تنبيه: ما سيرد في هذا النص ليس من باب حُسن النية بمواقف السلطتين الحاكمتين في مصر والأردن، ولا يتجاهل كونهما حليفتين لكيان الاحتلال الإسرائيلي.
لماذا تحدّث الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عن أن تهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء ربما يؤدي إلى الحرب بين مصر و”إسرائيل”؟
في العادة، لا يُمكن أن تصدر هكذا تحذيرات عن رئيس دولة يوجّه كلامه إلى دولة أخرى تربطه بها علاقات دبلوماسية وسلام وتنسيق في الكثير من القضايا. ما يعني أن خطرًا داهمًا دفع بالسيسي إلى إطلاق هذا التحذير – التهديد.
غالبية ردات الفعل على كلام الرئيس المصري كانت سلبية. فالمعلّقون ركّزوا على “اقتراحه” تهجير سكان قطاع غزة إلى النقب، ثم إعادتهم بعد انتهاء “إسرائيل” من عمليتها العسكرية ضد حركتي حماس والجهاد الإسلامي.
لكن في الواقع، ما قاله السيسي في هذا المجال كان ردًا على مشروع تهجير سكّان قطاع غزة إلى سيناء. فالرئيس المصري أكّد أن ما يقوم به كيان الاحتلال في قطاع غزة “ليس فقط الحرص على توجيه عمل عسكري ضد حماس، وإنما محاولة لدفع السكان المدنيين إلى اللجوء والهجرة إلى مصر”. وهو يرى أن المشروع الحقيقي هو تهجير أهل غزة ومنعهم من العودة إلى أرضهم وإبقائهم في سيناء. ومن هذا المنطلق، قرّر تحدّي حاملي هذا المشروع بأن يقترح عليهم “حلًّا” يقضي بنقل المدنيين من غزة إلى النقب، ثم إعادتهم إلى أرضهم بعد انتهاء الحرب. تقدّم السيسي باقتراح يُدرك أنه مرفوض من كيان الاحتلال، كما من الولايات المتحدة، لأن ما يطلبانه ليس سوى نكبة جديدة بحق الشعب الفلسطيني.
مجددًا، ما تقدّم، كما أسلفنا، ليس من باب “حُسن النية” بمواقف السلطة الحاكمة في مصر، الشريكة منذ سنوات في حصار قطاع غزة. لكنها محاولة لتقديم بعض ما يدور في الكواليس، وعلى رأسه مشروع النكبة الفلسطينية المُراد تنفيذها انطلاقًا من الحرب على غزة، وهو ما لم يعد الحديث عنه محصورًا في الاجتماعات السرية.
وبطبيعة الحال، ما قاله السيسي ليس تحليلًا ولا توقّعًا توصًل إليه، بل إن موقفه ناتج عن تلقّي القاهرة عروضًا ومقترحات إسرائيلية وأمريكية باستقبال سكان قطاع غزة في شبه جزيرة سيناء.
وبسبب خطورة هذا المشروع على مصر، عبّر السيسي عن رفض القاهرة له، وصولًا إلى حد التحذير من إمكان أن يؤدي إلى حرب مصرية – إسرائيلية.
ما يجري حاليًا تراه القاهرة “تصفية للقضية الفلسطينية بالقوة”، وهو ما أعلن الرئيس المصري رفضه له أيضًا.
خطاب السيسي ليس معتادًا من رئيس دولة تدور السلطة الحاكمة فيها في الفلك الأمريكي. ولذلك، يمكن الاستنتاج أن دوائر القرار في مصر وجدت أن المشروع الإسرائيلي – الأمريكي الجاري تنفيذه على أشلاء سكّان غزة، إنما يحمل الكثير من المخاطر على أصل وجود القضية الفلسطينية، كما على الأمن القومي المصري. ولأجل ذلك، خرج الرئيس المصري بخطاب عالي السقف، استخدم فيه مفردات لا تُستخدم عادة على المستوى الرئاسي في مصر.
الخطر لا يحدق بمصر وحدها. فالسيسي لفت إلى أن تهجير سكان غزة إلى سيناء سيتبعه تهجير سكان الضفة الغربية إلى الأردن. هذا الأمر تلقّفته أيضًا السلطة الحاكمة في الأردن. فرغم أنها من أوثق حلفاء “إسرائيل” في الوطن العربي، إلا أنها تجد أن مشروع تهجير الفلسطينيين من أرضهم إنما وُضِع موضع التنفيذ. وبما أن هذا المشروع يمثل خطرًا على وجود الأردن ونظام الحكم فيه، كونه في الأصل مشروع لتحويل الأردن إلى “وطن بديل” للشعب الفلسطيني، أعلن وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، أن محاولة تهجير الشعب الفلسطيني من الضفة الغربية المحتلة إلى الأردن “ننظر إليها على أنها إعلان حرب”.
أيضًا، كلام لم نعتد أن نسمعه من وزير خارجية الأردن. وهو مؤشر على أن مشروع تهجير الشعب الفلسطيني جارٍ على قدم وساق، أمريكيًا وإسرائيليًا.
ولا سبيل لمواجهة هذا المشروع سوى بالمقاومة.