بعد سبعة أشهر من بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تواصل المقاومة الإسلامية في لبنان “حزب الله”، توجيه ضربات في الشمال الفلسطيني المحتل، إسنادًا لغزة. ما اختلف منذ سبعة أشهر حتى اليوم أن الحزب تكيّف مع المعركة في الشمال، مما قلل من عدد شهدائه مقارنةً ببداية الحرب. كما صعّد حزب الله من عملياته كمًّا ونوعًا، فبعد استهدافه طوال الأشهر الماضية بُنية الرصد لدى العدو (رادارات تجسُسية، أبراج مراقبة، تجهيزات، كاميرات طائرات مسيّرة،…)، أدخلت المقاومة اللبنانية أسلحة جديدة إلى المعركة أربكت جيش الاحتلال. فلا يكاد يمرّ يوم من دون الحديث عن مقتل أو إصابة جنود العدو بفعل هذه الضربات، ولا يمرّ يوم بدون دويّ صفارات الإنذار في عشرات البلدات شمال فلسطين المحتلة.
أمّا المفاجأة الأكبر، فكانت إدخال الحزب المسيّرات الحاملة للصواريخ والانقضاضية على خط المعركة.
“يظهر حزب الله قدرات جديدة ضد الجيش الإسرائيلي الذي يواجه صعوبة في التعامل مع تهديد المسيّرات حيث أعلن الحزب بأن طائرة بدون طيار والتي ضربت مركبة في موقع المطلة أطلقت صاروخين تجاه الهدف قبل أن تنفجر”. هذا ما قالته القناة الـ12 العبرية (16-5-2024) تعليقًا على الغارة الجوية الأولى من نوعها التي نفّذتها المقاومة في لبنان ضد جنود في موقع المطلة. وأضافت القناة: “كثُر الحديث عن طائرات حزب الله الهجومية، لكن الحزب يملك أيضًا طائرات استطلاع ساعدته في تحديد مئات الأهداف، وقد رأينا نتائج التجميع في الأشهر الأخيرة، حيث تمكّن حزب الله من ضرب العديد من الأهداف، بما في ذلك تلك التي أنشئت خلال الحرب”.
وقد سبق هذا الحدث مفاجأة أخرى كانت بمثابة صدمة عسكرية للكيان، إذ أسقط الحزب منطادًا تجسسيًا إسرائيليًا، سقط في الأراضي اللبنانية وقد اعترف الجيش الإسرائيلي بهذه الحادثة مشددًا على أنه “لم يتم تسريب معلومات”. كما استهدف منطاداً أحدث منه ويعدّ من أكبر مناطيد التجسس في العالم وهو “ندى السماء”، والذي استهدفته مسيرة أطلقها حزب الله بالقرب من بحيرة طبريا.
عملية المطلة… الأصعب منذ بداية الحرب
في حدث وصف أنه من الأقسى في الشمال منذ بدء الحرب، وأنه يخضع لرقابة عسكرية شديدة، قالت القناة الـ 14 إنّ “جنديين إسرائيليين قتلا في انفجار مسيرة لحزب الله في مستوطنة المطلة”. فيما قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إنّ “طائرة بدون طيار تابعة لحزب الله سقطت بالقرب من المطلة دون أن يدلي بتفاصيل”. في السياق، تناقلت وسائل تواصل اجتماعي (تلجرام) أنّ الجنود المستهدفين في المطلّة “ينتمون إلى كتيبة الاستطلاع التابعة للفرقة 98”. عملية المطلة استدعت تعليقًا من الصحفيين الإسرائيليين الذين قالوا إنّ “توقيت المسيرة المفخّخة لحزب الله في المطلّة ليس صدفة” (في إشارة إلى التزامن مع زيارة رئيس هيئة الأركان هرتسي هاليفي للجبهة الشمالية)، وأضافوا أنّ “الحزب منع التصعيد الواسع أثناء الحديث عن الصفقة مع حماس، وحين لا توجد صفقة فإنّه سيخرج بكل القوة… ونرى الإدارة الأميركية تقول إنّه إذا أُنجزت صفقة ووقف إطلاق نار في غزة فإنّ الشمال سيهدأ أيضًا”.
كوابيس المسيّرات
المسيّرات الهجومية والانقضاضية التي أدخلها الحزب مؤخرًا على ساحة الحرب، باتت تشكّل أحد أكبر “الكوابيس” لقيادة المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي. وفي هذا المجال، قالت تقارير إسرائيلية إنّ “مناطق التجمع التي يتواجد فيها الجنود هي نقاط الضعف في المنطقة الشمالية”. ترافقت هذه التقارير مع أصوات باتت ترتفع في شمال فلسطين المحتلّة، إذ حذر رئيس المجلس المحلّي في المطلة، دافيد أزولاي، من أن “ازدياد أو تراجع حجم النيران في الشمال لا يتم تحديده من قبل إسرائيل، بل من قبل حزب الله، الذي يُقرّر متى يُطلق النار، وكيف يُطلق، وبأي قوة؟ بينما إسرائيل ببساطة ترد”. أزولاي هاجم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بشدّة: “سبعة أشهر هي فترة طويلة… ونحن نخسر.. المجتمع الإسرائيلي ينزف، وفي الشمال نحن مستمرون في الحرب، أين الانتصار؟ الانتصار الوحيد الذي أراه، هو انتصار بنيامين نتنياهو على شعب إسرائيل، لأنّه في الحرب لا توجد انتخابات… وأنا (نتنياهو) يمكنني البقاء على الكرسي”.
حتى أن هذه الأصوات وصلت إلى داخل حكومة الحرب الإسرائيلية. فوزير الأمن يوآف غالانت، صرّح، خلال زيارة إلى الشمال، أنه “لقد أبعدنا حزب الله عن خطوط التماس إلى مسافات كبيرة، هذا لا يعني أنه اختفى، لكنّه ليس موجودًا هناك”. وأضاف أنه “من أجل إعادة السكان بأمان، هناك حاجة إلى اتفاق أو عملية عملانية تكون بمثابة مرساة وسندان لعملية أُخرى”، وهو الأمر الذي يعني خفض السقف الإسرائيلي تجاه الحزب عمّا كان في أوائل الحرب. وشدد الوزير الإسرائيلي أنه “يُدرك الشعور بأنّ المهمة لم تكتمل، وهي في الواقع كذلك. أنا مُصمّم على إعادة الأمن للسكان وبناء ما تدمّر”، معتبرًا أن “الحرب لها أثمان وستكون ثقيلة على إسرائيل وكارثية على حزب الله ولبنان”.
ولم ينفِ غالانت خيارات الحرب مع حزب الله، إذ قال إنه “إذا كانت الحرب هي الملاذ الأخير فسنلجأ إليها، لأنه لدينا التزام بتنفيذ عقدنا مع المواطنين”، مؤكدًا أن الجيش “أثبت نفسه حتى اليوم، وعليكم الآن الاستعداد للباقي؛ وقد يكون هذا الصيف حارًا”.
اللافت أنه بعد بوقت قصير من زيارة غالانت إلى قاعدة “بيرانيت”، الواقعة في الجليل الغربي المحتلّ، أطلق حزب الله صاروخ بركان نحو الموقع.
تداعيات مسيّرات حزب الله
بـ”الحادثة الاستثنائية والمقلقة”، وَصَفَ مراسل من الشمال، انفجار طائرة مسيرة قرب حي سكني في مدينة نهاريا، وهي الطائرة الأولى منذ نحو شهر. ولفت إلى أنّ الأسبوع الماضي “كان ثقيلًا على الشمال مع أكثر من 4 حوادث قاسية جدًا، و3 جنود قتلى”.
في السياق، أعلن الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أنّ مسيرتين اخترقتا الحدود من لبنان باتجاه “إسرائيل”، وانفجرتا في منطقة “بيت هلل”، ونتيجة لذلك اندلع حريق في المكان، تم إخماده، والحادثة قيد التحقيق. وبشأن الحادثة نفسها، أفادت صفحة “تلجرام” عبرية بأنّ طائرات حربية إسرائيلية “فشلت في اعتراض مسيرتين، وإحدى الطائرتين أصابت غرفة طعام الجنود وسقطت الأخرى من دون أن تنفجر في بيت هِلِل”. وتعليقًا على الحادثة أشارت المنصة إلى أنّ المتحدث باسم الجيش “سيواصل الإفادة عن الإنذارات الكاذبة، وسينشر حزب الله مقاطع فيديو في اليوم التالي تترك المتحدث مرارًا وتكرارًا يفتقر إلى الحد الأدنى من المصداقية”.
وأعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أنّ صواريخ حزب الله أطلقت نحو الجليل الغربي وأصابت منطاد مراقبة تابع للجيش الإسرائيلي، سقط في الأراضي اللبنانية. وأضاف أنّه لا يوجد خشية من تسرُّب معلومات.
وأعلن في “إسرائيل” مقتل “مدني” بعد أن توجّه لمساعدة جنود تعرّضوا لإطلاق صاروخ في أدميت، حيث أصابه صاروخ ثان وأسفرت الحادثة عن إصابة 5 جنود أيضًا.
وقال رئيس منتدى مستوطنات خط المواجهة موشيه دافيدوفيتش: “في الشمال، لا يوجد يوم استقلال، بل حداد وطني، لأنّ 70 ألف شخصًا تلقوا بلاغًا بأنه تم تمديد بقائهم خارج منازلهم حتى نهاية العام الحالي”.
وأفادت تقارير بأنهم في المجلس الإقليمي “مفوؤوت حرمون” يدرسون “نقل 6 مستوطنات (جديدة) جنوبًا، من بينها بيت هلل، شار ييشوف ومرغليوت”. وأضافت التقارير أنهم “في مستوطنة كورزيم يُوسعون المدرسة من أجل استيعاب نازحين جدد للعام الدراسي المقبل”.
ونشرت تقارير مشاهد المتظاهرين في الشمال ينبطحون أرضًا، الأسبوع الماضي، بعد إطلاق صفارات إنذار.
عمليات الحزب تفدرل “إسرائيل”؟
أعلن الجيش الإسرائيلي مقتل جنديي احتياط من كتيبة استطلاع، بعد أن ضربت طائرة من دون طيار تابعة لحزب الله منطقة بالقرب من المطلة. ووفق مسؤولين في سلاح الجو، فإنّ “مخطّط تحليق الطائرة من دون طيار، ووقت الرد القصير للقوّات في الميدان يجعل عملية الاعتراض معقدة”، مضيفين أنّه “مع ذلك، طوال أشهر الحرب كانت هناك نجاحات ومعظم الطائرات التابعة لحزب الله تم اعتراضها بنجاح”. مع ذلك، أشارت تقارير إسرائيلية إلى أنّ “مقتل الجنديين في المطلّة بهجوم مسيرة، حصل رغم تواجدهما في مكان مخفي ومُمَّوه، داخل قناة نهر”. وأضافت التقارير أنّ “حزب الله يراقب طوال الوقت، ويطلق محلّقات تنجح في تحديد مكان القوّات”. فيما تفرّد موقع “واللاه” العبري بخبر لافت، مفاده أنّه خلال جلسة لأعضاء منتدى خط المواجهة في الشمال، “تقرّر الإعلان (بالتزامن مع مراسم “عيد الاستقلال” الإسرائيلي)، عن إقامة دولة الجليل، والانفصال الأحادي الجانب عن دولة إسرائيل”. وهو الأمر الذي سيترافق مع تظاهرات ضد الحكومة وتشويش روتين الحياة.
سلاح الحزب لا حلّ له
تحت عنوان “حزب الله يضرب الخاصرة الرخوة لإسرائيل: السلاح الجديد الذي لا حلّ له حاليًا”، أشار تقرير صحفي إسرائيلي إلى الخصائص والمزايا التي يتمتع بها سلاح الطائرات المسيرة لحزب الله. ولفت التقرير إلى أن الجيش الإسرائيلي “يقوم كل بضعة أيام، بتعطيل نظام تحديد المواقع GPS، لتعطيل فعالية هذه الطائرات”.
على هذا الصعيد، قال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، العميد دانيال هغاري، خلال مؤتمر “رجال الدولة” إنه “منذ سبعة أشهر يمرّ سكّان الشمال بواقع لا يحتمل؛ إنّ مهمة الجيش الإسرائيلي هي إنتاج وضع أمني آخر لا يكون حزب الله موجودًا على السياج الحدودي، وهذا وضع يجب أن نُوجده، على أمل أن يحصل ذلك بحلول بداية العام الدراسي الجديد (1 أيلول) كي يكون للسكان اتجاه وتاريخ”.
الحزب قادر على الاجتياح
عقد مركز “ألما” المختص بالجبهة الشمالية والقريب من الاستخبارات مؤتمرًا أمنيًا أكاديميًا في الجليل الغربي. وقد خلص المؤتمر إلى النقاط التالية:
– بعد 7 أشهر من عمليات الاغتيال وإبعادهم عن الحدود، القدرة العملانية لقوة “الرضوان” لم تتضرّر.
– لا تزال قوّة “الرضوان” قادرة على تنفيذ اجتياح منطقة محدودة في إسرائيل بـ 100 – 200 عنصر إن هي قرّرت ذلك.
– حزب الله يمتلك جيشًا بكل ما للكلمة من معنى.
– ارتفع عدد الأسلحة الدقيقة لدى حزب الله من مئات إلى عدة آلاف، فهو أدخل عامل الدقة في ترسانته قصيرة المدى.
– التقديرات تفيد بأن حزب الله جاهز للحرب وفق أي سيناريو كان.
– لا يمكن استبعاد أن يستخدم حزب الله الأسلحة الكيميائية في أي تصعيد.
– أي اتفاق سياسي مع حزب الله لن يمنع الحرب في الشمال وأقصى تقدير للمواجهة الشاملة 2026.
محور المقاومة يستحق جائزة نوبل!
في تصريحٍ لافت، قال قائد الفيلق الشمالي سابقًا، اللواء احتياط غرشون هكوهن، إنّ “حزب الله وحماس و(المليشيات) الإيرانية وإيران بنوا منظومة عسكرية يستحقون عليها جائزة نوبل… إنّها منظومة عسكرية أقوى من منظومات عسكرية كلاسيكية في القرن الماضي، ومن يتحدّث عنهم بأنهم منظمات إرهاب، يعيش في القرن الماضي”. وأضاف هكوهن: “شعب إسرائيل لم يستوعب هذا بعد، الحدث ديني والدافع ديني هم يؤمنون أنّ هذه هي الساعة، وأن أبواب السماء فتحت لهم، ونحن (إسرائيل) أمام يوم الدين لنهاية وجودنا”.
غياب الأمن في الشمال
أجرت قيادة المنطقة الشمالية، في الأيام الماضية، مناورة واسعة النطاق تهدف إلى محاكاة القتال في الأراضي اللبنانية، حيث شاركت كتائب الاحتياط في مناورة لوائية في الجليل الغربي.
وأعلن الجيش الإسرائيلي رسميًا عن إلغاء احتفالات عيد “لاغ بعومر” في جبل ميرون هذه السنة، وهو مناسبة دينية يحييها عشرات آلاف المتدينين اليهود سنويًا في جبل الجرمق “ميرون”. وأفادت قيادة الجبهة الداخلية بأنّ القرار اتخذ بسبب “التهديدات المختلفة التي تواجه الداخل الإسرائيلي بما فيها الهجمات الصاروخية والتهديدات جوية”.
وخرج المئات من سكان الشمال إلى مفترقات الطرق عند خط المواجهة، وانضموا إلى رؤساء السلطات التي تمّ إخلاؤها، وذلك احتجاجًا على غياب خطة للشمال، غياب الأمن، غياب الميزانية، وانهيار مصالح أصحاب الأعمال والمزارعين، وفقًا لتقارير.
ورأى رئيس المجلس المحلي في مستوطنة شلومي، غابي نعمان، أن “المجلس المحلي شلومي ينضم إلى الاحتجاج ويعلن انفصاله عن الدولة بالتحديد في يوم الاستقلال حتى يكون هناك تغيير كبير وفوري في سياسة الحكومة التي تتجاهل الحرب التي اندلعت”. وأضاف: “لا يتعلق الأمر بشخص أو شخصين بل بإجلاء 80 ألف مواطن بلا يقين بالمستقبل، بلا أمن، وبلا مستقبل لأطفالهم”.
ورأى اللواء احتياط إيتان دانغوت أنّ حزب الله “يتقصّد الحفر في الوعي الإسرائيلي عندما يعتمد سياسة التدمير الممنهج في بعض مستوطنات الشمال، مثل المطلّة”.