في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، في أعقاب النكبة الفلسطينية عام 1948، وطرد عشرات الآلاف من الفلسطينيين طرحت الأمم المتحدة مشروعًا لتوطين الفلسطينيين مِن غزة في أراضي شبه جزيرة سيناء. لكن في عام 1955، قامت انتفاضة شعبية فلسطينية أفشلت مُخطط الأمم المتحدة وأجبرتها على التخلي عنها فيما عُرف باسم “انتفاضة مارس”.
في ديسمبر/كانون الأول 1949، أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (الأونروا). وتم تكليف الوكالة بتقديم الإغاثة الإنسانية والخدمات الاجتماعية للاجئين الفلسطينيين في مخيمات الشتات في الأردن ولبنان وسوريا. بحلول عام 1951، قرر جون ب. بلاندفورد، الرئيس الثاني لـ”الأونروا” إطلاق مشروع لإعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية في ضوء مشروع رعته الولايات المتحدة الأمريكية ووضعت مِن أجل تنفيذه 200 مليون دولار.
أقامت “الأونروا” ثمانية مُخميات لجوء في قطاع غزة حيث توافد 200 ألف فلسطيني في مساحة لم تتعد 140 ميلًا مربعًا ما جعل القطاع مُعضلة أمام مشروع التوطين، لذا، عام 1950، عملت “الأونروا” على تفريغ المخيمات ودفع الفلسطينيين نحو سيناء المصرية، ووضع بلاندفورد 30 مليون دولار لصالح استصلاح الأراضي الزراعية واستكشاف موارد المياه وإمكانية شق ترع تنقل مياه النيل إلى سيناء.
بالتزامن مع الدراسات الأمريكية لسيناء، أطلقت “الأونروا” حملة إعلامية كُبرى لتسويق المشروع، والطلب من اللاجئين للانتقال الطوعي، لكن اعترض الفلسطينيون على سيناء كوجهة لإعادة توطين اللاجئين، فقد كانت في نظرهم هي نهاية لمشروعهم السياسي ولحق العودة. وطوال أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، ارتبط القصف الإسرائيلي على غزة بخطط إعادة التوطين التي تقدمها “الأونروا”، لذا دعا العديد من الفلسطينيين إلى حراك رافض لهذا المخطط الذي يضغط عليهم ليرحلوا إلى سيناء.
في الفترة بين 1953 – 1955 بدأ الفلسطينيون في غزة بالتظاهر ضد مشروع “الأونروا” حتى قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بالهجوم على ثكنة عسكرية مصرية مما أسفر عن مقتل 36 جنديًا مصريًا ومدنيين فلسطينيين وذلك في رد على عمل فدائي في تل أبيب، لتبدأ انتفاضة شعبية ضد مكاتب الأمم المتحدة واتهموها بالتواطؤ والفشل في حمايتهم من العدوان الإسرائيلي.
طالب المتظاهرون بإلغاء مشروع توطينهم في سيناء، وتسليح وتجنيد اللاجئين في غزة للدفاع عن أنفسهم ضد العدوان الإسرائيلي. وفي مارس/ آذار 1955، أي بعد سقوط أول شهيد فلسطيني، وكان عضوًا بالحزب الشيوعي في غزة واسمه حسني بلال، عامل نسيج من المجدل ولاجئ إلى غزة وهو محتضن شعار: “كتبوا مشروع سيناء بالحبر، وسنمحو مشروع سيناء بالدم”. وانتخب المتظاهرون، في ساحة التاكسيات بالقرب من محطة السكة الحديدة التي تم قصفها من الاحتلال، لجنتَهم الوطنية العليا لإدارة التظاهرات. وفي كل مخيم بقطاع غزة بدأ تعيين واختيار مندوبين عنهم وتشكيل لجان لحراسة مقر اللجنة العليا للتظاهرات، والذي كان في نقابة المعلمين بالقطاع.
أرسل اللواء المصري عبد الله رفعت، الحاكم الإداري لقطاع غزة، الحاكمَ العسكري سعد حمزة للتفاوض مع اللجنة الوطنية العليا لمعرفة مطالبهم. حيث تفاوض حمزة مع معين بسيسو وفتحي البلعاوي على أن يتم إلغاء مشروع توطين الفلسطينين بسيناء، والبدء في تدريب وتسليح الفلسطينيين بالمخيمات، ومحاكمة المسؤولين عن مقتل حسني بلال وأصحاب قرار إطلاق النار على المتظاهرين، وإطلاق الحريات العامة وعلى رأسها حرية الإضراب والاجتماع والنشر، وعدم المساس بحرية أي متظاهر.
وتم إعلان حظر التجول في قطاع غزة كلها، ولم يستجب له أحد، فظلت الجماهير الغاضبة تجوب الشوارع، وظل قميص بلال حمزة معلقًا أعلى سيارة جيب يجوب بها أعضاء اللجنة العليا الوطنية شوارع القطاع، حتى عاد الحاكم العسكري سعد حمزة ليعلم الفلسطينيين بأن مشروع سيناء أصبح غير ذي موضوع، ووعدهم بإصدار قانون لتدريب وتسليح المخيمات وفرض قانون للتجنيد الإجباري، والعمل على منح كل الحريات في القطاع. وأقسم على عدم المساس بأي شخص شارك في مظاهرات مارس 1955.
وبحلول نهاية عام 1955، قبلت “الأونروا” بإلغاء مشروع التوطين واعتبرت أن الحل السياسي وحده هو الذي يمكنه معالجة محنة اللاجئين الفلسطينيين، ومن الخطأ وضع حلول اقتصادية.