قيل قديمًا إن الرجال يُعرفون عند وقوع الصدمات والفواجع. طبعًا، وكذلك النساء، بل كذلك الأحزاب وحتى الدول. إن مفهوم “يُعرفون” يُقصد بها، صمودهم وعزيمتهم، وقدرتهم على تجاوز ما وقع، والنهوض من جديد، وبأفضل مما كان عليه الحال، قبل ذلك. لقد أثبت حزب الله بأنه قادر على أن يكون نموذجاً للصمود والنهوض، بعد أن تعرض لصدمة كبيرة، وفاجعة هائلة، تمثلتا بضربات غادرة متلاحقة، أُريدَ منها أن تشله شلاً، لكي يواصل الجيش الصهيوني، وبدعم أميركي، هجومه المتلاحق عليه، ومن دون أن يسمح له، بالتقاط الأنفاس. وذلك ليقضي عليه حين لا يستطيع الصمود والنهوض واستعادة زمام المبادرة. فلا يعود قلعة شماء من قلاع…
الكاتب: منير شفيق
أدخل وزير خارجية بريطانيا اللورد هنري بالمرستون، في الاستراتيجية البريطانية، ما أسماه إقامة “حاجز بشري” في فلسطين، أي ما أصبح الكيان الصهيوني، كما كانت قد صدرت قبله تصريحات، لعل أهمها تصريح نابليون بونابرت بخصوص إعادة اليهود إلى فلسطين، وكانت عدة كتب تناولت عودة اليهود إلى فلسطين. وقد ذهب بعض المؤرخين إلى البدء بتلك التصريحات، أو الكتب، في التأريخ للقضية الفلسطينية، أو التأريخ للمشروع الصهيوني في فلسطين. ولكن ما من تصريح أو كتاب من تلك الكتب يصح أن يُرجع إليه، أو يعزى له الانطلاق في عملية التأسيس للمشروع الصهيوني، أو التحضير له، أو بدء العمل في اتجاهه. الفارق بين ما سبق…
من يتابع السياسة الدولية، في علاقتها بالحرب العدوانية البريّة والحرب الإبادية التي أوغلت بالقتل الجماعي للمدنيين في قطاع غزة، قد يصل في الحكم عليها إلى أنها سياسة دولية مقلوبة على رأسها. وذلك بمعنى خروجها عن ما يعتبر قوانين في فهم العلاقة الصهيونية بكل من أمريكا وأوروبا. أولًا، أو مثلًا، من المعروف أن الكيان الصهيوني صنيعة غربية جيء به إلى فلسطين ليلعب دورًا محدّدًا في خدمة استراتيجية بريطانية تشكّلت في العام 1840، بعد التجربة المريرة التي مرت بها بريطانيا لعشر سنوات في الصراع مع محمد علي الكبير في مصر. فقررت بعد هزيمته، من خلال أوروبا التي توحدّت ضده، أن يُقام حاجز…
هنالك فلسفة، ونظرة إلى العالم، تشكّك بوجود حقيقة يقينية في هذا العالم. وهي، ومعها فلسفة أخرى، تعتبر الحقيقة نسبية أو الحقيقة ونقيضها، توأمان لا يفترقان. ثم النظريات التي تدخل ضمن هذا الإطار. والسؤال البدهي: هل ثمة حقيقة في فهم الظواهر الطبيعية والمناخية التي حولنا، مثلًا هل الصفات الخارجية تعيينية وحقيقية، مثلًا معرفة الفصول الأربعة الصيف والشتاء والربيع والخريف، بمعنى وجود الحرارة والبرودة، أو مثلًا وجود العطش أو الارتواء، أو الموت والحياة. هل هذه محدّدة بالحقيقة التي تمثلها، حتى لو كان ثمة جهلًا ولا معرفة، في ما يتعلق بما هو خارج ظاهرها، أو ما هو في داخلها. هنا ثمة إمكان للحديث…
واجه الكيان الصهيوني منذ تأسيسه عدة ورطات، أو تناقضات، تتعلق بمبدأ وجوده في فلسطين، وبناء “دولته” أو كيانه فيها. بداية من خلال مخالفته للقانون الدولي، الذي يحصر تقرير المصير في فلسطين بالشعب الذي كان يسكنها يوم احتلال الاستعمار البريطاني لها في العام 1917. وواجه الورطة نفسها، في عدم سماح القانون الدولي للاستعمار البريطاني، في أثناء احتلاله فلسطين ما بين 1917 و1948، بإحداث أيّ تغيير جغرافي أو سكاني في فلسطين. وهو ما ينطبق على كل ما حدث من هجرة يهودية إلى فلسطين، باعتبارها غير شرعية، من وجهة نظر القانون الدولي. وواجه الورطة في توصية (قرار) التقسيم، رقم 181، لعام 1947. وقد…
ثمة تيار لدى بعض المعلقين الصحفيين، والمثقفين الفلسطينيين، لم يصلوا إلى قناعة، بالرغم من تجربة الثمانية أشهر الماضية، بأن ثمة قيادة للمقاومة خاضت، وتخوض حرباً فلسطينية وإقليمية، وذات أبعاد عالمية. وقد توحّد الشعب الفلسطيني، موضوعياً، من خلال الالتفاف حولها وتأييدها. ولم يصلوا إلى قناعة، بأنها هي التي يتم التفاوض غير المباشر معها، على شروط وقف إطلاق النار، والانسحاب الكامل لقوات العدوان من قطاع غزة. ولهذا برزت مقالات راحت تطالب، بحجة تعداد إيجابيات تلك القيادة (حماس) وسلبياتها، لتخلص إلى القول أن الوضع بحاجة لتشكّل قيادة موحدة فلسطينية تقوم بمهمة مواجهة تحديّات المرحلة التالية لوقف إطلاق النار. وقد التقت هذه المطالبة، بتقدير…
لا بدّ من التوقف بتأنٍ، ومن البحث في تعمّق، أمام قراءة ماذا فعلت حرب غزة في الرأي العام فلسطينيًا وعربيًا وإسلاميًا، ورأيًا عامًا عالميًا، ولا سيما أوروبيًا وأمريكيًا. وذلك ابتداءً من الانتصارات العسكرية التي حققتها المقاومة في الحرب البريّة، ومرورًا بالصمود الشعبي في مواجهة حرب إبادة للبشر، وتدمير شبه شامل للدور والمستشفيات، وانتهاءً بالفعل السحري الذي تركته كوفية أبي عبيدة، وخطاباته في حرب الإعلام، وتحريك إصبعه متوعدًا، وتحوّله قدوة للأطفال. وإذا أُجّل، لمقالة أخرى، تناول هذا التأثير بالنسبة إلى تأثيره في الجماهير الفلسطينية، والعربية والإسلامية، والعالم-ثالثية، لما يمثله المتلقي هنا من خصوصية معبأة، أصلاً، ضد الكيان الصهيوني وأمريكا، أو معبأة…
النظرة السريعة إلى الفارق الكبير بين ما يمتلكه الجيش الصهيوني من سلاح وقوة نيران وتاريخ عسكري، ودعم أمريكي-غربي بالذخائر، والتغطية السياسية والإعلامية، والنفوذ الدولي، من جهة، وإلى ما تمتلكه المقاومة من سلاح وقوّة نيران، أو “دعم” عربي وإسلامي ودولي، ووضع محاصر و… لا بد من الخروج بنظرة عسكرية تُعتبر غير قابلة للجدال: تفوّق عسكري كاسح في مصلحة الجيش الصهيوني. وهو ما ترجم تاريخيًا عدّة مرات ضدّ الجيوش العربية، أو إقامة الكيان الصهيوني، أو حروب 1948 أو 1956 أو 1967، و1982، أو اقتحام قطاع غزة عدة مرات، وحكمه لعشرات السنين. ولهذا، توقّع كثيرون أن الحرب البريّة في اقتحام غزة بعد عملية…
عندما يبدأ شاب في مرحلة الخمسينيات من القرن العشرين حياته في عالم السياسة والفكر ماركسيًا، أو شيوعيًا، لا ينبهر بالديمقراطية الغربية، كما يمكن أن يفعل اليوم شاب يبدأ حياته السياسية والفكرية، وهو لم يتأثر بالماركسية والتجربة السوفياتية، في المنتصف الثاني من الخمسينيات الماضية، ولا سيما بعد انهيار المعسكر الاشتراكي، أوائل تسعينيات القرن الآفل. فالماركسية اعتبرت، منذ بدايتها، الديمقراطية الغربية دكتاتورية الرأسمالية. ووجهت لها نقداً نظريًا، وسياسيًا، صارماً. ولكن كانت أول معضلة واجهتها في الديمقراطية في الكيان الصهيوني، وذلك عندما كانت السياسة السوفياتية مؤيّدة لقيام دولة الكيان الصهيوني 1948، وبعد أن وافقت على قرار التقسيم رقم 181 لعام 1947. بلغت تلك…
إن المجزرة الإبادية المتواصلة ضدّ المدنيين، ولا سيما الأطفال، طوال الستة أشهر الماضية في قطاع غزة، خرجت من إطار الحرب العسكرية، بل من إطار ما عُرِف قبلها من مجازر، وذلك بسبب عالمية مرتكبها الصهيوني، ثم أمريكا والغرب في دعمه وحمايته وتغطيته. كما بسبب الطرف المستهدف، من المدنيين الغزاويين الذين هم جزء من الشعب الفلسطيني، والشعوب العربية والإسلامية، وما تمثله المقاومة المسلحة من رمزية، في إطار حركة التحرير العالمية، من الاستعمار والإقتلاع والإحلال الاستيطانيين. من يتأمّل جيدًا في هذه الحرب الإبادية للمدنيين، وامتدادها من تشرين الأول/أكتوبر 2023 إلى منتصف نيسان/أبريل، وما زال الحبل على الجرار، يجدها مختلفة عمّا سواها. وذلك، أولاً،…