لسنين طوال، ظل مفهوم “البجعة السوداء” (Black Swan) واحدًا من أبرز مفاهيم الدراسات المستقبلية. يشير المصطلح إلى الأحداث غير المتوقعة أو المستبعَدة من الإدراك (أي تلك التي تتسم بضعف الاحتمال والتأثير الكبير في آن: “Low Probability, High Impact”) التي يحاول الباحثون استشرافها. في تاريخنا المعاصر، عاش العالم لحظات كثيرة يصدق عليها هذا المفهوم: موت ماو تسي تونغ (1976)، زيارة السادات إلى القدس (1977)، وصول ميخائيل غورباتشوف إلى الحكم (1985). كلها أمور شكلت منعطفات من خارج السياق ولم يتوقع أحد مآلاتها.
حالة “البجعة السوداء” يمكن التماسها أيضًا يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 في “العلاقات البين يهودية” داخل الولايات المتحدة. يختلف اليهود في الولايات المتحدة في نظرتهم إلى “إسرائيل”، كما ويختلف المؤيدون لها على موقعها من سلم أولوياتهم. 44% من يهود نيويورك ليسوا على صلة بأي من المؤسسات الدينية اليهودية. يؤرق هذا الرقم جماعات الضغط اليهودية، ويؤرقهم أيضًا أن طيفًا واسعًا من ناشطي/ فاعلي هذه الجماعات قد بدؤوا في نقد نشاط اللوبي التقليدي. “جي ستريت” كانت تعبيرًا عن تيار لم يعد يرى في الـ”آيباك” ضالته. من عباءة “آيباك” خرجت “جي ستريت”. ينادي ناشطوها بحل الصراع وفق منطق حل الدولتين ويعارضون الاستيطان في الضفة الغربية ويرفضون “صفقة القرن”. تعبّر “جي ستريت” عن تحول آخذ في الاتساع لدى اليهود الأمريكيين. الفارق بينها وبين الـ”آيباك” يكمن في فارق متوسط أعمار المؤيدين للوبيَين؛ قاعدة الـ”جي ستريت” قائمة على جيل ما دون الثلاثين عامًا من يهود أمريكا.
الحديث عن اللوبيَين لا بد من أن يأخذنا إلى بدايات عمل اللوبي في الولايات المتحدة، وأسلوبه، في محاولة استكشاف أثر “البجعة السوداء” للسابع من تشرين عند اليهود الأمريكيين.
يعيش غالبية ساتمار الحسيديم في نيويورك داخل حي ويليامسبورغ. تعود غالبية أصول يهود ويليامسبورغ إلى حسيديم المجر. عاش الحسيديم في المجر في ضواحي ترانسيلفانيا عند تقاطع كل من رومانيا، المجر، وأوكرانيا (كان المجريون أول من أطلق على هذه المدينة اسم زاتمار – نيميتي، فيما سماها الرومانيون الذين استحوذوا على المدينة بموجب معاهدة تريانون عام 1920 اسم ساتو ماري). قبل الحرب العالمية الأولى، كان غالبية هؤلاء منخرطين في صراع مرير ضد اليهود العلمانيين في بودابست. نظر يهود بودابست إلى الحماسة الصوفية والتمسك الصارم بالأرثوذكسية نظرة ازدراء وعدم ارتياح. خلاف ساتمار والعلمانية في حقيقته كان في جانب منه خلافًا ريفيًا – مدينيًا. أسس تيار الحسيديم الحاخام يسروئيل بن إليعزير، المشهور باسم “بعل شيم توف”، أوائل القرن الثامن عشر. ثم ترأس “الصدّيق” موسى تيتلباوم، المعروف باسم “أوهيلي” (مؤلف كتاب “يسماخ موشيه” أحد تفاسير التوراة) قيادة هذه الجماعة في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وهو الذي ستعود إليه لاحقًا غالبية صوفيي الساتمار. كان موسى شخصية مهيبة ويحظى باحترام كبير كمعلم وقاض، تبعته أربعة أجيال من الحاخامات الذين حظوا بأكبر قدر من الاهتمام في بلدة مارماروس شمال ترانسيلفانيا. بعد الحرب العالمية الثانية، ترأس جويل تيتلباوم جماعة الساتمار وانتقل بهم إلى الولايات المتحدة، وقاد خلافات مريرة مع حاييم إليعازر شابيرا.[1] ونتيجة لذلك، انتشرت سمعة جويل باعتباره المناهض الأكبر بين حسيديم الولايات المتحدة لـ”إسرائيل”.[2]
في كتابهما “حصن في بروكلين: العرق، العقارات، ونشأة الحي الحسيدي في ويليامسبورغ” (A Fortness in Brooklyn: Race, Real Estate, and the Making of Williamsburg) يقدم كل من ناتان دويتش ومايكل كاسبر مقاربة تاريخية – اجتماعية لتحول مجتمع الساتمار الحسيدي في ويليامزبيرغ. لسنوات طوال، كان ثمة نقاش في المجتمع اليهودي حول ما إذا كان اليهود بيضًا. على الدوام، كان الجواب على هذا النقاش/ السؤال بالسلب. تجربتهم منذ الخمسينيات تشبه إلى حد كبير جيرانهم الأمريكيين من أصل أفريقي أو لاتيني. في عهد ريغان تم تصنيفهم رسمياً كـ”أقلية محرومة”. كانوا يعانون من التلوث البيئي ذي البعد العنصري (المحارق والمطامر ومحطات توليد الكهرباء تقع بالقرب منهم، ومن تجمعات اللاتينيين والأفارقة). ومع ذلك، ثمة تحول ضارب الجذور كان قد بدأ مع انهيار السوق العقاري في أمريكا عام 2008.
اليوم، لا تقف حدود المشكلة بين زلمان وآرون عند حدود التعليم، بل تتجاوزه إلى حدود ترسيم علاقة اليهود المتّقين باليهود من غير التوراتيين، وبالموقف مما جرى في السابع من أكتوبر
عام 2008، كانت المرة الأولى التي تخرج فيها فئة من مطوري العقارات الحسيديين إلى الواجهة. اغتنى كثير من رجالات الحسيديم، وانخرط بعضهم في تفاصيل الحياة السياسية.[3] هذا الصعود الحسيدي لم يكن منقطعًا عن تفسخ يصيب المجتمع الديني/ اليهودي هناك. الانقسام التربوي، الفلسفي، والسياسي، يعلو يومًا بعد آخر في بروكلين. عام 2018، وقف آرون تيتلباوم، حاخام الطائفة الحالي، في لونغ آيلاند الأمريكية، محذرًا أتباعه من الإعجاب بـ”إسرائيل” وجيشها تحت تأثير “الإنجازات”، صارخًا “غيفالت، غيفالت (يا إلهي باللغة اليديشية) إلى أين وصلنا!، لا علاقة لنا بالصهيونية ولا علاقة لنا بحروبهم ولا علاقة لنا بإسرائيل. سنواصل حرب الله ضد الصهيونية في جميع جوانبها”.[4] الشعبية السياسية الكبيرة التي يتمتع بها الساتمار، خارج “إسرائيل” وداخلها، ظهرت مع زيارة زلمان تيتلباوم لـ”إسرائيل” في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 عندما كان آلاف الحسيديم في انتظاره. هذا ما وعاه كل من الحكومة الإسرائيلية واللوبي اليهودي في الولايات المتحدة جيدًا. ولكل من هذين الطرفين أسلوبه في اختراق هذه الكتلة “المارقة”.
خلاف آرون وزلمان تيتلباوم
آرون وزلمان هما إبنا الحاخام الأكبر لساتمار في الولايات المتحدة موشيه تيتلبوم، والأخير ابن أخ الحاخام الأكبر جويل تيتلباوم مؤسس الجماعة الحسيدية في بروكلين من الأربعينيات. عام 1985، تم تعيين آرون (الابن الأكبر لموشيه) تيتلبوم رئيسًا لحاخامية ومدرسة روش الدينية لطائفة ساتمار في كيرياس جويل. تزوج آرون بعد ذلك من ساشا موشيه يهوشوا هاجر، ابنة زعيم إحدى أكبر الطرق الحريدية في حي بني براك، شرق تل أبيب. ما جعل لتيتلباوم قدرة عالية على التأثير في الكتلة الحريدية الفتية في “إسرائيل”.
الانشقاق بدأ في أيار/ مايو 1999، عندما عين موشيه تيتلباوم ابنه الثاني، زلمان، كزعيم محلي للطائفة في ويليامسبورغ. اعتبر البعض ذلك إشارة من موشيه إلى أن زلمان سيصبح الحاخام الأكبر بعد وفاته. أدى تعيين زلمان هذا إلى تشكيل فصائل حول آرون وزلمان. ادعى أنصار آرون أن موشيه “تأثر بمستشاريه” الذين كانوا قلقين من فقدان نفوذهم في ظل آرون.
توفي موشيه في نيسان/أبريل من عام 2006، فأعلن كل جانب أن حاخامهم هو الحاخام الرئيسي فوقعَت الواقعة. زلمان أكثر انفتاحًا وليونة، آرون أكثر تشددًا وجذرية. زلمان أقرب ل”أغودات إسرائيل”. آرون أقرب للأصوليين في بروكلين ويعبر عن “روح الشريعة الموسوية”. أنصار آرون يسيطرون على جميع الأصول في كيرياس جويل. وبدأوا بإجراءات قانونية للسيطرة على ممتلكات ويليامسبورغ وانتزاعها من أنصار زلمان. زلمان يتحصن باللوبي اليهودي في بروكلين، ويستقوي على أخيه بالدولة الأمريكية. أخوه آرون يستند إلى قاعدة الحسيديم الأصولية في رومانيا ويحث أتباعه على العودة الروحية إليها. وهو لا يتعاطف مع الإسرائيليين من العلمانيين البتة. يرتبط تيتلبوم بمنظمة “ايداه هاشاريديس” (העדה החרדית – جماعة المتّقين) المناهضة للصهيونية في القدس،[5] وتجمعه صلات قوية بنائب رئيس المنظمة موشي ستيرنبوخ.[6]
في الأسابيع الأخيرة، دار جدل بين جناحي آرون وزلمان من الحسيديم حول كيفية الرد على جهود وزارة التعليم في ولاية نيويورك لفرض قوانين التعليم الحكومية على المدارس غير الحكومية، بما في ذلك المدارس الدينية. كان تيار “الزلمانيين” في ساتمار يعمل مع منظمة “أغودات إسرائيل”، وهي منظمة ضغط حريدي بارزة، إلى جانب منظمة تعرف اختصارًا باسم PEARLS (أولياء أمور الحرية التعليمية والدينية في المدارس)، لاختيار واحد من المسارات السبعة التي تسمح بها الدولة امتثالًا لقوانين التعليم. استند هؤلاء على تأييد تحالف من عشرات المعاهد الدينية التي تمثل معظم طوائف الحسيديم في بروكلين (مثل بوبوف، وبيلز، وفيجنيتز، وسكفير). آرون تيتلباوم كان على المقلب الآخر. آرون اليوم يقود الفصيل الهاروني التابع لساتمار والذي اتهم أغوداث إسرائيل وبيرلز ببيع الأطفال من أجل المال. يزعم آرون تيتلبوم، وآخرون يشاركونه وجهة نظره، أن أي توافق مع متطلبات الحكومة يعرض للخطر “النقاء التعليمي” لمدارس اليهود الدينية، ويعرض الاستقلال التعليمي الذي تمتعت به المدارس الحريدية لعقود من الزمن للخطر. اليوم، لا تقف حدود المشكلة بين زلمان وآرون عند حدود التعليم، بل تتجاوزه إلى حدود ترسيم علاقة اليهود المتّقين باليهود من غير التوراتيين، وبالموقف مما جرى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023. هل ما وقع صبيحة السابع من تشرين يستحق الإدانة؟ زلمان يحسم مسألة الإدانة، ويتهجم على ناطوري كارتا لاجتماعهم بالفصائل الفلسطينية من بعد السابع من أكتوبر، فيما آرون لا يجيب ويلازم الصمت. بالنسبة إلى الصهاينة “آراء الرجل معروفة، اليهود العلمانيون أخطر من الأغيار، هم لم يتوبوا قبل مقتلهم”.
الجسد والجماعة: صراع الفلسفة والسياسة
عام 2013، عثر مقاولون في “إسرائيل” خلال عملهم في حي رمات أبراهام في بيت شيمش (غرب القدس) على مقبرة يهودية قديمة. وبما أن الشريعة اليهودية تحظر تدنيس المقابر، فقد تم تعليق المشروع بانتظار التحقيق في ما يخص المقبرة. حكم شتيرنباخ (رئيس محكمة إيداه هاشاريديس) من خلال جمعية الدفن “أغودات إيرتس هاحييم” بجواز فتح القبور للتحقق من الرفات. منظمة “أسرة قاديشا” المنافسة، بقيادة يتسحاق فايس، عارضت قرار شتيرنباخ وقررت وقف جميع أعمال البناء في الموقع فورًا وترك الأرض مهجورة بشكل دائم. بعد أيام، اندلعت أعمال شغب في رمات أبراهام بين حريديم بيت شيمش وحريديم ميا شعاريم. ثمة خلاف بين الحسيديم في موقفهم من تقديس أجساد الموتى ورمزيتها. وجسد الميت ليس مصدر خلافهم الوحيد فحسب. الجسد الحي هو الآخر مصدر خلاف كان قد تفجر بعد السابع من تشرين؛ لمن الأولوية في احترامنا الحياة، للأحياء أم الموتى؟ لمن الأصالة في قيمنا؟ للحياة الحرة والسلام أم للأرض؟ و”هل تعاطينا (كحسيديم) مع اليهود باعتبارهم جسدًا واحدًا أمر له أصالته الدينية؟ وهل القداسة تكمن في حماية الجسد اليهودي في أرضه أم لقيم التوراة ومحمولاتها المعنوية؟”.
شنيرسون كان “البجعة السوداء” التي خرجت إلى اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة طارحة مسألة الاحتلال كمسألة داخلية أمريكية من جهة، ومسألة دينية صوفية في أروقة الييشوف والمؤسسات الدينية من جهة أخرى
في حوار بين جوناثان بولارد، المعتقل الأمريكي السابق بتهمة التجسس لصالح “إسرائيل”، والذي أصبح حاخامًا حاليًا، ودايفيد بار حاييم، رئيس معهد “شيلو” للدراسات الدينية، يقدم جوناثان بولارد مقاربة “صهيونية – دينية” للجسد اليهودي. لا علاقة لليهودي بالزمن وأسئلته. جسد الجماعة اليهودية جسد “فوق زمني”. بهذه السهولة يتحدث: من حق اليهودي قتل غيره لأن الأمر ببساطة “على أحد منا أن يقتل الآخر”.[7] بولارد في حواراته غالبًا ما ينتقد فكرة حقوق الإنسان، واليسار، والقيم الغربية. فالرب ببساطة “أعطانا الأرض وقال لنا اسكنوا”، ولا شأن لنا بالآخرين غير قتلهم إن رفضوا الامتثال لـ”مشيئته تعالى”. سَكينة بولارد وثقته بالوعد التوراتي، لا يزاحمها غير كراهيته للغرب وللقيم الحداثية. اليهود جسد واحد مقدس، وهم ليسوا جزءًا من نسيج الغرب. هم شرقيون أولًا وآخرًا. الموضوع يأخذ جذرًا أعمق مع ميناحيم مانيس فريدمان (عميد معهد Bais Chana للدراسات اليهودية). فريدمان هذا لا يؤمن بأن اليهودية دين أصلًا (أسوة بالمسيحية أو الإسلام مثلًا). اليهودية عبادة “فوق دينية” برأيه، “نحن نفعل ما يريده الإسم الأعظم (الله)، لا لندخل الجنة بل لمجرد طاعته”، والأديان الشرقية هي الأقرب لليهودية، فـ”الهندوسية والبوذية متفرعتان من الإبراهيمية/ اليهودية”.[8] بمعنى آخر، إن حجم المشتركات بين اليهود والأديان المشرقية أعلى مما هو بين اليهودية والغرب. ومثل هذه الآراء لا تبقى أسيرة معاهد الييشيفوت الدينية، بل تجد سبيلها إلى خارج الصرح الديني. حركة “حباد” كانت قد أثارت مثل هذه الأسئلة من قبلُ في الأوساط الحسيدية في الولايات المتحدة. مناحيم مندل شنيرسون (القائد الروحي لجماعة لوبافيتش) كان قد أولى قيمة الأرض على حساب القيم الحياتية التوراتية – بما في ذلك قيم المساواة والحرية. لا يجوز ترك الأرض في حال كان الجسد اليهودي مهددًا بحياته. قوة شنيرسون كانت ممتدة من كراون هايتس في بروكلين إلى مواقع اليهود الاستيطانية في أستراليا ونيبال. وقوته الأكبر كانت حاضرة في “إسرائيل” منذ أواخر السبعينيات.
يتمتع شنيرسون بقوة مطلقة في “إسرائيل”. فهو استطاع أن يبقى بمعزل عن سياسات الغرف الخلفية. ومع ذلك كان بإمكانه وبكلمة واحدة تعطيل نظام “إسرائيل” السياسي. هذه ليست مبالغة في وصف الرجل. وقد حدث ذلك في أواخر آذار/ مارس سنة 1990، عندما حاول زعيم المعارضة شيمون بيريز، بعد وقت قصير من سقوط حكومة رئيس الوزراء إسحق شامير، تشكيل أغلبية جديدة في الكنيست الإسرائيلي.
فشل بيريز في تحقيق هدفه، لأن عضوي الكنيست أبراهام فيرديجر وإلياهو مزراحي انسحبا من ائتلاف حزب العمل في اللحظة الأخيرة بعد الاتصال بأنصار شنيرسون في بروكلين. كان شنيرسون واضحًا في حكمه الفقهي، “إن مقايضة الأرض مقابل السلام مخالف للقانون اليهودي”،[9] وهو الحكم الذي كان كفيلًا بإسقاط حزب العمل من الحكم نهائيًا.
أثارت آراء وتفاسير ميناحيم شنيرسون آنذاك، حفيظة طيف واسع من قيادات اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، الذي راهن على إرادة الولايات المتحدة في فرض السلام.
الحاخام ديفيد ليبر، رئيس الجامعة اليهودية في لوس أنجلوس، المرتبطة بالمحافظين، فسر حركة “حباد” وما يقوم به شنيرسون على أنه نوع من السعي لتقاسم النفوذ داخل “إسرائيل”. فـ”كل اليهود يريدون أن يكون لهم بعض النفوذ في إسرائيل، ويمكنني أن أفهم محاولة الحاخام في أن يسعى للأمر نفسه، لكنني مستاء من محاولته دفع مصالح حباد إلى هناك. إن حركته ليست حركة تعددية، وفي كل مرة يشارك فيها، ينتهي به الأمر إلى استقطاب العالم اليهودي بأكمله”. ألكسندر شندلر، الحاخام الذي يرأس حركة الإصلاح، أصدر بيانًا قال فيه إن تصرفات شنيرسون توضح ضرورة إصلاح النظام الانتخابي في “إسرائيل” إنقاذًا لتعددية النظام السياسي هناك. لكن شنيرسون انتصر عليهم في الأخير.
شنيرسون كان “البجعة السوداء” التي خرجت إلى اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة طارحة مسألة الاحتلال كمسألة داخلية أمريكية من جهة، ومسألة دينية صوفية في أروقة الييشوف والمؤسسات الدينية من جهة أخرى. سترخي هذه “البجعة” بظلالها على عمل اللوبي الصهيوني هناك، كما سترخي بظلالها على انقسام المجتمع الإسرائيلي عموديًا بين مؤيد ومعارض في كل مرة ينتفض الفلسطينيون في الضفة أو غزة، مهما كانت نتيجة انتفاضتهم، ولو كانت بمثابة “أثر الفراشة”.[10]
[1] حاييم العازار شابيرا (1868 – 1937) كان أحد ربيي سلالة مونكاكس الحسيدية. ولد شابير في مملكة النمسا – المجر، لعائلة شغلت منصب حاخامية في مونكاتش الحسيدية، حيث شغل والده منصب رئيس قضاة المحكمة الحاخامية في مونكاتش حتى عام 1913. نشر شابيرا أكثر من عشرين كتابًا عن الشريعة اليهودية والتوراة والحسيدية والفلسفة، وعارض الصهيونية السياسية وأغودات إسرائيل.
[2] جويل تيتلباوم، أحد الناجين من معسكر الاعتقال في أوشفيتز. بعد إقامة قصيرة في سويسرا ذهب جويل إلى فلسطين. لكنه سريعًا ما غادر فلسطين إلى الولايات المتحدة عام 1947. استقر تيتلباوم في ويليامزبرغ، وبنى منطقة خاصة برعيته، شملت أربعة مراكز ثقافية، ومخبز، وعدة مدارس. سيكون لنا تعليق مع واحد من أهم كتبه (كتاب فيوئيل موشيه) والتي أسست لفهم التيار الحريدي/ ساتمار تحديدًا لليهودية وموقفها من الصهيونية.Harry Gersh, Satmar Jews in Brooklyn: A Zealot Community, November 1959, https://www.commentary.org/articles/harry-gersh/satmar-jews-brooklyn-williamsburg/
[3] Samuel Stein, The Making of Satmar Williamsburg, November 23, 2021 https://jewishcurrents.org/the-making-of-satmar-williamsburg
[4] https://www.youtube.com/watch?v=MJzNmS6KCko&t=1s
[5] يُعتبر موقف إيداه هاشاريديس أحد أكثر المواقف المناهضة للصهيونية أيديولوجيًا. استمدت جماعة “المتّقين” هذه موقفها المناهض للصهيونية من كتاب فيوئيل موشيه (ויואל משה) الذي خطه رئيسها والحاخام الأكبر جويل تيتلباوم، فهو الكتاب المعياري الذي يتم من خلاله التعامل مع جميع القضايا المتعلقة بإسرائيل الحديثة. يمنع مجمع المتّقين (إيداه هاشاريديس) التصويت في انتخابات الكنيست، ويتمنع عن قبول أي تمويل من قبل الحكومة الإسرائيلية (مثل دعم المدارس وإعانات البطالة)، كما لا يقبل الجنسية الإسرائيلية من خلال قانون العودة. فبالنسبة لهم، “الصهيونية هرطقة”. ومع ذلك وتعترف “الحاخامية الكبرى” التي تديرها “الدولة” بالزواج والطلاق الذي تجريه المحكمة الحاخامية في إيداه، إلا أنها لا تقبل المتحولين إلى اليهودية من خلال محكمة إيداه لا يتم الاعتراف بهم ولا يحق لهم الحصول على الجنسية بموجب قانون العودة. عام 2002، كتبت القيادة الحاخامية لإيداه مقدمة تكميلية لفيوئيل موشيه. وذكرت المقدمة: “من الضروري التعرف على الصهيونية. كما أن الكتاب المقدس فيوئيل موشيه سيفتح أعين قراءه ليروا أسباب كل مشاكل وأهوال عصرنا التي تستجلبها الصهيونية، وأن قراءة هذا الكتاب لا بد من أن تمنع القراء من الانجراف وراء البدعة الصهيونية عسى أن ينقذنا الرحمن. راجع: https://www.daat.ac.il/daat/vl/vayoelmoshe/vayoelmoshe02.pdf
[6] كان لافتاً في مواقفه في موقفين اثنين: الأول عام 2013 في وقوفه ضد التجنيد في الجيش الإسرائيلي معتبراً أنه أسوأ من إبادة الشعب اليهودي، والثاني بعد مقتل كل من نفتالي فرانكل وجيل عاد شاعر وإيال يفراح في الخليل، عندما دعا أهلهم للتوبة عن قرارهم العيش وتعلم التوراة في مكان مليء بالقتلة الهمجيين (يقصد إسرائيل). راجع: https://www.jpost.com/Jewish-World/Jewish-News/Rival-Satmar-faction-blasts-Rebbe-361685
[7] https://www.youtube.com/watch?v=tNe_6Q7fFio
[8] https://www.youtube.com/watch?v=ez2Lwvx2Ir0
[9] قال أحد مساعدي شنيرسون المقربين لفيرديجر إن الحاخام لم يغير تفسيره للقانون اليهودي: “لا يمكن التنازل عن الأرض تحت أي ظرف من الظروف عندما تكون حياة اليهود على المحك”، كما قال الحاخام يهودا كرينسكي، المتحدث باسم شنيرسون. “كان الجواب هو الذي يمكن لأي شخص أن يخبرهم به. إن الرابي – شنيرسون – لا يغير وجهات نظره ولا يتدخل في السياسة”. راجع: جيرالدين باوم، “التقوى والقوة: اليهودية”، لوس أنجيلوس تايمز، 30 آذار 1990. https://www.latimes.com/archives/la-xpm-1990-04-30-vw-98-story.html.
[10] أثر الفراشة أو (نظرية الفوضى) نظرية فيزيائية وفلسفية استخدمها إدوارد لورينتز عام 1963 للتعبير عن مفهوم الاعتماد الحساس والمهم على الظروف الأولى المحيطة بالحدث. ويشير هذا المصطلح إلى أن الفروق الصغيرة في الحالة الأولى لنظام متحرك ديناميكي قد ينتج عنها في المدى البعيد فروقات كبيرة في تصرفات وسلوكيات هذا النظام.