بعد اندلاع الانتفاضة الثانية في العام 2000، وبعد عام من العمليات الفدائية الفلسطينية، شنّ رئيس حكومة العدو المنتخب حديثًا ارئيل شارون حملة «سور الواقي» لتفكيك خلايا المقاومة في الضفة الغربية المحتلة. استمرت الحملة لسنوات عدّة وانتهت بشكل رسمي في العام 2004، بعد تفكيك مصانع المتفجرات، واغتيال خلايا المقاومة، وتدمير مخيم جنين ومقرّ المقاطعة الذي كان موجودًا فيه رئيس السلطة الفلسطينية حينذاك ياسر عرفات.
اليوم، وبعد 20 عامًا تُكرّر «إسرائيل» السيناريو نفسه، لكنّها هذه المرّة تُحيّد رئيس السلطة محمود عباس، رغم الأصوات اليمينية الإسرائيلية الداعية إلى إضعاف السلطة أكثر، إلا أنّ الجيش الإسرائيلي و«الشاباك» ووزارة الأمن يمتنعون عن المسّ بعباس وسلطته بسبب أدائهما المُتماهي مع أجندة العدو الأمنية.
بعد السابع من أكتوبر 2023، شنّ جيش العدو الإسرائيلي ما يُمكن وصفه بعملية «السور الواقي 2» في الضفة الغربية المحتلة. العمليات التي أطلقتها قيادة المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال، هدفت إلى تفكيك خلايا المقاومة المنتشرة في شمال الضفة الغربية المحتلة. الحملة العسكرية الإسرائيلية انطلقت بصخب، إلّا أنّ أصوت الصواريخ والانفجارات في قطاع غزة، وانشغال العالم بالمجازر المرتكبة هناك، حجبت عن الأنظار جرائم العدّو في الضفة.
6330 أسيرًا
لم يتنبّه العالم إلى أنّ بعض الاقتحامات العسكرية في الضفة الغربية، منذ طوفان الأقصى، استمرت لثلاثة أيام متتالية، مثل ما جرى في مخيمي طولكرم ونور الشمس شمال الضفة المحتلة مطلع 2024. هذه الاقتحامات، استهدفت اعتقال مقاومين فلسطينيين في الضفة المحتلة، مما أسفر حتى 30 يناير عن تسجيل 6330 حالة اعتقال توّزعت بين نشطاء وخلايا مقاومة تابعة لفتح وحماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وذلك في محافظات جنين، رام الله، الخليل، نابلس، طولكرم، والقدس.
نحو 400 شهيد
لم يكتف جيش العدو بحملات الاعتقال، بل نفّذ عمليات اغتيال مركزة، مستخدمًا الطائرات من دون طيّار الانتحارية، والمروحيات الحربية، التي قصفت بيوت المدنيين وخلايا المقاومة في جنين وطولكرم ممّا أسفر عن استشهاد ما يقارب الـ380 شهيدًا منذ السابع من أكتوبر.
«الأصابع الرخوة على الزناد»، أصبحت هذه العبارة سياسة مُتّبعة في الضفة الغربية المحتلة، إذ يُطلق جنود العدو النار على الفلسطينيين، بمجرّد الاشتباه بهم، حتى ولو كانوا لا يشكلون أي خطر عليهم.
الحملة العسكرية التي أطلقها قائد المنطقة الوسطى في جيش العدو، يهودا فوكس، جاءت بعد سلسلة عمليات نفّذتها المقاومة انطلاقًا من مدن شمال الضفة المحتلة، وأسفرت عن مقتل 37 مستوطنًا في العام 2023، وهو الرقم الأعلى منذ عام 2014.
تدمير البنية التحتية
عمليات جيش العدو لم تقتصر على استهداف البشر بل شملت أيضًا تدمير رموز فلسطينية في المدن التي اقتحمها. إذ دمّر في 30 أكتوبر من العام الماضي «ميدان الحصان» على مدخل مخيم جنين. كما دمّر الشهر نفسه «أقواس العودة» المنصوبة على المدخل الرئيس للمخيم.
في 3 نوفمبر من العام الماضي، دمّرت الجرّافات ميادين عدّة في مدينة جنين ومخيمها أبرزها «ميدان العودة» و«ميدان الداخلية» و«البطيخة» في المدينة.
في 27 أكتوبر الماضي، جرفت آليات إسرائيلية النصب التذكاري للصحافية الفلسطينية الشهية شيرين أبو عاقلة، والتي اغتالها جيش العدو في مخيم جنين في مايو سنة 2022.
أما في 14 نوفمبر الماضي، فقد دمّرت جرافة صهيونية نصبًا تذكاريًا لعرفات خلال عملية عسكرية في المدينة. كما دمّر جيش الاحتلال في اليوم نفسه «أقواس العودة» على المدخل الرئيسي لمخيم طولكرم.
الأخطر هو التدمير الممنهج للبنية التحتية في كل المناطق التي تقتحمها قوات الاحتلال، حيث تجرف آليات جيش الاحتلال الطرق الرئيسية والفرعية للمخيمات والأحياء.
المفعول العكسي
هذه الإجراءات العسكرية ضدّ أبناء الضفة الغربية المحتلة، لها مفعول عكس المرجو منها. إذ تشير تقديرات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية إلى أنّ احتمال اندلاع انتفاضة ثالثة في الضفّة ارتفع، ولا سيّما بعد تقطيع أوصال مدن الضفة ومنع الفلسطينيين من العمل في الداخل المحتل، مما انعكس سلبًا على الواقع الاقتصادي لسكّان الضفة.
إضافة إلى ذلك، فإن مصادرة الحكومة الإسرائيلية لأموال المقاصة (الضرائب) الفلسطينية، حرم جزءًا من الموظفين الفلسطينيين رواتبهم. وخوفًا من انفجار الأوضاع في الضفة فيه، استدعى الجيش الإسرائيلي منتصف الشهر الماضي وحدة «دفدوفان» من قطاع غزة إلى الضفة لمواجهة أي تصعيد محتمل. وفي هذا الإطار، حذّر وزير الأمن الإسرائيلي يؤاف غالانت (18-1-2024) من اشتعال الأوضاع في الضفة، داعيًا إلى «منع ذلك بكل الطرق والتعامل مع مسألتي العمّال والمال»، مطالبًا حكومة العدو بقبول موقف «الجيش والشاباك بشأن العمال والمال»، لأنّ «وجود سلطة فلسطينية قوية من أفضل المصالح لأمن إسرائيل».
وبحسب ما كتبته نتنئيل غامس في «ذا ماركر» (18-1-2024) فإن «الحكومة رفضت إدخال العمال من يهودا والسامرة (التسمية اليهودية للضفة المحتلة) للعمل في إسرائيل منذ اندلاع الحرب، باستثناء بضعة آلاف»، مشيرة إلى انه «لا يمكن استبدال في فترة قصيرة 110 آلاف عامل فلسطيني»، ولذلك تتخوف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من أن يتحول الـ100 ألف عامل ضدها.