حملت الحرب التي اندلعت في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 عدة أبعاد. أولاها، ما حملته مشاهدها من بطولات ومآثر خطّتها كتائب عزالدين القسام، وما حملته من مشاهد انهيار قوات من الجيش الصهيوني في غلاف قطاع غزة، وما أوقِع فيه من خسائر شملت مئات القتلى والأسرى والهاربين.
على أن هذه المقالة ستركز على بُعد واحد من الأبعاد المثيرة آنفة الإشارة إليها، وهو البُعد المتعلق بما يُتوقع لهذه الحرب أن تحمله من تطورات عسكرية قادمة، ولا سيما في بُعد استعادة الجيش الصهيوني لزمام المبادرة، نسبياً، وجزئياً، وذلك بشن مئات وآلاف الغارات الجوية بواسطة عشرات أو مئات الطائرات الأمريكية، والتي تطلق الصواريخ والقنابل الثقيلة، من دون أن يتوفر غطاء جوي يستطيع أن يردعها.
فمن يتابع الأسبوع الذي تلا قصف هذه الطائرات يكتشف أن هدفها الأساسي الظاهر حتى الآن هو إحداث أكبر قدر من تدمير للمباني والأحياء، وإنزال الخسائر في قتل المدنيين وتشريدهم وإرهابهم. وهي استراتيجية محرمة دوليًا ومدانة في القانون الدولي في الحروب. وقد اضطر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش إلى الإشارة إلى اعتبارها جريمة إبادة بشرية يجب أن تتوقّف.
ولكن، مهما حاول العدو أن يمضي في هذه السياسة، وهو ما فعله حتى الآن، ومن ثم ارتكاب جريمة الإبادة البشرية، فإن نهايتها ستعود عليه بالخسارة وسوء السمعة العظيمة.
فهذه الاستراتيجية لا تستطيع أن تعيد له هيبته التي فقدها في حرب غلاف القطاع من المستوطنات. ولهذا لا مفر له من أن يأخذ قرار شنّ الحرب البرية، لأن هذه الحرب هي وحدها – إذا نجح فيها – ستعيد له بعضاً من هيبته. فما أصاب تلك الهيبة من اهتزاز وتآكل أمر حصل وترك آثاره، ولا مجال لنسيانه أو التعويض عنه.
ما تحقّق من انتصار في الأيام الأولى بعد السابع من تشرين الأول / أكتوبر، دخل في سجل التاريخ، وفي المشاعر والوعي والعقول والوجدان.
ولهذا ستبقى نتيجة الحرب المعتمدة على القصف هي الرد الانتقامي الفاشل، إذا لم تعقبها حرب برية. وهو ما ترجحه أغلب التوقعات العسكرية للخطوة التالية.
أما الحرب البرية فستسمح أن يقود زمام المبادرة الأخ محمد ضيف والقيادة والقوات التي صنعت مأثرة السابع من أكتوبر 2023.
ما سبق قد يصل إلى تتويج جديد للانتصار السابق من تشرين الأول / أكتوبر 2023.
فالهجوم البري سيفرض بالضرورة القتال من مسافة صفرية وسيسمح بالمناورة وتطويق العدو من الخلف والهجوم عليه خروجًا من أنفاق لا يعرف من أين ستفتح عليه أبوابها.
هنا فرض الهزيمة وتكرارها سيصبح شبه مؤكد، لأن الانتقال الى القتال الصفري (من مسافة صفر) والإفادة من طبيعة مدن القطاع ومخيماته وسمتان تسمحان بترجيح مواصلة الهزيمة التي ستكون أشد من سابقتها إن شاء الله.
طبعا كثيرون سيحاولون التهويل من خطر الهجوم البري على المقاومة وقادتها ومقاتليها الأشداء. ولكن هذا التهويل لم يأخذ في حسبانه تجربة الأيام القليلة التي تتالت بعد السابع من تشرين الأول الجاري. هذا ولم يؤخذ بالحسبان مزايا القتال المباشر في ميدان يعرفه جيدًا – كما يعرفون أكفهم – أولئك الذين صنعوا مأثرة طوفان الأقصى.