في ندوة أقامها “مركز الدراسات المستقلة” (CIS) تحدّث جون ميرشايمر، البروفسور في قسم العلوم السياسية في جامعة شيكاغو، عن الوضع في غزّة وتداعياته على جميع الأطراف. رأى ميرشايمر أن “إسرائيل” هي الخاسر الأكبر من المعركة المشتعلة منذ 7 أكتوبر، وأن الولايات المتحدة ثاني الخاسرين، في حين اعتبر إيران طرفًا رابحًا. بدأ ميرشايمر محاضرته بشرح خلفيات الصراع بين الإسرائيليين وغزّة، ثم انتقل لتوصيف ما حدث في 7 أكتوبر وما تلاه، كما قام بتحليل الأهداف الإسرائيلية من الحرب وتفنيدها.
ميرشايمر أحد أبرز المنظرين في مجال العلاقات الدولية في العالم حاليًا، ينتمي إلى المدرسة الواقعية، وكان من أشد المعارضين لحرب العراق عام 2003.
في ما يلي ترجمة شبه حرفية لمقتطفات من المحاضرة:
منذ السابع من أكتوبر، انقلب الشرق الأوسط رأسًا على عقب. قبل ذلك كان الجميع يعتقد أنها منطقة مستقرة خالية من المشاكل الكبيرة، لكن الآن يبدو الأمر وكأنها وقعت فعلًا في مشكلة كبيرة لا نهاية لها. “إسرائيل” هي الخاسر الأكبر وهي في ورطة خطيرة اليوم، وهناك أمل ضئيل في تفادي ذلك للمضي قدمًا. والأمريكيون أيضًا خاسرون، رغم أن خسارتهم تظل أقل من الخسارة الإسرائيلية. أمّا الفائزون فهم الإيرانيون، ولكن ليس على نحوٍ حاسم. هذا هو الهيكل الأساسي لحديثي هذا المساء.
من أجل الحصول على خلفية جيدة عما يحدث، من المهم جدًا أن نفهم أنّ “إسرائيل” اليوم يمكن أن أسمّيها “إسرائيل الكبرى” إذ إنها تسيطر على كل شيء بين النهر والبحر. وعادة ما ترتبط هذه العبارة بـ”حماس” التي تريد، بدورها، السيطرة على كل شيء بين النهر والبحر. لكن النتيجة النهائية أمامنا اليوم هي “إسرائيل الكبرى”، التي تشمل ما يسمّى بالخط الأخضر لـ”إسرائيل”، وهي حدود “إسرائيل” قبل حرب 1967، إضافةً إلى غزة والضفة الغربية.
كما أنه يوجد داخل “إسرائيل الكبرى” حوالى 7.3 مليون فلسطيني وحوالى 7.3 مليون يهودي إسرائيلي. هناك تساوٍ عددي بين الجانبين تقريبًا. لذا، فإنّ السؤال: كيف تفكّر “إسرائيل” في التعامل مع “إسرائيل الكبرى” وهي في هذه الحالة؟ هناك أربعة خيارات:
1- خيار “إسرائيل الكبرى” الديمقراطية، وهذا لن يحدث لأنها لن تبقى دولة يهودية. فلو نظرت إلى الأنماط الديمغرافية فإن الفلسطينيين ينجبون الأطفال أكثر من اليهود الإسرائيليين.
2- حل الدولتين، الخيار الذي يحب الجميع أن يتحدث عنه وهو لن يحدث أيضًا، خاصّةً بعد ما حدث في 7 أكتوبر. وحتى ما قبله، لا مصلحة لنتنياهو والنخبة الإسرائيلية في حل الدولتين.
3- دولة الفصل العنصري، الواقع الأساسي اليوم. إذا نظرت إلى منظمة العفو الدولية و”هيومن رايتس ووتش” ومنظمة “بتسيلم”، وهي مجموعة حقوق الإنسان الرائدة في “إسرائيل”، فقد أصدرت هذه المنظمات الثلاث تقارير مطوّلة توضح سبب كون “إسرائيل” دولة فصل عنصري.
4- التطهير العرقي، يعني التخلص من الفلسطينيين الذين يعيشون في غزة والضفة الغربية، وإنشاء “إسرائيل الكبرى” التي يهيمن عليها اليهود الإسرائيليون بالكامل ولا يوجد فيها سوى عدد قليل جدًا من الفلسطينيين، إن وُجدوا.
قبل 7 أكتوبر، كان الفلسطينيون في غزة يعيشون في سجن كبير مفتوح. في عام 2005، قرر أرييل شارون سحب المستوطنين من غزة، لأنها كانت تُشكّل “عشًا للدبابير”، وكان وجود المستوطنين هناك أشبه بكابوس، وفي المقابل أرادت الحكومة الإسرائيلية التركيز على الضفة الغربية.
وحتى 7 أكتوبر، بدا أن نتنياهو ورفاقه قادرون على إدارة الوضع داخل غزة. لم يتوقع أحد منهم ما حدث في 7 أكتوبر، وقد تلقّى الإسرائيليون مفاجأة لم يكونوا مستعدين لها، لأنهم اعتقدوا أنهم يديرون الوضع على نحو جيد. في الواقع، قبل 7 أكتوبر، كان نتنياهو سعيدًا جدًا لأن “حماس” تتولى إدارة غزة، وهذا أمر يصعب تصديقه اليوم ولكنه صحيح. وكان حريصًا على تلقّي قطاع غزة التمويل. بدا الأمر وكأن إدارة الوضع ناجحة. في المناسبة، بين الفترة والأخرى، كان الإسرائيليون يقومون بـ”جز العشب”، ما يعني أنهم يدفعون نحو صراع مع الفلسطينيين، ويذهبون إلى هناك ويقتلون المئات وربما الآلاف من الفلسطينيين، ويدمرون بعض المباني ويرسلون رسالة واضحة للغاية، مفادها “أننا المسؤولون ونريدكم أن تفهموا أنه يتعين عليكم البقاء في هذا السجن المفتوح”. كان هذا هو الوضع الأساسي القائم، وكان يبدو أن نتنياهو ممسك بزمام الأمور.
ما حدث في 7 أكتوبر هو أن “حماس” هاجمت “إسرائيل”، وباعتقادي يمكن القول إنهم حققوا نجاحًا مذهلًا، وقد فوجئوا بمدى نجاحهم. بعدها غادروا “إسرائيل” في نهاية المطاف، وقام الإسرائيليون بتعزيز الوضع داخل حدودهم وبدأوا الهجوم ضد “حماس” في غزة.
ما هي بالضبط أهداف “إسرائيل” هنا؟ من المهم جدًا أن نفهم ما تحاول “إسرائيل” القيام به. إذا قرأت في وسائل الإعلام السائدة في الغرب، هم يتحدثون عن اهتمام “إسرائيل” بهزيمة “حماس”، وهذا الحديث هو عن هزيمتها على نحو حاسم والقضاء عليها. الهدف الثاني هو استعادة الرهائن. ولكن هناك الهدف الحقيقي الذي لم تتمّ مناقشته في وسائل الإعلام الغربية وهو تطهير غزة عرقيًا. أمّا الأسباب وراء رغبتهم في القيام بذلك فهي:
1- هذه هي الطريقة التي تخرج بها من دولة الفصل العنصري. تدركون جميعًا أن “إسرائيل” دولة فصل عنصري وأن الطريقة الوحيدة للخروج من هذا الوضع هي أن تقوم بالتطهير.
2- إنها الطريقة الوحيدة التي يمكنك عبرها هزيمة “حماس”. من الواضح تمامًا أن الإسرائيليين لن يهزموا “حماس”، ولا أستطيع أن أصدق أنهم اعتقدوا أنهم سيهزمون “حماس” قبل أن يذهبوا إلى هناك، فهم أذكى من أن يفعلوا ذلك. ولكن إذا قمت بتطهير غزة وطردت جميع الفلسطينيين منها، فإنك تطرد “حماس” أيضًا. ولذلك، إنهم يحلون مشكلتين رئيسيتين عبر ارتكاب التطهير العرقي: مشكلة الفصل العنصري، ومشكلة “حماس”.
قد تعتقدون أن “إسرائيل” لن تفعل شيئًا كهذا. ولكن الحقيقة منذ البداية، أنه من أجل إنشاء “دولة إسرائيل”، كان عليهم القيام بتطهير عرقي واسع النطاق. في عامي 1948 و1967، قام الإسرائيليون بتطهير أجزاء كبيرة مما تُعرف اليوم بـ”إسرائيل الكبرى”. إذا قرأت في جميع أنواع وسائل الإعلام الإسرائيلية، ستجد أنها تتحدث عن التطهير العرقي طوال الوقت. أضف إلى ذلك، أن أحد الانتقادات الموجهة إلى بنيامين نتنياهو هو أنه لم يتوصل إلى خطة لما ستبدو عليه غزة بعد وقف إطلاق النار. بمعنى آخر، ما هو الحل السياسي هنا بعد وقف إطلاق النار؟ ويشكو القادة العسكريون الإسرائيليون باستمرار من نتنياهو إذ إنه لا يمنحهم أي فكرة عما ستكون عليه التسوية السياسية النهائية. السبب وراء عدم حديثهم عن كيفية إدارة غزة التي يسيطر عليها الفلسطينيون، هو أنهم يريدون خروج الفلسطينيين وتطهير غزة عرقيًا.
كيف يفعلون ذلك؟ بدايةً، طاردوا “حماس”. ولكن لإنجاح التطهير العرقي، عليهم قتل عدد كبير من الفلسطينيين الأبرياء الذين لا علاقة لهم بـ”حماس” أساسًا، ما يعطي الفلسطينيين حافزًا للخروج من غزة. ثانيًا، عليك أن تجعل المكان غير صالح للعيش، وهذا ما يفعلونه هناك. وأخيرًا، إنهم يقومون بتجويع السكان، وهناك أحاديث كثيرة عن المجاعة التي تحدث في شمال غزة.
أين نحن اليوم؟ أولًا، إنهم لم يهزموا “حماس”، ولن يهزموا “حماس”. هذا ما قاله أمس كيرت كامبل، نائب وزير الخارجية البريطاني، كما هناك مقالات كثيرة في الصحافة الإسرائيلية تقول إنهم لن يهزموا “حماس”. ثانيًا، لم يستعيدوا الرهائن. ثالثًا، لم يتمكنوا من تطهير غزة عرقيًا. فضلًا عن ذلك، هم عالقون في غزة، وهذا ليس جيدًا.
نرى هنا أن “إسرائيل” تواجه مشكلة حقيقية في غزة. إضافةً إلى المشكلة في غزة، تواجه “إسرائيل” مشكلة كبيرة مع “حزب الله” في الشمال، فهو يقصف شمال “إسرائيل” دعمًا لـ”حماس”. وهناك ما بين 60 إلى 100 ألف إسرائيلي من الشمال، اضطروا للانتقال إلى وسط “إسرائيل” ولا يمكنهم العودة إلى ديارهم. وقال “حزب الله” إنه سيستمرّ في مهاجمة “إسرائيل” حتى تنتهي الأحداث في غزة، وهذه مشكلة كبيرة بالنسبة إلى الإسرائيليين. إلى جانب “حزب الله”، الحوثيون أيضًا يستهدفون الإسرائيليين، وفي المناسبة لقد أصابوا مؤخرًا بصاروخهم الأول داخل “إسرائيل”، وهذه بادرة لما قد يحدث مستقبلًا.
هل ترى كم من مشكلة تعيشها “إسرائيل”؟ وفي المحصّلة، لم يحققوا مرادهم في ما يتعلق بهدفيهم المعلنين، إضافةً إلى هدف التطهير. وكما قلت سابقًا، هناك أربعة خيارات فقط. وبما أن الخيارين الأولين غير مطروحين، فإن الأمر يعود إلى خيار الفصل العنصري وخيار التطهير العرقي. ويدرك الإسرائيليون جيدًا أن دولة الفصل العنصري لا يمكن أن تستمر في الوجود، ونحن نتذكر ما حدث لجنوب أفريقيا. ولهذا السبب فإن التطهير العرقي هو خيار جذاب بالنسبة إليهم، لكنهم لم يتمكنوا من تحقيقه حتى الآن.
مشكلة حقيقية لـ”إسرائيل”
حتى الأول من نيسان/أبريل، كانت الحرب بين “إسرائيل” وإيران، وحتى بين الولايات المتحدة وإيران، حرب ظلّ. ومن المهم جدًا أن نفهم أننا لم نرغب في تصعيد حرب الظل هذه، ولم نرغب في رؤية إيران و”إسرائيل” تدخلان في قتال مباشر، والإيرانيون لم يرغبوا بذلك أيضًا. الطرف الذي من مصلحته التصعيد هو “إسرائيل”، وقد بذلوا كل ما في وسعهم لجرّنا إلى حرب ضد إيران لكننا لم نرغب في خوضها.
ضرب الإسرائيليون السفارة الإيرانية في دمشق، ما دفع الإيرانيين إلى التصعيد، وأوضحوا أنهم سينتقمون من “إسرائيل”. الولايات المتحدة كانت غاضبة جدًا من الإسرائيليين لقيامهم بهذا العمل من دون إبلاغها. لذلك بدا أن الإسرائيليين سيبدأون صراعًا كبيرًا بين “إسرائيل” والولايات المتحدة، من جهة، والإيرانيين من جهة أخرى، لكن الولايات المتحدة لم تنجرّ إليه. ثم نفّذت إيران ردها الانتقامي في 14 نيسان/أبريل.
عملت الولايات المتحدة وإيران معًا عبر وسطاء للتأكد من أن الهجوم الإيراني سيكون محدودًا. كما عملت الولايات المتحدة على أن تكون قادرة على رصد الرد الإيراني مسبقًا بحيث تستطيع هي و”إسرائيل” التعامل مع الهجمات. فضلًا عن ذلك، أوضحت الولايات المتحدة أنها تريد من الإيرانيين ألا يضربوا أي مناطق مأهولة بالسكان، وأن يستهدفوا بالتحديد هدفًا أو هدفين عسكريين. في النتيجة، نسقت الولايات المتحدة مع الإيرانيين لأننا، مرة أخرى، لا نريد أي تصعيد وهم لا يريدون ذلك. وعندما بدأ الهجوم الإيراني، أُنشئ خط ساخن غير رسمي بين الولايات المتحدة وإيران عبر عُمان، لأن كلّاً منهما يريد إبقاء الأمور تحت السيطرة.
وكان الأمريكيون منخرطون بعمق في عملية الدفاع. وهذه مشكلة حقيقية لـ”إسرائيل” لأنها تفتخر دائمًا بقدرتها على التعامل مستقلّةً مع أي خصم يفكر في مهاجمتها. وهناك أدلة كثيرة تبيّن أن حوالى نصف الصواريخ والطائرات بدون طيار التي تم إسقاطها، أُسقطت من قبل الولايات المتحدة.
بعدها انتقم الإسرائيليون في 19 نيسان/أبريل. كما تتوقع، أراد الإسرائيليون الرد بقوّة، وشنّ هجوم مضاد كبير على إيران، ولكن الولايات المتحدة لم تُرد ذلك لأنها لم ترغب في حصول تصعيد في المنطقة، لذا انتهى الأمر بالإسرائيليين إلى تدمير رادار واحد في منطقة أصفهان بإيران، وهو رد محدود للغاية، وذلك لأن الولايات المتحدة أرادت أن يكون الرد محدودًا.
العواقب
كما قلت من قبل إن الإسرائيليين هم أكبر الخاسرين. أولًا، لقد عادوا إلى غزة، وهم خرجوا منها في عام 2005، وأرييل شارون ليس أقل صرامة من نتنياهو، لكنه انسحب لأن غزة هي “عش الدبابير”. حسنًا، لقد عاد الإسرائيليون إلى هناك، وليس لديهم أي وسيلة للخروج في الوقت الحالي، ولا أي حل للمشكلة. لقد جعلوا غزة غير صالحة للعيش، والفلسطينيون لن يغادروا. ماذا سيفعلون؟ إنهم في ورطة عميقة.
أما بالنسبة إلى السبب الثاني لخسارة الإسرائيليين. عليك أن تفهم أولاً كيف يفكر الإسرائيليون في مفهوم الردع، هم يعتقدون أن ردعهم يعتمد على “هيمنة التصعيد”، يعني أنه إذا ضربني شخص ما وأنا ضربته، فإنني أضربه بقوة أكبر من ضربته لي في البداية. بمعنى آخر، عندما أصعد إلى أعلى سلم التصعيد، فإنني أسيطر على التصعيد، وهذا ما تعنيه هيمنة التصعيد.
أصبح من الواضح جدًا الآن أن الإسرائيليين لم تعد لديهم سيطرة على التصعيد تجاه إيران أو تجاه “حزب الله”، ولا يمكنهم إنهاء الصراع مع “حزب الله” على الحدود الشمالية وهذا أمر لافت للغاية. الإسرائيليون يضربون “حزب الله” بشدة، و”حزب الله” يرد. “حزب الله” لديه 150 ألف صاروخ وقذيفة وهذه الأعداد سوف تتزايد مع مرور الوقت.
وفي ما يتعلق بإيران، لقد أخبرتكم بما حدث بين الأول من نيسان و14 و19 نيسان. هذه ليست “هيمنة التصعيد”. فضلًا عن ذلك، كانوا بحاجة إلى الأمريكيين للدفاع عن أنفسهم. وإذا نظرت إلى ما يحدث في غزة، لم يكن بإمكان الإسرائيليين القيام بهذه العملية من دون الدعم الأمريكي. إنهم لا يستطيعون بمفردهم إنتاج الأسلحة التي يحتاجونها للقيام بالعملية في غزة، فهم بحاجة إلينا، وخلاصة القول في ما يخصّ 14 نيسان/أبريل أنهم بحاجة إلينا. تسمعهم يتحدثون عن القبة الحديدية وقدرتها على إسقاط الصواريخ، ولكن لا يمكنهم فعل ذلك بمفردهم. القبة الحديدية ليست نظام دفاع جوي هائل. فضلًا عن ذلك، بالنظر إلى مقارنة الكلفة (بين صواريخ القبة والصواريخ الهجومية) وعدد الصواريخ التي يمتلكها الإيرانيون و”حزب الله”، فإن “القبة الحديدية” على المدى الطويل في القتال ليست مفيدة كثيرًا.
ثالثًا، من المهم جدًا أن نفهم أنه مع ظهور هذه الصواريخ كلّها وإطلاق الطائرات بدون طيار، أصبح الآن بإمكان الجهات الفاعلة مثل “حماس” و”الحوثيين” و”حزب الله” وإيران تطوير القدرة على ضرب “إسرائيل” والتسبب في قدر هائل من الأضرار. كثير من الناس الذين يعيشون في “إسرائيل” غير مرتاحين إزاء هذا الوضع. إن فكرة انكشافهم على خصوم، وهم أعداء حقيقيون – لا أحتاج أن أسلّط الضوء على حقيقة أن جماعات “حزب الله” و”حماس” ترغب في القضاء على “إسرائيل” – تضع الشعب الإسرائيلي في موقف صعب.
رابعًا، أصبحت “إسرائيل” فعليًا دولة منبوذة على نحو لم تكن عليه من قبل في أي وقت مضى. إذا نظرت إلى الأحداث في الولايات المتحدة وفي جميع أنحاء العالم في الجامعات، تراها مجرد دليل على أن سمعة “إسرائيل” قد تشوهت بشدة. إذا فكرت في حقيقة أن جنوب إفريقيا رفعت دعوى قضائية ضدّ “إسرائيل” أمام محكمة العدل الدولية، والتي وجدت أن هناك أدلة كافية للاعتقاد بأن “إسرائيل” ترتكب إبادة جماعية، وإذا نظرت إلى استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة، فمن اللافت للنظر حقًا عدد الأشخاص، وخاصة الديمقراطيين منهم، الذين يعتقدون أن “إسرائيل” متورطة في إبادة جماعية. هذه كلّها علامات على مشكلة كبيرة.
والولايات المتحدة أيضًا هي خاسر كبير هنا. من مصلحتنا أن يحل السلام في الشرق الأوسط. أولاً، لقد خضنا حروبًا عدّة، وقد سئم الجمهور الأمريكي منها، وآخر شيء نريده هو مزيد من الحروب في الشرق الأوسط. فضلاً عن ذلك، نحن بحاجة إلى السلام في الشرق الأوسط حتى نتمكن من التركيز على شرق آسيا، ومن وجهة النظر الأمريكية فإن التهديد الأكثر خطورة علينا هو الصين، وعلينا أن نحتويها. لا يمكننا التوجه نحو آسيا لأننا غرقنا في أوكرانيا والآن غرقنا في الشرق الأوسط، وهذا ليس جيدًا. كما أننا نهتم كثيرًا بإقامة علاقات ودية مع أكبر عدد ممكن من الدول في الشرق الأوسط. لمَ هذا؟ لقد وصل الروس إلى هناك بالفعل، وبدأ الصينيون في التحرك. والحرب التي تحصل اليوم تهدد علاقاتنا مع كثير من دول المنطقة.