صرّح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عقب عملية “طوفان الأقصى”: “للأسف، يمكننا أن نرى تدهورًا حادًا في الوضع في الشرق الأوسط. إن هذا مثال واضح على فشل سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، التي حاولت احتكار حل الصراع، لكنها للأسف لم تهتم بإيجاد حلول وسط مقبولة لكلا الجانبين. بل على العكس من ذلك، فقد روجت لأفكارها الخاصة حول كيفية القيام بذلك دون مراعاة المصالح الأساسية للشعب الفلسطيني، وهي أولًا وقبل كل شيء، ضرورة تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي بشأن إنشاء دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة”. فيما أعلن الكرملن، على لسان ديمتري بيسكوف، عن الاتصال بالجانبين المتحاربين بهدف لعب دور في حل الصراع. ومنذ هجوم السبت (7 أكتوبر/تشرين الأول 2023) يبدو أن تصريحات المسؤولين الروس تلقي باللوم بشكل متساو على الطرفين: المقاومة وإسرائيل. فقد أعلن سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسية، أن وضع حد لـ”سفك الدماء” وإرساء أسس حل دائم للصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو أجندته الطموحة خلال استقبال أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية في موسكو يوم (9 أكتوبر/تشرين الأول)، مُكتفيًا باعتبار أن موقف روسيا “منسجم عمليًا” مع موقف الجامعة العربية.
وشكلت روسيا، منذ عام 2002، جزءًا من “اللجنة الرباعية” التي تضم الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا، المفوضة للمساعدة في التوسط في مفاوضات السلام في الشرق الأوسط ودعم التنمية الاقتصادية الفلسطينية وبناء المؤسسات. وما زالت موسكو تواصل تقديم نفسها كوسيط موثوق به في المفاوضات. لكن في الواقع، مِن غير المحتمل أن تلعب دورًا أكبر من الدبلوماسية التي قد تراها مفيدة لموقفها في الحرب بأوكرانيا.
علمًا أن روسيا تحتل موقعاً متميزاً على ساحة الشرق الأوسط فهي واحدة من الدول القليلة القادرة على التحدث مع جميع اللاعبين. وتتمتع موسكو بعلاقات جيدة مع إيران ودول الخليج السنية وكذلك مع إسرائيل، كما أنها تحافظ على اتصالات مباشرة مع “حماس”. وفيما استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (10 أكتوبر/تشرين الأول) رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في الكرملين، أفادت وكالة “ريا نوفوستي” بوجود “تحضيرات” لزيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
وسبق وأن تم استقبال وفدين رفيعي المستوى من “حماس” في موسكو خلال العام الماضي. الأولى كانت في سبتمبر 2022 بقيادة إسماعيل هنية الذي أجرى محادثات مع لافروف، والثانية بقيادة صالح العاروري في مارس. وفي كلتا المناسبتين، ساعدت العلاقات الجيدة بين بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تخفيف الانتقادات الإسرائيلية لمثل تلك الزيارات.
وتعمل روسيا على تأمين مكانها في اللعبة الإقليمية من خلال “التوازن الدقيق” الذي أصبح الآن في مواجهة الوحشية المتطرفة للهجوم الذي تشنه إسرائيل، لكن أي موقف روسي لإدانة لإسرائيل يحتاج لحسابات معقدة؛ أولًا إسرائيل لم تقدم لأوكرانيا أي مساعدات عسكرية تُشكل خطرًا على موسكو. كما أن الطرفين الروسي والإسرائيلي ينسقان العمل في الأجواء السورية حتى لا تحدث صدامات عسكرية، حتى وإن لم تكن موسكو راضية عن الضربات العسكرية الاسرائيلية ضد سوريا فهي بالحد الأدنى تخفف وطأتها. هذا بالإضافة إلى أن شعبيًا الرأي العام الروسي فيه قطاع واسع يتفاعل مع إسرائيل اجتماعيًا واقتصاديًا.
لذا بدا أن أول رد فعل للدبلوماسية الروسية هو “التوازن”. ودعا نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، الممثل الخاص لبوتين في الشرق الأوسط، “أطراف الصراع إلى وقف إطلاق النار”. وخلال المناقشات في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في اليوم التالي (8 أكتوبر/تشرين الأول)، أدانت روسيا الهجمات على “إسرائيل” لكنها لم تذكر “حماس” بالاسم. وبحسب السفارة الروسية لدى “إسرائيل”، قُتل مواطن روسي واحتُجز أربعة كرهائن.
تذهب روسيا إلى القضية الفلسطينية وعينها على أوكرانيا، حيث أعلن الرئيس السابق ديمتري ميدفيديف أن “الأسلحة التي سلمها الغرب إلى أوكرانيا تستخدم ضد إسرائيل”. وكدليل على ذلك، بُث مقطع فيديو على وسائل التواصل الإجتماعي تم تصويره في قبو قال فيه صوت مجهول باللغة العبرية، وهو يشير إلى الأسلحة: “شكرا للسلطات الأوكرانية”. واستغلت موسكو، لنشر دبلوماسية موازية تستهدف الدول الإسلامية، الزعيم الشيشاني رمضان قديروف الذي قال: “نحن ندعم فلسطين”. فيما تشير الصحافة الروسية إلى أن “حماس سيطرت على أراضي خلال 24 ساعة أكثر مما سيطر عليه الجيش الأوكراني خلال أربعة أشهر من الهجوم المضاد”، وعبرت بعض القنوات الروسية الإخبارية عبر موقع التواصل الإجتماعي “تليجرام” عن دعمها لفلسطين.
أخيرًا، من الممكن أن يؤدي العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى ارتفاع أسعار النفط ما يُعزز الجهود الحربية التي تبذلها روسيا في أوكرانيا. وذلك بعد أن أدّت المخاوف من أن الصراع قد يتورط فيه منتجو الطاقة الرئيسيون في المنطقة مثل إيران والمملكة العربية السعودية إلى دفع العقود الآجلة للخام الأمريكي إلى ما فوق 87 دولارًا للبرميل. وهذا يأتي بالتزامن مع تعرض الدعم الأوروبي لأوكرانيا إلى حالة التصدع بعد خلاف بين بولندا وأوكرانيا بلغ ذروته بتهديد وارسو بقطع المساعدات الجديدة عن كييف. ويواجه موقف بروكسيل بشأن المساعدات لأوكرانيا أيضًا تحديًا من روبرت فيكو، المتعاطف مع روسيا، والذي من المقرر أن يعود إلى السلطة في سلوفاكيا.
تبدو موسكو في وضع أكثر راحة مع انفجار الصراع في الشرق الأوسط والذي يعد بمثابة فشل للمبادرات الدبلوماسية الأميركية، وفرصة لتباطؤ الدعم الغربي لكييف عبر واشنطن أو العواصم الأوروبية.