سجّلت المقاومة الفلسطينية تاريخ 7 اكتوبر/تشرين الأول باسمها، وسيبقى هذا التاريخ محفورًا في الوجدان الإسرائيلي. تل أبيب التي تفاخر بقدرة أجهزتها الاستخباراتية القادرة على الوصول إلى أي مكان، لم تستطع رصد ومعرفة ماذا يجري في “حديقتها الخلفية” غزة. استيقظ الفلسطينيون اليوم، على دخول مجموعات من “كتائب الشهيد عزالدين القسام” – الذراع العسكرية لحركة “حماس” إلى مستوطنات غلاف غزة. لم يدخلوها عبر الأنفاق، بل برًّا وبحرًا وجوًّا. الحائط الاسمنتي الذي فاخرت إسرائيل بأجهزة الاستشعار التي تضمنها لم يجد نفعًا أمام أصحاب الأرض؛ مليار دولار ذهبت هباء منثورا. 7 أكتوبر هو يوم سيبقى في التاريخ الفلسطيني، على أنه اليوم الذي حرّرت فيه المقاومة، ولو مؤقّتًا، الأراضي المحيطة بقطاع غزة. إسرائيل التي أحيت منذ أيام ذكرى حرب تشرين، برغم مرور 50 عاماً على نشوبها، بمقالات وكتابات تبحث سبب الفشل الاستخباري الذي منيت به أجهزتها الأمنية. إسرائيل، في ذلك الزمن، كان لديها أشرف مروان، الذي أبلغ رئيس “الموساد”، قبل ليلة من الحرب، عن موعد انطلاقها. وكان ملوك ورؤساء دول يخبرونها عن نية العرب بمهاجمتها، كما كشفت وثائق الأرشيف الإسرائيلي، التي أظهرت أن “ينوكا”، أي الطفل بالعربية، وهو الاسم العسكري الذي أطلق على الملك حسين، أبلغ رئيسة حكومة العدو عن نية سوريا ومصر مهاجمة إسرائيل. إسرائيل هزمت، حتى لو دمرت قطاع غزة واحتلته. المستوطنون خسروا الشعور بالأمن. المقاومة كسرت عنجهية الاستخبارات الإسرائيلية. ما جرى في الساعات الأولى لتحرير مستوطنات غلاف غزة سيحفر عميقًا في وجدان العدو. الجدار الحديدي لزئيف جابوتينسكي صهرته المقاومة اليوم. المعركة أصبحت في “الداخل الإسرائيلي”. الردع الإسرائيلي سقط وللمرة الثانية. المقاومة بادرت إلى شن حرب هدفها غير مرتبط بالأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة. الحسم الإسرائيلي ليس محسومًا حتى الآن. ما جرى في الساعات الستة الأولى لـ7 أكتوبر سيبقى محفوراً في وجدان إسرائيل للخمسين عاماً المقبلة (هذا إن بقيت إسرائيل حتى هذا الزمن). تداعيات 7 أكتوبر ستنعكس لاحقًا على مستقبل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، الذي من المؤكد أنه سيذهب إلى منزله، كما أنهت المقاومة اليوم مستقبل رئيس “الشاباك” رونين بار، ورئيس الاستخبارات العسكرية اهارون حاليفا. أجهزة استخبارات العدو لم تكن تدري ما يجري. حتى الأمس، كان تقديرها أن “حماس” لا تريد التصعيد. فقراء غزة أثبتوا أنه يمكن تضليل أكبر وأمهر الأجهزة الأمنية الإسرائيلية. فقراء غزة كتبوا التاريخ اليوم: سقط الجدار. فقراء غزة، راكموا ونظروا وعملوا وتبجّح الصهاينة لعقود بعقيدة أمنية، انذار فردع فحسم ودفاع، قتال في أراضي العدو، وسياج وجدار خرساني على الأرض وحديدي أيديولوجي، اليوم سقطت، ومعها رهانات المطبعين على هذا التفوق التقني. فقراء غزة اليوم قدموا لنا لوحة ودرساً في العنف الثوري ستستوحي منه الأمم والشعوب المستضعفة لسنين تتلو.السؤال اليوم، لنا، هو: ما بعد الجدار؟ ما بعد العبور؟ أين نحن مما يجري وما دورنا؟ على قصيري النفس التنحي، فالطوفان طويل، ولكنه حتمًا أقصر من كل ما مضى. استمرت حرب التحرير الجزائرية لسبع سنوات بعد 132 عامًا من الاستعمار، من هنا تقع المسؤولية على الجميع للارتقاء بمستوى هذه اللحظة الزمنية، والمواكبة والعمل والتصعيد على كل صعيد.