المفاجأة الاستراتيجية التي حققتها كتائب الشهيد عز الدين القسام، ومعها سرايا القدس وسائر فصائل المقاومة في غزة، أدّت إلى توجيه ضربة غير مسبوقة لجيش الاحتلال الإسرائيلي.
1- فرقة غزة في جيش الاحتلال خرجت من الخدمة. غالبية مقار الفرقة تعرّضت إما للتدمير، أو لحقت بها أضرار أدّت إلى تعطيلها.
2- ضباط كبار من الفرقة قُتِلوا أو جرحوا أو أسروا.
3- بعض الكتائب التابعة للفرقة لم تعد موجودة. في الموقع الذي يسميه جيش الاحتلال “ناحال عوز”، “اختفت” كتيبة بكامل عديدها: إما قتلى أو جرحى او أسرى.
4- حتى صباح 9 أكتوبر / تشرين الأول 2023، كانت مجموعات من المقاومة لا تزال تشتبك مع قوات الاحتلال خارج حدود قطاع غزة، وفي مستوطنات لم يتمكّن جيش الاحتلال من اعتبارها آمنة له.
5- بعض مجموعات المقاومة خرجت من القطاع بصفتها مجموعات “استشهادية”، ولا أحد يعلم أين قررت أن تكمن لقوات الاحتلال.
خلاصة ما تقدّم:
- بعد أكثر من 36 ساعة على بدء عملية “طوفان الأقصى”، لم يتمكّن جيش الاحتلال من التقاط أنفاسه. لم يُحصِ بعد عدد قتلاه (ربما يصل إلى 1000 قتيل)، ولا عدد أسراه (ربما يصل إلى أكثر من 200)، ولا عدد جرحاه، عسكريين في الخدمة أو مستوطنين.
- لم يتمكّن بعد من استعادة السيطرة على مستوطنات غلاف غزة بالكامل.
- شرطة الاحتلال منخرطة في الاشتباكات، بسبب المدى البعيد الذي وصلت إليه مجموعات المقاومة.
سياسيًا:
معركة “طوفان الأقصى” ستُذكر بصفتها نقطة تحوّل كبرى في في تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي. هي ضربة للردع الإسرائيلي، وللأمن القومي الإسرائيلي، ولصورة الجيش الإسرائيلي، ولثقة جمهور المستوطنين بجيشهم، ولصورة “إسرائيل” ككيان مركزي مزروع في بلادنا، تحجّ إليه الأنظمة طلبًا للحماية والازدهار. هي ضربة لمشاريع التطبيع سواء التي وُقِّعَت أو تلك التي لم تُوَقَّع بعد.
- أعلنت “إسرائيل” الحرب على المقاومة في غزة. وهي تقول إن الهدف هو القضاء على حركتي حماس والجهاد الإسلامي.
في الوقت عينه، يُعلن قادة الاحتلال أنهم يحرصون على منع فتح جبهات أخرى. يتحدّثون تحديدًا عن جبهة الشمال مع حزب الله في لبنان.
- المفاوضات الداخلية في الكيان بدأت لإقامة حكومة وحدة، تضم المعارضة إلى حكومة بنيامين نتنياهو، لتأمين غطاء للحرب.
قادة الاحتلال السياسيون والعسكريون يخشون مسبقًا نتائج التحقيقات التي ستُجرى بعد انتهاء الحرب مهما كانت نتيجتها. فما جرى في السابع من أكتوبر 2023 يُعد، باعتراف الإسرائيليين، أقسى ضربة تلقاها الكيان منذ حرب أكتوبر 1973. ويشير معلّقون وسياسيون ومسؤولون أمنيون سابقون إلى أن ضربة العام 2023 تفوق بتداعياتها تلك التي وقعت قبل 50 عامًا، لأسباب عديدة، أبرزها أن “طوفان الأقصى” شنتها منظمة لا دول، وعلى أرض فلسطين لا في أراضٍ محتلة في مصر وسوريا. ولأجل ذلك، يُدرك قادة الاحتلال أن مستقبلهم لن يكون مشرقًا بعد الحرب. وبالتالي، فإن أي قرار سيتخذونه سيكون متأثرًا بالتهديد الذي يحدق بمستقبلهم السياسي والمهني.
- الرئيس الأمريكي جو بايدن حذّر من انخراط جهات أو دول أخرى في الحرب، وأعلن عن مساعدات عسكرية عاجلة لكيان الاحتلال بقيمة 8 مليارات دولار.
كذلك أعلنت الولايات المتحدة إرسال حاملة طائرات، مع مجموعة بوارجها وسفنها الحربية إلى منطقة شرق المتوسط، كرسالة ردع لأعداء “إسرائيل” (وللمساعدة على إجلاء المواطنين الأمريكيين من فلسطين المحتلة إذا لزم الأمر). وبعثت واشنطن برسائل تحذير وتهديد إلى مختلف شركاء المقاومة الفلسطينية، تطالبهم فيها بعدم التدخل في المعركة.
في المقابل، أعلن حزب الله اللبناني أنه ليس على الحياد في هذه الحرب، وأنه ينسّق مع قيادة المقاومة في غزة.
واستهدف الحزب، فجر 8-10-2023 مواقع قوات الاحتلال في مزارع شبعا المحتلة بقذائف الهاون والصواريخ الموجهة.
باختصار:
في رسالته صباح السابع من أكتوبر 2023، دعا القائد العام للقسام، محمد الضيف، من أسماهم “إخوتنا في المقاومة بلبنان وإيران واليمن والعراق وسوريا” إلى الالتحام مع المقاومة في فلسطين.
هذه القوى سبق أن تعاهدت على منع إسقاط أي منها. قد يتلقى أحدها ضربات موجعة في سياق الصراع. لكن الخط الأحمر هو منع التخلص من أيٍّ منها.
وما يعلنه قادة الكيان لا يعني سوى القضاء على المقاومة في غزة، مع ما يعنيه ذلك من تغيير جذري لقواعد الصراع في فلسطين ومحيطها، وتاليًا في الوطن العربي برمّته. فالمقاومة في غزة ليست سوى حجر الزاوية في منظومة حفظ القضية الفلسطينية، ورأس الحربة في أي مشروع لتحرير فلسطين.
أمام هذه الوقائع:
كيان الاستعمار الصهيوني في مأزق غير مسبوق.
- تلقى ضربة قاصمة لمنظومة الردع التي بناها على مدى عقود.
- ترميم الردع لا يتم سوى بالقضاء على المقاومة في غزة عبر إعادة احتلال القطاع.
- عملية بهذا السقف غير سهلة بذاتها، مع تطوّر قدرات المقاومة.
- وعملية بهذا السقف ستعني فتح جبهات أخرى مع الاحتلال.
- الكيان – ومن خلفه الولايات المتحدة والدول الأوروبية الداعمة له – لا يريد فتح جبهات لا يحتمل فتحها في وقت واحد. فجيشه موزّع على ثلاث جبهات: غزة والشمال والضفة الغربية التي ينشر فيها أكثر من نصف قواته القتالية. يُضاف إلى ذلك أن خوض حرب يحتاج إلى إمداد بالذخيرة من الولايات المتحدة. والكثير من تلك الذخائر تطلبه أوكرانيا في حربها ضد روسيا. الجيش الأمريكي يملك 12 مخزنًا استراتيجيًا للذخائر في فلسطين المحتلة، وقد أفرغ 8 منها بنقلها إلى أوكرانيا. هذه الجزئية ليست هامشية، لأنها قد تؤثر سلبًا إما على قدرات جيش الاحتلال الإسرائيلية أو على قدرات الجيش الأوكراني المعتمِد تمامًا على التسليح الغربي.
- الحرب تؤثر أيضًا على مشاريع التطبيع في الوطن العربي وفي العالم. ففي ظل الحرب، وبعدها، سيكون التوصل إلى اتفاقيات تطبيع مع الدول التي لم توقّعها بعد أصعب من ذي قبل. وهذا المشروع الأمريكي هو أحد أبرز رهانات بايدن في حملته الانتخابية. هذا الأمر يدخل أيضًا في حسابات صناع القرار في تل أبيب وواشنطن.
الخاتمة:
عدم تحقيق هدف ترميم الردع سيجعل “الأمن القومي” لكيان الاحتلال في مهب الريح.
والسعي إلى ترميم الردع عبر تدمير المقاومة في قطاع غزة سيؤدي إلى حرب إقليمية. وهنا تحديدًا يكمن المأزق الذي يجد كيان الاحتلال نفسه فيه.