نتحدّث عن نصرةِ الله وعونه لنا في حربنا مع “إسرائيل” لا بشيء من اليقين، بل بكثير منه. لكن ما نجهله هو كيف هو شكل هذه النصرة، إلا اليوم، فنحن لا نجهله ونراه. لسنا في جبهة نصرتها تكون بالسلاح والعدة بل بأشياء روحية كهذه، بضربة ربانية على السردية الصهيونية قبل ولادتها. فقد كان من الممكن أن يستشهد القائد يحيى السنوار غيلة، وهو متحذّر عدوه، تتخطفه الأرض، وتلك شهادة. ولكننا اليوم بنصر من الله لسنا أمام قصة اغتيال جبان له حرقته، الحكاية مختلفة.
فالحكاية هي أن قائد الشعب الفلسطيني، أكبر شخصية سياسية لهذا الشعب، استشهد مشتبكًا وهو يقاتل، مثله كمثل أي شهيد في بقاع الوطن السليب. استشهد بسلاحه وجعبته العسكرية ومقبلاً أمام عدوه وعدونا. لا يمكننا أبدًا، مهما بلغ فينا بثّ روح القتال والفخر بأنفسنا كأمّة عربية وكشعب فلسطيني، أن نرسم هكذا رواية في الخيال الجمعي فكيف بها كحقيقة.
وبماذا تذكرنا؟ إن بذرة كل هذه الملحمة بدأت قبل تسعين سنة، بشيخ أصغر من السنوار عمرًا حينها، متحزّماً سلاحه يشتبك مع الغزاة الإنجليز والصهاينة في مرج بن عامر فيشعل ثورة مداها إلى اليوم وغدًا. عنوان الشعب العربي والفلسطيني واسم كتائبنا شهيد قائد مشتبك، وجهًا لوجه. واليوم، في تل السلطان في رفح، رئيس كتائب بذلك الاسم، مرتديًا جعبته، لم يكن يمشي مموهًا وجوده، لم يقبل أن تخطوا أرض بلاده إلا وهو مقاتل بالرّداء والموقف، يخوض الحرب كما تخاض من سنينها الأولى منذ آلاف السنين، بالشجاعة والإقدام، تعفف عن كل الحيل والخدع، فقد أرادها حربًا من السابع من أكتوبر كما تخاض الحروب، وقضى وهو محارب.
هذه ليست قصة شهادة أو شهيد، أو اغتيال ومستهدف، هذه حكاية محارب، تنسج الأمم أساطير حول أبطالها، قصصاً يلعب فيها الخيال ما يلعب، إلا نحن، أعطونا أمة من أمم الأرض أبطالها قصصهم هي الواقع، استسلم الخيال أمام أفعال السنوار، أمام لسانه وقراره السياسي، وأمام اشتباكه الأخير. ليس بقائد ولا شهيد ولا سياسي، هذا هو المحارب لا غير ذلك.