصف»، حتى ذوي الرتب المنخفضة في المقاومة. وحلّل الذكاء الاصطناعي بيانات ضخمة عن سكّان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة لمنح كل شخص تصنيفًا يشير إلى مدى «احتمالية كونه متشددًا». من خلال آلية العمل هذه، وضع «لافندر» علامة على أكثر من 37 ألف فلسطيني تحت خانة «مسلحين مشتبه بهم» لإضافتهم إلى «قوائم القتل» التي تعني أنهم أصبحوا عرضة لاغتيالهم بغارات جوية. وذلك كلّه وفق تحقيق نشرته مجلة «972» العبرية في الثالث من أبريل الحالي.
36 ألفا ينتظرون
في المراحل الأولى من الحرب، أعطى جيش الاحتلال تفويضاً واسعاً للضباط للعمل وفقًا لقوائم القتل التي أنشأها نظام «لافندر»، من دون التحقّق من اختيارات الآلة للأهداف أو فحص البيانات الاستخباراتية الأولية. وقال أحد الضباط إنّه لم يكن هناك «أي إشراف بشري تقريبًا» على عمل آلة الموت، فقد تعاملوا مع الأهداف بشكل أساسي على أنها كلّها مشروعة بناءً على ما تقوله الآلة فقط، من دون الحاجة إلى فحص المعلومات الاستخبارية من قبل البشر. وكشف أحد كبار الضباط: «في البداية، فحصنا الآلة للتأكّد من عدم وجود تشويش. بعد ذلك اعتمدنا على النظام الآلي، وتحقّقنا فقط من أنّ الهدف المُراد قصفه كان رجلًا. ذلك كان كافيًا» لتنفيذ العملية، مضيفًا أنّه «لم يكن لدي أي قيمة أضيفها كإنسان على عمل الآلة، باستثناء أنني حصلت على ختم الموافقة (على القتل)». وكشف مصدر آخر لـ«972» أنه لم يتم إجراء أي تحقيق حقيقي بالجرائم قبل تنفيذها: «أنت لا تريد أن تضيّع قنابل باهظة الثمن على أشخاص غير مهمّين. أنت تنتقل فورًا إلى الهدف التالي. وبسبب آلة الذكاء الاصطناعي، فإنّ الأهداف لا تنتهي أبدًا. لديك 36 ألف شخص آخر بانتظارك». هكذا تحدثت مصادر المجلة العبرية عن شهداء غزة. أرقام تنتظر دورها لتنضم إلى قافلة الشهداء.
«أين أبي؟»
استخدم الصهاينة نظاما آليًا آخر يُطلق عليه تسمية «أين أبي؟»، يُستخدم لتحديد الوقت الذي دخل فيه الأفراد المستهدفون منازلهم، وبعد نحو 20 ثانية فقط، يُقصف «الهدف» مع عائلته، من هنا تأتي تسمية النظام. الأمور ليست عبثية لدى الصهاينة. قصفت قوات الاحتلال هؤلاء الأفراد بصورة ممنهجة، أثناء وجودهم في منازلهم ليلًا عندما كانت عائلاتهم بأكملها موجودة أيضًا، وليس أثناء القتال.
وذكرت المصادر لمجلة «972» أن هذا النهج اتُبع لأنّه من الناحية الاستخباراتية، كان من الأسهل تحديد وتتبّع الأهداف في مساكنهم الخاصة. وبدء القصف بمجرّد دخولهم منازل عائلاتهم. وفي الأسابيع الستة الأولى فقط، قُتل أكثر من 15 ألف فلسطيني من 1,340 عائلة بهذه الطريقة (وفقًا لبيانات الأمم المتحدة)، أي ما يقرب من نصف إجمالي عدد شهداء غزة حتى الآن. سياسات إبادة غير مسبوقة اعتمدها جيش الاحتلال مثل قتل ما يصل إلى 20 مدنيًا مقابل كل مقاوم يتم قصفه في منزله. في غارة جوية واحدة، استشهد أكثر من 100 مدني، بذريعة محاولة اغتيال أحد قادة المقاومة، بحسب ما كشفت المجلة الإسرائيلية.
محاولة التهرب من المسؤولية
محاولة كيان الاحتلال التلطّي خلف الذكاء الاصطناعي لتبرير المجازر ليست جديدة، إذ إنّه في 30 نوفمبر الماضي، كشفت المجلة نفسها، «972»، بالتعاون مع موقع «الاتصال المحلي»، كيف ساهم استخدام أنظمة استهداف عبر الذكاء الاصطناعي، في إقامة «مصنع اغتيالات جماعية» أدّى إلى مقتل آلاف المدنيين الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر. وكشف التحقيق في حينه عن نشر نظام استهداف يعمل بالذكاء الاصطناعي يسمّى «حاسبورا» أنشأ قوائم اغتيال تضمّ عشرات الآلاف من الأهداف المحتملة وبسرعة، بما في ذلك العديد من منازل المدنيين. وقال مسؤولو المخابرات للمجلة إنّ هذا مكّن الجيش الإسرائيلي من قصف المباني السكنية بشكل منهجي لقتل حتى عناصر حماس ذوي الرتب المنخفضة إلى جانب عائلاتهم على نطاق واسع.
يحاول كيان الاحتلال الحفاظ على ماء وجهه أمام العالم، وتدعي «إسرائيل» أنّها تصرفت وفقًا للقانون الدولي، لكن نتائج التحقيق توضح كيف مكّن الذكاء الاصطناعي قوات الاحتلال من الالتفاف على المجازر بحقّ المدنيين. وبدلًا من مساءلة الكيان نفسه والقيّمين عليه، يرمي كرة المسؤولية على آلة قتل صنعها هو. الكيان هو من أباد عائلات بأكملها من خلال الضغط على أزرار الإطلاق، وليس «آلة» أو نظام إلكتروني.