تتخذ قيمة السلاح بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية أكثر من وجه، فهنالك قيمة عملياتية، تقوم على التفوق التكنولوجي العسكري للإمبراطورية على معاديها وخصومها، وبالتالي فعاليته الحقيقية خلال المعركة والحرب. وهنالك أيضًا وجه دعائي للسلاح، حيث تتكيف القوة المادية ليعبر عنها عبر الأدوات الناعمة. تصنع صورة دعائية للقوة العسكرية عبر الشاشات ومختلف الوسائط الإعلامية، حيث يؤدي السلاح دوره الآن، قبل استخدامه، ولكن عبر تشكيل وعي الآخرين بأن هذا السلاح قاهر لأي قوة، ومسألة هزيمته مستحيلة. وبالتالي لا تنتصر الولايات المتحدة قبل المعركة فحسب، بل أن الصورة الدعائية للسلاح للمتلقي العربي، عبر الأفلام السينمائية والوثائقية والألعاب الإلكترونية، تجعله ينجذب لهذه القوة المصورة. ومن ثم يبحث عن طريقة للانتماء لها والاصطفاف في صف القوي، وبشكل ما يهرب من عار متخيل لانتمائه الثقافي والوطني إلى محاولة يائسة للانتماء للطرف المنتصر تاريخيًا، و العمل معه، أو حتى افتراض المقدرة على تسخير قوة هذا السلاح ولكن ضد خصومه من بني جنسه وأهله ومدنه وقراه.
لنا عربيًا وإسلاميًا خصوصية تاريخية منذ نهاية الحرب الباردة، فمدننا من بغداد وبيروت وغزة وصنعاء وكابل، كانت مسرحًا للعمليات الدعائية الخشنة ومن ثم الناعمة لسلاح الغرب. منذ مشهد قصف صواريخ التوماهوك لبغداد، والاستعراض الأمريكي للسلاح والقوة القاهرة على مسرح هذه المدينة وعلى أجساد مواطنيها أمام العالم كله، في رسالة أننا دخلنا بداية العصر الأمريكي. ومن ثمّ امتدادًا لهذا المشهد الخشن، وفّرت أراضينا وصحارينا ومناراتنا وكوفياتنا ولغتنا العربية مسرح الصورة والصوت للآخر المستهدف عبر السلاح الأمريكي للمنتج الثقافي للغرب.
طالما كانت دراسات الحرب الناعمة تدرس دور الفاعل القوي، لا الطرف المستهدف من أدوات الحرب هذه، أي نحن. وبالتالي، تفتقر ساحة الدراسات التحررية في مقابل أكاديميا الغرب، لمنهجية حول كيف حاربنا ونحارب، قاومنا ونقاوم الحرب الناعمة الأمريكية علينا. وهي دراسة يجب عليها شمل تاريخنا نحن منذ غزو العراق ونموذج المقاومة الإسلامية في لبنان ومسيرة حركة أنصار الله في اليمن، ومن قلب تاريخ المنطقة المقاومة الفلسطينية وصولًا إلى “الطوفان” اليوم.
فمع أهمية دراسة الخطاب المقاوم في الجبهة المقاومة ومجتمعاتها ومشاكل الهوية والانقسامات المجتمعية والمذهبية، وأهمية الإبداع في صياغة خطابنا وتكييفه وتطويره لصناعة مناعة أيديولوجية من خطاب الحرب الناعمة الأمريكية، إلا أن الأساس في كل شيء هو النجاح الخشن، النجاح على الأرض؛ من مشاهد العبور والتنكيل بالمستعمرين الصهاينة في السابع من أكتوبر المجيد، إلى عبور المسيّرات ومشاهد “هدهد” حزب الله فوق سماء فلسطين، لنرى وطننا ولأول مرة من السماء، حيز كان حكرًا على الاستعمار البريطاني في القرن الماضي ومن ثم الأمريكي و”الإسرائيلي”. وفي حين كان المستشرقون الإنجليز يتحدثون عن قداسة السماء عند العرب وكيف أن دخول الطائرة وقصفهم من الجو سيضرب صميم وعي الإنسان العربي وبالتالي سيخضع وتتم عملية السيطرة على جموحه، فاليوم تحكي السماء قصة مختلفة.
إن بداية النهاية للحرب الناعمة علينا هو بالإسقاط المادي لوحش الدعاية للسلاح الأمريكي من سمائنا، حيث أن أول بنود منهجيتنا التحررية في مكافحة الحروب الناعمة في تعويض قصورنا المالي والمادي عن إنتاجات الإمبراطورية الدعائية والناعمة. وذلك عبر الإنتاج الفني البسيط للحدث العسكري والمادي الكبير، وهو أحد أبرز مساهمات الإعلامَين الحربي والعسكري للمقاومات العربية خلال “طوفان الأقصى”.
من هنا يخص الصحفي اليمني زكريا الشرعبي، رئيس مركز المعلومات في دائرة التوجيه المعنوي للقوات المسلحة اليمنية، “الكرمل”، بسرد قصة سماء اليمن والقوات المسلحة اليمنية وطائرة الـMQ9 الأمريكية:
لعل من المفيد البدء عبر وصف هذه الطائرة وتاريخها للمتلقي العربي وكيف تقدمها القوات الجوية الأمريكية في الإعلام؟
تعتمد الولايات المتحدة الأمريكية على الدعاية لتضخيم فاعلية أسلحتها لترسيخ صورة التفوق التقني والعسكري. وهذا التضخيم لا تقتصر أهدافه على إيصال رسالة يأس إلى الخصوم لمنعهم من المقاومة، وإنما حتى الذين يعتبرون أنفسهم حلفاء، وإن كانت الحقيقة أن الولايات المتحدة لا تملك حلفاء بالمعنى الحقيقي للكلمة وإنما أدوات وظيفية.
من خلال تضخيم الدعاية للسلاح يركن هؤلاء إلى أن أمريكا هي الأقوى وهي الأقدر على حمايتهم، كما يصبحون عملاء ثابتين لمجمع الصناعات العسكرية الأمريكية. إلا أنه ثمة جانب آخر يوازي الأرباح التي تجنيها شركات الأسلحة الأمريكية، وهو الجانب الأكثر خطورة، إذ تُصبح العقيدة التسليحية للجيوش معتمدة بشكل كُلي على التقنيات الأمريكية، وهي تقنيات يحتفظ الأمريكي بالفئات العليا منها، كما يحتفظ بتحديثاتها وقسط كبير من التحكم بها. وعليه، تصبح أي دولة ضعيفة ولا تمتلك القوة التي توازي أو تستطيع التصدي لأي عمل عدائي أمريكي، حكمًا تحت الهيمنة الأمريكية وبالتالي تفقد استقلالها.
لا بد من هذا الاستهلال للحديث عن أغراض الدعاية الأمريكية للسلاح بشكل خاص والتي مثلت حربًا ناعمة هيمنت على تفكير وإرادة صناع القرار ليس في العالم العربي فحسب وإنما في مختلف أنحاء العالم مع بعض الاستثناءات.
كنموذج لهذه الحرب، قدمت الولايات المتحدة طائرات MQ9 كتقنية لسد العجز الاستخباراتي للأقمار الصناعية والتي اعترف الأمريكيون مؤخرًا أنها لا تستطيع التغلب على الظروف الجوية ولا إظهار وتحديد هوية الأشياء، وتبدو الأهداف في أعين القمر الصناعي مثل إبرة في كومة قش.
إن معرفة هذه الحقيقة تجعل المقاومة أكثر تحررًا من تصورات هيمنة الاستخبارات الأمريكية الجوية، فكان لا بد من الطائرات المسيرة، ذات التقنيات العالية كما يقول الأمريكيون. قد بدأ العمل على هذا المسار خلال العقود الأخيرة من القرن الماضي لكنه انتقل إلى التجربة العملياتية في مطلع هذه الألفية مع برنامج “إم كيو” وقد بدأ بطائرة MQ-1 Predator أي: المفترس، ثم MQ-9 Reaper، أي: الحصادة.
تقول القوات الجوية الأمريكية عن الأخيرة أنها توفر قدرة فريدة على تنفيذ الضربات والتنسيق والاستطلاع ضد أهداف عالية القيمة وعابرة وحساسة للوقت، كما توفر الدعم الجوي القريب، وتمتلك قدرات مؤهلة بشكل فريد لإجراء عمليات حرب غير نظامية لدعم أهداف القائد المقاتل.
كما تصفها مواقع تابعة لوزارة الدفاع الأمريكية بأنها الحصان الهجومي الرئيسي للقوات الجوية الأمريكية، وتبالغ بالقول إن اسم هذه الطائرة يثير الخوف في قلوب أعداء أمريكا، فهي عيون تساعد القوات الأمريكية وشركاءها على رؤية ما هو خلف التلال أو حول الزاوية؛ حتى يتمكنوا من البقاء على اتصال؛ والقدرة على وضع الذخيرة بسرعة ودقة على الهدف.
ولأن شبكة الدعاية الأمريكية لا تقتصر على وسائل الإعلام الإنجليزية وإنما بات هناك وسائل إعلام عربية تتبع ظاهريًا دولاً عربية، تعمل كأدوات للحرب الناعمة التضخمية للسلاح الأمريكي، تنتشر المواد الدعائية للطائرة على المنصات العربية.
إلى أي مدى يمكن أن تقترب هذه الدعاية من الواقع أو تتناقض معه؟
علينا أن نفرق بين مفهومين أساسيين في الحديث عن المواجهة، الأول مفهوم القوة، والآخر مفهوم القدرة. إن الولايات المتحدة تمتلك القوة بلا شك، لكنها لا تمتلك القدرة التي تعني إمكانية فرض الإرادة، بدليل الهزائم التي تلقتها في فيتنام وأفغانستان، وأمام إرادة الثورة الإسلامية في إيران، ومؤخرًا في اليمن، وبالتالي فهي تستخدم القوة بشكل مباشر، أو بشكل غير مباشر عن طريق تضخيمها لاستهداف قدرة الآخرين على المقاومة، وفي حالة طائرة إم كيو-9، كانت الولايات المتحدة تستبيح بها أجواء الكثير من البلدان بما في ذلك اليمن وتنفذ سياسة الاغتيالات القذرة باعتبار أن هذه الطائرة مُسلحة بأنواع مختلفة من الأسلحة، ويمكنها الوصول إلى أماكن الخصوم دون الحاجة إلى طائرات حربية مأهولة أو طائرات مرافقة للإنقاذ والتزود بالوقود، ولأن هذه الطائرة لم تجد من يتصدى لها، أو يجرؤ على التصدي لها، فقد حصلت على دعاية حتى من الضحايا، وتم تقديمها كقوة خارقة، ولعل هذا ما جعل الأمريكي مؤخرًا ينقل تجربة استخدامها من القوات الجوية والقوات الخاصة، إلى القوات البحرية.
إذا ما ركزنا على اليمن وقسّمنا تاريخه منذ بداية الألفية إلى ثلاث مراحل تبدأ من زمن علي عبدالله صالح، ومن ثم مرحلة العدوان السعودي-الأمريكي، وصولاً لمرحلة معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدّس” و”طوفان الأقصى”، هل يمكنك سرد تاريخ عمل هذه الطائرة في المجال الجوي اليمني؟
من المفارقة أن اليمن كانت من أولى الدول التي تم استخدام هذا النوع من الطائرات في سياسة الاغتيالات فيها. ففي نوفمبر 2002، نفذت طائرة أمريكية بدون طيار من نوع MQ-1 Predator عملية اغتيال لشخص يدعى أبو علي الحارثي في محافظة مأرب اليمنية وقتلت ستة أشخاص، وكان هذا بعد عام واحد من العمليات المسلحة لهذا النوع من الطائرات.
وفي يناير 2003، حقّقت المقرّرة الخَاصَّة للأمم المتحدة أسماء جهانجير وخلصت إلى أن الولايات المتحدة نفذت عمليات قتل خارج نطاق القضاء في اليمن، ولم تكن مبرّرة بمكافحة الإرهاب.
في ذات الفترة، عملت الطائرات الأمريكية المسيرة بشكل نشط في الحروب التي نفذها نظام صالح ضد “أنصار الله” في محافظة صعدة، وهناك وثائق تكشف عن التزام أمريكي للنظام بتقديم الخرائط وعمليات المسح الجوي عبر طائرات الاستطلاع.
ولعل أكثر الفترات كثافة في عمليات MQ9 كانت منذ العام 2010، ففي ديسمبر من العام 2009 ارتكبت أمريكا مجزرة مروعة بحق مواطنين يمنيين في محافظة أبين جنوبي اليمن عبر قصف مخيمات للبدو في منطقة تسمى “المعجلة” بصواريخ كروز، وبينما تبنى النظام هذه الجريمة بذريعة “مكافحة القاعدة”، ظلت بقايا الصواريخ في مسرح الجريمة، وهو ما أثار سخطًا شعبيًا كانت واشنطن تخشى أن يأتي برد فعل عكسي لا تستطيع السيطرة عليه. وفي لقاء بين علي عبدالله صالح وقائد القيادة المركزية الأمريكية آنذاك ديفيد بيتريوس قال صالح إن صواريخ كروز “ليست دقيقة بما يكفي” واستخدامها أثار سخط الناس، ورحب باستخدام القنابل الموجهة بدقة في الطائرات بدلًا عن ذلك، وبحسب وثائق “ويكيليكس” قال صالح للمسؤول الأمريكي “سنستمر في القول إن القنابل لنا وليست قنابلكم”.
بلغ عدد الغارات العدوانية الأمريكية في اليمن التي جاءت تحت عنوان مواجهة تنظيم “القاعدة” نحو 400 غارة في عهد كل من أوباما وترامب وبايدن، قُتل فيها نحو 1200 مواطن يمني في مختلف أنحاء اليمن.
لم يكن اليمنيون قبل ثورة 21 سبتمبر 2014 يمتلكون من وسيلة لمواجهة هذا العدوان الأمريكي المستمر وظلّت المسيّرات الأمريكية تحلق في سماء عاصمتهم ومدنهم، ووسيلة الاعتراض الوحيدة هي رسم طائرة إم كيو -9 على الجردان مع كتابة عبارة استهجان بجانبها من قبيل: “لماذا قتلتم عائلتي؟”
أما الأنظمة، فيكفي أن نشير هنا إلى تصريح علي عبدالله صالح مع قناة “فرانس 24” عندما تم سؤاله كيف تم السماح لطائرة بدون طيار باغتيال المواطن اليمني (يحمل جنسية أمريكية) أنور العولقي، إذ رفع صالح نظره إلى الأعلى وقال: جت من الجو شو نعملها! أما خلفه عبد ربه منصور هادي والذي كان نائبه سابقًا فصرح أن “هذه الطائرات أعجوبة فنية”، مؤكدًا أنه وافق شخصيًا على كل ضربة أمريكية نفذتها طائرة بدون طيار في اليمن.
عقب ثورة الـ٢١ من سبتمبر كانت طائرات MQ9 عصب العمليات العدوانية، حيث اضطلعت الولايات المتحدة بدور الدعم اللوجيستي، وكما يرى الأمريكيون فإن التكتيكات هي عمل الهواة أما اللوجستيات فهي عمل المحترفين وكان من أسباب اضطلاع الأمريكي بالدور اللوجيستي أن السعوديين مجرد هواة. وبحسب ما كشف مسؤولون أمريكيون حينها، فقد كان للولايات المتحدة الأمريكية غرفة عمليات في قبو قاعدة عسكرية في الرياض فيها شاشات عملاقة تقوم بنقل مسرح العمليات العدوانية من اليمن عبر الطائرات بدون طيار وتحدد ماذا وأين ستقصف الطائرات الحربية، وهذا ما يطلق عليه مصطلح “الدعم الجوي القريب”. وللعلم، فإن الولايات المتحدة تحتكر طائرات MQ9 ولم تقدمها حتى للكيان الإسرائيلي الذي يمتلك برنامجه الخاص للطيران المسيّر ويقوم مجاهدو حزب الله بالتنكيل وإسقاط أحدث أنواعه من السماء.
في المقابل، امتلكت ثورة 21 سبتمبر الإرادة والتي تمثل الركيزة الرئيسية للقدرة في مقاومة القوة الأمريكية، وعلى الرغم من قيام أمريكا بتدمير الدفاعات الجوية اليمنية وتفجيرها بدعم من الأنظمة السابقة للثورة إلا أنه بفضل الله تم الإعداد والتجهيز بشكل تصاعدي وتطوير وبناء قوة عسكرية من الصفر، وكان إسقاط أول طائرة MQ9 في أكتوبر من العام 2017.
وقد اعترفت الولايات المتحدة حينها بالعملية دون توضيح التفاصيل نظرًا لكونها كانت تخفي استمرارها في دعم العمليات العدوانية على اليمن.
وقال الرائد إيرل براون المتحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية: “نعتقد أن طائرة بدون طيار من طراز MQ9 أسقطت في غرب اليمن. ولا يمكن الكشف عن تفاصيل المهمة لأسباب أمنية عملياتية، ولا نريد أن نستبق أي تحقيق”.
وفي السابع من يونيو 2019 أعلنت القوات المسلحة اليمنية إسقاط الطائرة الثانية من طراز في محافظة الحديدة، وفي 20 أغسطس من ذات العام أسقطت القوات المسلحة اليمنية الطائرة الثالثة في محافظة ذمار.
يروي مستشار الأمن القومي الأمريكي حينها جون بولتون في مذكراته أنه عندما تلقى البلاغ بإسقاط هذه الطائرة عاد وأبلغ ترامب، فرد ترامب قائلًا: أريد القصاص..أحضر لي بعض الخيارات لاحقًا.
وتوقفت الطائرات الأمريكية بدون طيار لفترة من الوقت عن التحليق في سماء كثير من المناطق اليمنية، قبل أن تعاود التحليق في سماء محافظة مأرب لدعم قوات العدوان السعودي الأمريكي ومنع القوات المسلحة اليمنية من عملية تحرير المحافظة، وهنا كان إسقاط الطائرة الرابعة وتحديدًا في 23 مارس من العام 2021.
طوت الولايات المتحدة هذا الملف واقتصر تحليق طائراتها على المناطق الواقعة تحت سيطرة العدوان، حتى نوفمبر من العام 2023 حيث كانت بداية النهاية لهذا الطائرات.
في الثامن من نوفمبر بعد شهر واحد فقط على بدء “طوفان الأقصى”، ومع بدء العمليات العسكرية اليمنية تمكنت القوات المسلحة من إسقاط طائرة أمريكية MQ9 أثناء قيامها بأعمال عدائية ورصد وتجسس في أجواء المياه الإقليمية اليمنية وضمن الدعم العسكري الأمريكي للكيان الإسرائيلي.
أظهرت هذه العملية تضاربًا وارتباكًا واضحًا لدى قيادة البنتاغون، فبعد ساعات من نفي المسؤولين الدفاعيين الأمريكيين ما جاء في بيان القوات المسلحة اليمنية، بث الإعلام الحربي اليمني مشاهد لعملية الإسقاط، ما اضطر الولايات المتحدة للاعتراف، وفي السياق قالت نائبة متحدث البنتاغون سابرينا سينغ أن الطائرة أُسقطت في البحر الأحمر، وأن الولايات المتحدة على علم بمحاولة الحوثيين استعادة الطائرة “MQ9″، مضيفة: “لكن من غير المرجح أن يتمكنوا من استعادة أي شيء له أهمية”، غير أن هذه الطائرة كانت الأولى ضمن حزمة من الطائرات التي تحول اصطيادها إلى نوع من ممارسة المحترفين لهواية القنص، فحتى العاشر من سبتمبر الجاري تم إسقاط تسع طائرات، وبإضافة أربع طائرات تم إسقاطها خلال العدوان الأمريكي السعودي تكون المحصلة ١٣ طائرة، من بين ١٨ طائرة تم الحديث عن إسقاطها خلال تاريخ البرنامج، ثلاث طائرات في ليبيا إحداها للقوات الجوية الإيطالية، وطائرة في العراق وطائرة في البحر الأسود تم اتهام روسيا بإسقاطها عبر اعتراضها بواسطة طائرة سوخوي في مارس 2023.
لقد وصفت سلسلة الاسقاطات بأن اليمن يكتب نهاية عصر الـMQ9 خصوصًا من ناحية التسويق لها وإثبات فعاليتها للبلدان المشترية، ولكن كيف ترى أهمية الأثر المعنوي على صورة العظمة الأمريكية في مجتمعاتنا، وكيف لنا العمل لتحويل ذلك نحو خلق وعي شعبي عربي بأن الاستقلال ممكن وأن أمريكا ليست قدرًا؟
عندما تتحدث عن تسع طائرات MQ9 تم إسقاطها خلال 10 أشهر، أنت لا تتحدث عن عملية إسقاط حدثت بالمصادفة، وإنما عن كسر عنصر التفوق الذي اتسمت به هذه الطائرة وابتكار الوسيلة المناسبة التي تجعل منها صيدًا سهلًا، وهو ما تؤكده مشاهد الإعلام الحربي اليمني والتي تظهر استخدام صاروخ واحد لإسقاط الطائرة، وهذا هو البعد الأول ومن شأنه أن يوجه رسائل إلى الدول الراغبة بشراء هذا النوع من الطائرات والتسلح به كعنصر قوة، إلا أنها لم تعد ذات جدوى. وأذكر هنا أن حديثًا جديًا بدأ في الهند، كما تحدثت وسائل إعلام هندية، يدور حول إلغاء صفقة كانت تريد أن تتفوق بها الهند على الصين، أما البعد الآخر فيتمثل في وصول التقنية إلى يد الخصوم.
بموازاة طائرات الـMQ9 يمكن القول أن اليمن مثل مقبرة للتقنيات العسكرية الأمريكية وللتفوق العسكري الأمريكي، سواء في المجال الاستخباراتي الجوي عبر إسقاط هذا النوع من الطائرات، أو في المجال البحري حيث أثبتت معركة البحر الأحمر انتهاء زمن حاملات الطائرات وأظهرت الجرأة اليمنية أن أمريكا التي ظلت تهيمن على البحار منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ليست قدرًا وليست قوة لا تهزم، فالبحرية الأمريكية اليوم كما يعترف الأمريكيون أنفسهم تشهد أكبر انتكاسة لها منذ نصف قرن.
وعليه، فقد قدم اليمنيون نموذجًا للجميع بأن أمريكا ليست قدرًا، وأن توفر الإرادة مع العمل بالتوكل على الله والأخذ بأسباب النصر هو ما يضع الفارق حتى وإن كان الخصم يمتلك قوة عسكرية كبيرة.
لقد بدأ اليمنيون بتحطيم وحش دبابة الأبرامز خلال العدوان الأمريكي السعودي وكان لذلك أثرًا معنويًا حيث يتم إحراق دبابة أبرامز بصاروخ كورنيت وفي أغلب الأوقات بقداحة يحملها المقاتل في جيبه، واليوم يجبرون حاملة الطائرات التي كانت أمريكا تصفها بدبلوماسية المئة ألف طن، ويسأل الأمريكيون قبل نقاش أي قضية في دولة ما أين أقرب حاملة طائرات منها، فبمجرد مرور حاملة طائرات بجانبها سترضخ هذه الدولة وتسلم بالشروط الأمريكية، كما أسقطوا طائرات MQ9.
لقد كان الكثير يسخرون من إطلاق اليمنيين شعار الصرخة في وجه المستكبرين قبل عشرين عامًا ويعتبرون الهتاف بـ”الموت لأمريكا” في هذا الشعار ضرب من الجنون أو الخيال، لكن انطلاقًا من هذا الشعار وبه، أمات اليمنيون أمريكا في أنفسهم فانطلقوا لمواجهتها في الميدان دون خوف أو رهبة، معتمدين على الله، فهو الأكبر والأقوى، ولذلك يقول الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي إن “الحرية لا تأتي من خلال العبارات، الحرية تتمثل في عبوديتنا لله سبحانه وتعالى، العبودية التي تجعلنا أعزاء على الكافرين وأذلاء على المؤمنين، هناك الحرية، الحرية التي تجعلنا نضرب أمريكا وإسرائيل بيد من حديد، التي تجعلنا ننظر إلى أمريكا وإسرائيل قشة وليس عصًا غليظة، نحن من خلال القرآن، من خلال الأحداث استطعنا أن نفهم الواقع الذي أنتم جزء منه، استطعنا أن نفهم خلاف الفهم الذي أنت تفهمه، فَهْمُكم أنتم هو الذي جعلكم ترون أمريكا وإسرائيل عصًا غليظة، أما نحن فإن فهمنا هو فهم القرآن الذي يقول: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ} (آل عمران:111) هل هذه عصا غليظة، أم أن هذه قشة؟ هذه في الواقع قشة، وليست عصًا غليظة.