“أبناء الأمميّين (الجوييم) جميعًا بهائم”
(يباموت N98) ([1])
في واحد من أشهر تصريحاته، قال وزير الحرب الصهيوني يوآف غالانت، خلال اجتماع في القيادة الجنوبية للجيش الصهيوني، 9 تشرين الأول/ أكتوبر: “لقد أمرت بفرض حصار كامل على غزة. لن يكون هناك كهرباء ولا طعام. نحن نقاتل الحيوانات البشرية ونتصرف وفقًا لذلك”([2]) . وقد وردت هذه الأوصاف ذاتها على لسان رئيس وزراء الكيان الصهيوني، بنيامين نتنياهو، ففي 15 تشرين الأول/ أكتوبر، قال إن الجنود الإسرائيليين “يفهمون نطاق المهمة”، وهم مستعدون “لهزيمة الوحوش المتعطشة للدماء التي قامت… لتدميرنا”([3]). وقال في رسالته بمناسبة عيد الميلاد إلى الجنود والضباط الصهاينة، والتي نشرها على منصة “اكس” في 25 كانون الأول/ ديسمبر: “نحن نواجه وحوشًا، وحوشًا قتلت الأطفال أمام والديهم… هذه معركة ليست فقط إسرائيل ضد هؤلاء البرابرة، بل معركة الحضارة ضد الهمجية“([4]) .
في معرض رد مندوب إسرائيل السابق لدى الأمم المتحدة دان غيلرمان على أسئلة قناة “سكاي نيوز” في 26 تشرين الأول/ أكتوبر، قال: “مندهش من القلق المستمر الذي يظهره العالم وكذلك المملكة المتحدة تجاه الشعب الفلسطيني”. واصفًا الفلسطينيين بأنهم “فظيعون وحيوانات مجردة من الإنسانية”. وأضاف: “في الواقع، هذه الحيوانات الفظيعة والمجردة من الإنسانية، ارتكبت أسوأ الفظائع التي شهدها عصرنا وأسوأ الفظائع التي عانى منها اليهود منذ المحرقة” . ([5])
ليس من غير المألوف أن تصادف تصريحات عنصرية غير مهذبة من قادة إسرائيليين. وبحسب روبرت فيسك، في آب/ أغسطس 2000، وصف إيهود باراك الفلسطينيين بـ”التماسيح”، ووصف رئيس الأركان الإسرائيلي موشيه يعلون الفلسطينيين مرة بأنهم “مظهر سرطاني”، وساوى بين العمل العسكري في الأراضي المحتلة ضدهم و”العلاج الكيماوي”. وفي آذار/ مارس 2001، وصف وزير السياحة الإسرائيلي في ذلك الوقت، رحبعام زئيفي، ياسر عرفات بـ”العقرب”. ووصف رافائيل إيتان، رئيس الأركان الإسرائيلي الأسبق، الفلسطينيين بأنهم “صراصير في زجاجة”. وسمّاهم مناحيم بيغين “وحوشًا ذات رجلين”. ومنذ عقد من الزمان، سمّاهم الزعيم الروحي لحزب “شاس” “الأفاعي”، واقترح أن الله يجب أن يرسل “النمل” الفلسطيني إلى الجحيم ([6]) .
ويبدو أن تجريد الفلسطيني من صفة الإنسانية يمثل أسلوبًا أساسيًا في الخطاب الصهيوني، فقد وصف نائب وزير الدفاع الإسرائيلي، ايلي بن دهان، من حزب “البيت اليهودي”، الفلسطينيين بـ”حيوانات”، فخلال مقابلته على الإذاعة عام 2013، قال: “بالنسبة لي، إنهم كالحيوان، إنهم ليسوا بشر” . ([7])
وصف الإعلامي الصهيوني والمضيف التلفزيوني، يارون لندن، (26 آب/ أغسطس 2019)، العرب بأوصاف عنصرية، ونعتهم بـ”الوحوش البشرية”، ورفض التراجع عن ذلك والاعتذار. وقال المضيف التلفزيوني في برنامجه “غيئولا ولندن”، على القناة “كان 11” إن “العرب وحوش بشرية”، وكرر وصفه هذا مضيفًا أنه يوافق على هذا الموقف. وقال أيضًا إن “العرب لا يكرهون اليهود فحسب، وإنما يقتلون أنفسهم أولًا، فعلى اليمين وعلى اليسار، وفي الأمام وفي الخلف، وفي الشرق وفي الغرب، عرب يذبحون عربًا”. وتابع أقواله العنصرية: “لا يوجد مشكلة في ذلك. أنا لا أتحدث عن الفلسطينيين، وإنما عن الثقافة العربية”، على حد تعبيره ([8]).
إن تجريد الفلسطينيين من صفة الإنسانية لا يتم في الخطاب العسكري الصهيوني فحسب، فثمة إجراء مشابه يتبعه المجتمع اليهودي، وذلك يفسر دعم المجتمع اليهودي الهائل للمجزرة التي تحصل في غزة. لقد جرد اليهود الصهاينة، السياسيون منهم والجنود والمواطنون العاديون، الفلسطينيين من صفة الإنسانية وبذلك جاء قتلهم نتيجة طبيعية، مثلما حدث عندما تم نفيهم عام 1948، أو سجنهم في الأراضي المحتلة. تدل ردة الفعل الغربية الحالية على أن قادة الغرب السياسيين فشلوا في رؤية الرابط المباشر بين تجريد الصهيونية للفلسطينيين من إنسانيتهم وبين السياسات البربرية الإسرائيلية في غزة.
خطاب التجريد من الإنسانية
التجريد من الإنسانية هو إنكار هوية الشخص وفرديته باعتبارهما أدنى من الإنسان ويرتبط ارتباطًا وثيقًا بالتمييز ضد الآخرين. بشكل عام، أظهرت الدراسات في علم النفس الاجتماعي أنه كلما كنا نميل إلى تجريد فرد أو مجموعة من الأفراد من إنسانيتهم، زاد احتمال تمييزنا ضدهم، وأكثر من ذلك إذا ما اعتبرنا أن هذا الفرد أو المجموعة تشكل تهديدًا لنا. وعلاوة على ذلك، كثيرًا ما يظهر التجريد من الإنسانية في سياقات النزاع المسلح، لا سيما أثناء عمليات الإبادة الجماعية حيث يميل المعتدون إلى تجريد ضحاياهم من إنسانيتهم، مما يسمح لهم بتبرير وترشيد أفعالهم .إذا أخذنا مثالًا تاريخيًا كلاسيكيًا: أشار أدولف هتلر إلى اليهود على أنهم “حشرات، فئران”. إن تجريد اليهود من إنسانيتهم (عن طريق قمع ملامحهم الإنسانية المتعاطفة عمدًا) خلق مسافة ووجه الرأي العام، وأسكت الاعتراضات وكسب القبول للمعاملة التي يتعرض لها أعضاء هذه المجموعة ([9]).
في الوقت الحالي، قام جيش العدو الصهيوني، الذي يهاجم السكان المدنيين الفلسطينيين، بتجريد ضحاياه من إنسانيتهم لجعل هذه الأعمال أكثر قبولًا. يمكن رؤية هذه العملية أيضًا في الخطاب الرسمي والإعلامي الصهيوني تجاه الشعب الفلسطيني.
ففي كتابه “معذبو الأرض”، يوضح فرانز فانون هذه “المفردات الاستعمارية”، المتعلقة بكيفية تحويل المستعمِر للمستعمَر إلى جوهر الشر من خلال وصف السكان الأصليين الذين تم استعمارهم كحيوانات. يقول فانون إن الذات المستعمرة “تختزل إلى حالة الحيوان”، وقد كتب أن المستعمِر “يجرد الذات المستعمرة من إنسانيتها، فعندما يتحدث المستعمِر عن المستعمَر فإنه يستخدم مصطلحات علم الحيوان ويشير باستمرار إليها”. إن من شأن تشبيه المستعمِرين الإسرائيليين للفلسطينيين، وهم السكان الأصليون للبلاد، بالحيوانات أن يجعل منهم مجرد كتلة مزدحمة لا تحمل اسمًا ووجودها يتطلب الإبادة.
يُمثل نشر “إسرائيل” لهذا الخطاب في الوقت الحالي استمرارًا لقرون من الخطابات الاستعمارية الأوروبية العنصرية التي تم حشدها لخدمة الإبادة الجماعية للأمريكيين الأصليين والأفارقة وسكان جزر المحيط الهادئ وغيرهم الكثير. ([10])
إنّ تصوير المستعمَرين والسكان الأصليين على أنهم وحشيون وحيوانيون هو جزء من الأيديولوجية الاستعمارية الأوروبية. في كتابه “الاستشراق”، يحلل المفكر الفلسطيني البارز إدوارد سعيد، التمثيلات الغربية لـ”الشرق”، ودور هذه التمثيلات في كل من تبرير السيطرة اللإمبراطورية الأوروبية وتحديد طبيعة أوروبا ذاتها. ورأى سعيد أن الاستشراق عمل كنظام لإنتاج المعرفة فأنتج سلسلة من التراتبية بين “الغرب” و”الشرق”؛ تقابلات أتاحت للغرب تأكيد تفوقه وسيطرته على المجتمعات “الشرقية”. وذهب إدوارد سعيد إلى اعتبار الاستشراق ظاهرة، معرفاً إياه بأنه “أسلوب غربي للهيمنة على الشرق، وإعادة بنائه، والتسلط عليه”.([11])
تحت مظلة الهيمنة الغربية على الشرق في الفترة التي بدأت في أواخر القرن الثامن عشر، “نشأت صورة مُرَكبة للشرق، وأصبحت ملائمة للدراسة في المعاهد العليا، وللعرض في المتاحف، ولإعادة الصوغ في وزارة المستعمرات، وللاستشهاد بها نظريًا في الأطروحات الخاصة بعلم الإنسان (الأنثربولوجيا) وعلم الأحياء (البيولوجيا) وعلم اللغة، ودراسات الأعراق والدراسات التاريخية عن الجنس البشري والكون، إلى جانب الاستشهاد بنماذج منها إلى النظريات الاقتصادية والاجتماعية للتنمية والثورة والشخصية الثقافية، وسمات الفرد الوطنية والدينية”. ([12])
وبحلول منتصف القرن التاسع عشر، ساهمت هذه الاعتقادات العلمية الزائفة في تعزيز الاعتقاد بأن على الأوروبيين أن يحكموا غير الأوروبيين، لتصبح الأراضي التي يسكنها أولئك الذين اعتُبروا من الأعراق الأدنى متاحة أمام المستعمر الأبيض.
وساد الاعتقاد أن غير البيض هم في مستوى أدنى وخطرون على انسجام المجتمع السياسي. وقد جعله هذا قابلًا للتأثر بأدلة الاستعماريين حول الحاجة إلى إخضاع غير الأوروبيين في النظام العالمي الجديد.
الخطاب الديني
اتّكأ خطاب الاستعمار الاستيطانيّ الإسرائيليّ في فلسطين على سرديّة الاستشراق الأوروبّيّ الكلاسيكيّ، وخطاب الدراسات التوراتية، وذلك من خلال تحقير الشعب الفلسطيني، فقد ورد في التعاليم اليهودية ما يُفهم عنصرية تقوم على رفض الآخر على مر التاريخ، فقد آمن اليهود بأنهم “شعب االله المختار”، وأنهم “أبناء االله وأحباؤه”، وبحقارة أمم العالم في مقابل فكرة الامتياز والاستعلاء على البشر، وقد استخدم في اللغة العبرية لفظ خاص بغير اليهود “الجوييم”، وأمثلة ذلك من الكتاب المقدس كثيرة منها: في اللاويين (26: 33)، نحميا (5: 8) ، المزامير (9: 21)، أشعيبا (42: 6). الذين خلقوا لخدمتهم، وأنهم عبيد لهم، وليسوا بشرًا لهم كينونتهم ويجب قتلهم، واستعبادهم، وإبادتهم من الوجود.
وردت في أسفار العهد القديم عبارات عديدة تبين طبيعة النظرة العنصرية للأنا اليهودية وللآخر غير اليهودي، ونجد ذلك في سفر اللاويين (20: 22- 26)؛ حيث يرد: “فَتَحْفَظُونَ جَمِيعَ فَرَائِضِي وَجَمِيعَ أَحْكَامِي، وَتَعْمَلُونَهَا لِكَيْ لاَ تَقْذِفَكُمُ الأَرْضُ الَّتِي أَنَا آتٍ بِكُمْ إِلَيْهَا لِتَسْكُنُوا فِيهَا. وَلاَ تَسْلُكُونَ فِي رُسُومِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ أَنَا طَارِدُهُمْ مِنْ أَمَامِكُمْ. لأَنَّهُمْ قَدْ فَعَلُوا كُلَّ هذِهِ، فَكَرِهْتُهُمْ. وَقُلْتُ لَكُمْ: تَرِثُونَ أَنْتُمْ أَرْضَهُمْ، وَأَنَا أُعْطِيكُمْ إِيَّاهَا لِتَرِثُوهَا، أَرْضًا تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلاً. أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمُ الَّذِي مَيَّزَكُمْ مِنَ الشُّعُوبِ. فَتُمَيِّزُونَ بَيْنَ الْبَهَائِمِ الطَّاهِرَةِ وَالنَّجِسَةِ، وَبَيْنَ الطُّيُورِ النَّجِسَةِ وَالطَّاهِرَةِ. فَلاَ تُدَنِّسُوا نُفُوسَكُمْ بِالْبَهَائِمِ وَالطُّيُورِ، وَلاَ بِكُلِّ مَا يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ مِمَّا مَيَّزْتُهُ لَكُمْ لِيَكُونَ نَجِسًا. وَتَكُونُونَ لِي قِدِّيسِينَ لأَنِّي قُدُّوسٌ أَنَا الرَّبُّ، وَقَدْ مَيَّزْتُكُمْ مِنَ الشُّعُوبِ لِتَكُونُوا لِي”.
وجاء في سفر التثنية (7: 6- 8): “لأَنَّكَ أَنْتَ شَعْبٌ مُقَدَّسٌ لِلرَّبِّ إِلهِكَ. إِيَّاكَ قَدِ اخْتَارَ الرَّبُّ إِلهُكَ لِتَكُونَ لَهُ شَعْبًا أَخَصَّ مِنْ جَمِيعِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ، لَيْسَ مِنْ كَوْنِكُمْ أَكْثَرَ مِنْ سَائِرِ الشُّعُوبِ، الْتَصَقَ الرَّبُّ بِكُمْ وَاخْتَارَكُمْ، لأَنَّكُمْ أَقَلُّ مِنْ سَائِرِ الشُّعُوبِ. بَلْ مِنْ مَحَبَّةِ الرَّبِّ إِيَّاكُمْ، وَحِفْظِهِ الْقَسَمَ الَّذِي أَقْسَمَ لآبَائِكُمْ، أَخْرَجَكُمُ الرَّبُّ بِيَدٍ شَدِيدَةٍ وَفَدَاكُمْ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ مِنْ يَدِ فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ”. وجاء أيضًا في سفر التثنية (10: 15): “وَلكِنَّ الرَّبَّ إِنَّمَا الْتَصَقَ بِآبَائِكَ لِيُحِبَّهُمْ، فَاخْتَارَ مِنْ بَعْدِهِمْ نَسْلَهُمُ الَّذِي هُوَ أَنْتُمْ فَوْقَ جَمِيعِ الشُّعُوبِ كَمَا فِي هذَا الْيَوْمِ”.
وفي سفر إشعياء (60: 10- 12)، يرد: “وَبَنُو الْغَرِيبِ يَبْنُونَ أَسْوَارَكِ، وَمُلُوكُهُمْ يَخْدِمُونَكِ. لأَنِّي بِغَضَبِي ضَرَبْتُكِ، وَبِرِضْوَانِي رَحِمْتُكِ. وَتَنْفَتِحُ أَبْوَابُكِ دَائِمًا. نَهَارًا وَلَيْلاً لاَ تُغْلَقُ. لِيُؤْتَى إِلَيْكِ بِغِنَى الأُمَمِ، وَتُقَادَ مُلُوكُهُمْ. لأَنَّ الأُمَّةَ وَالْمَمْلَكَةَ الَّتِي لاَ تَخْدِمُكِ تَبِيدُ، وَخَرَابًا تُخْرَبُ الأُمَمُ”.
وضعت نصوص المشنا والتلمود غير اليهود في أحط منزلة؛ إذ صنفتهم ضمن مرتبة اللصوص والحشرات والحيوانات؛ حيث ورد في مبحث [بيئاه (الركن أو الزاوية) 2:7]: “إذ حصد الجوييم (الأغيار) حقلًا، أو [حصده] اللصوص، أو قرض [محصوله] النمل، أو حطمته الريح أو البهيمة، فإن [هذا الحقل] يُعفى [من حكم ترك الركن]. أي يُعفى من ترك أجزاء منه للفقراء؛ وذلك لأن عملية الحصاد لم تتم عن طريق اليهودي نفسه. ومن هنا فإن غير اليهودي يتساوى مع اللصوص والريح والنمل والبهائم، حتى وإن باع غير اليهودي هذا الحقل لليهودي، فإنه يُعفى كذلك لمجرد مشاركة غير البهودي في زواعته وحصاده على الرغم من عدم ملكيته له”([13]) .
كما ورد التصريح بأن الأغيار ليسوا من البشر في مبحث [بابا متسيعا (الباب الأوسط)، ص 114: وجه ب]: “ورد في البرايتا أن رَبّي شمعون بن يوحاي قال: إن قبور الأغيار لا تتسبب في النجاسة؛ حيث ورد (وأنتم يا غَنَمِي، غًنَمُ مَرْعايَ، أُناس أَنْتُم) (خزقيال 34: 31)، [ونتعلم من ذلك] أنكم [أيها اليهود] يطلق عليكم “أُناس”، ولكن الأغيار لا يُطلق عليهم “أُناس”([14]) ” .
جاء في تلمود أورشليم: “أن النطفة المخلوق منها باقي الشعوب الخارجين عن الديانة اليهودية هي نطفة حصان”([15]).
قال الرابي مناحيم: “أيها اليهود: إنكم من بني البشر، لأن أرواحكم مصدرها روح الله، وأما باقي الأمم فليست كذلك، لأن أرواحهم مصدرها الروح النجسة”. وكان هذا رأى الحاخام أريل أيضًا لأنه كان يعتبر الخارجين عن الدين اليهودي “خنازير نجسة تسكن الغابات (…) فالخارج عن دين اليهود حيوان على العموم، فسمه: كلبًا أو حمارًا أو خنزيرًا”.([16])
كما ألقى هذا الموقف التلمودي بظلاله على أحد أهم فلاسفة اليهود؛ ألا وهو موسى بن ميمون. فقد ذكر شاحاك أن ابن ميمون قد تبنى في أحد كتبه ذائعة الصيت موقف الحط من الأغيار ومكافأتهم بمنزلة الحيوانات؛ إذ يقول: “بعض الترك (أي العرق المغولي) والقبائل الجوالة في الشمال، والسود، والقبائل الجوالة في الجنوب، ومن يشبونهم بيننا، أما طبيعتهم فهي في مثل طبيعة الحيوان الأبكم، وهي حسبما أرى أدنى مرتبة من الكائنات الإنسانية، ومرتبتهم بين الكائنات الحية أدنى من الإنسان، وأعلى من القرد، لأن هيئتهم أقرب إلى الإنسان منها إلى القرد”.([17])
إذن، الديانة اليهودية مسكونة بكراهية عميقة جدًا للآخر، فهي التي أنتجت مناحيم بيغن صاحب مقولة “وحوش ذات رجلين” (1982)، وإيلي بن دهان، الذي تشبع بتعاليم المدارس الدينية اليهودية، الذي وصف الفلسطينيين بأنهم “كالحيوان، إنهم ليسوا بشر” (2013)، انتهاءً بمقولة يوآف غالانت “نحن نقاتل الحيوانات البشرية” (2023)، إلى العديد من العبارات وغيرها من الإشارات العنصرية والمهينة، فإن الخطاب الديني الصهيوني لم يتغير، ولعل هذا يفسر حرب “الإبادة الجماعية” التي يمارسها الكيان الصهيوني بحق الفلسطينيين، جراء تراكمات صاغتها نصوص الديانة اليهودية.
[1]() أحمد ايبش، التلمود كتاب اليهود المقدس: تاريخه وتعاليمه ومقتطفات من نصوصه، دار قتيبة، دمشق،
2006، ص 395.
[2]() وزير الدفاع الإسرائيلي: نحارب حيوانات بشرية.. لا كهرباء ولا طعام إلى قطاع غزة
(فيديو – RT Arabic)
[3]() رئيس الوزراء يلتقي عائلات الإسرائيليين المختطفين في غزة ويتعهد بإعطاء الأولوية لعودتهم –
تايمز أوف إسرائيل (timesofisrael.com)
[4]()Benjamin Netanyahu – בנימין נתניהו on X: “To our Christian friends around the world, Merry Christmas. Christmas is supposed to be a time of good will to all men and peace on Earth. Well, we don‘t have peace on Earth, not in our part anyway, and we certainly don‘t see good will to all men. We‘re facing monsters,… https://t.co/NleTWVybSb” / X (twitter.com)
[5]() مندوب إسرائيل السابق لدى الأمم المتحدة عن الشعب الفلسطيني: “حيوانات مجردة من الإنسانية” –
RT Arabic
[6]() مجموعة من المؤلفين، قضية فلسطين ومستقبل المشروع الوطني الفلسطيني، الجزء الثاني، الكولونيالية الاستيطانية وإعادة تصوّر مستقبل المشروع الوطني، ط1، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، 2016، (إيليا زريق، الفصل الأول، الصهيونية وادعاءات التميّز عن الكولونيالية الغربية).
[7]() نائب وزير الدفاع الإسرائيلي الجديد: الفلسطينيون “حيوانات” – تايمز أوف إسرائيل
(timesofisrael.com)
[8]() الإعلامي الإسرائيلي يارون لندن يصف العرب بـ“الوحوش البشرية” (arab48.com)
ولمزيد من التفاصيل فيديو اللقاء: ירון לונדון בשידור: “ערבים הם פראי אדם, רוצחים גם את
עצמם” – YouTube
[9]() Déshumaniser autrui pour justifier l’injustifiable – Milgram de Savoirs (ulb.be)
[10]() آدم مياشيرو، كيف يغذي الخطاب العنصري الإسرائيلي الإبادة الجماعية في غزة؟، ترجمة وتحرير: نجاح
خاطر، كيف يغذي الخطاب العنصري الإسرائيلي الإبادة الجماعية في غزة؟ –بالعربية
(belarabiyah.com)
[11]() إدوارد سعيد، الاستشراق: المفاهيم الغربية للشرق، ترجمة: د. محمد عناني، ط1، رؤية للنشر والتوزيع،
القاهرة، 2006، ص 46.
[12]() سعيد، مرجع سبق ذكره، ص 52.
[13]() أ.د.حمود بن غزاي بن غازي الحربي، الآخر في اليهودية «التلمود نموذجًا» قراءة تحليلية لموقف
التلمود من غير اليهود، مجلة الدراسات العقائدية، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ــ كلية الدعوة
وأصول الدين، العدد 27، السنة الثالثة عشرة،رجب 1442 هـ/ فبراير 2021، ص 457.
[14]() المرجع نفسه، ص 458.
[15]()عبد الله الشرقاوي، الكنز المرصود في فضائح التلمود، ط1، دار عمران، بيروت، ص 187.
[16]() المرجع نفسه، ص (190- 191).
[17]() إسرائيل شاحاك، الديانة اليهودية وموقفها من غير اليهود، ترجمة: حسن خضر، ط1، سينا للنشر،
القاهرة، 1994، ص 37.