لا ينظّرنّ أحدنا، ولا يتحدّث عن ما نحلم به من أمّة واحد، وعروبة، ووحدة إسلامية! لقد قسّم “القسّام” التاريخ يوم السابع من أكتوبر؛ من لم يلب نداء قائدنا محمد الضيف ومن لبّاه، أولئك القلة، السابقون السابقون، انتهى.
كل من يأتي، إن أتى، فهو لاحق. مشى الركب الفلسطيني وحيدًا واحدًا. لم، ولن، يضرّه من تركه أو خذله. وعلى كل من يلحق أن لا ينسى أن شرف السّبق فلسطيني بامتياز، كان وسيكون. والفلسطينية هنا انتماء واكتساب لا صدف واعتباط تاريخي.
منذ البداية، اصطفى الله هذا الشعب بأن ينوب عنّا، أن يكون الصف الأوّل، بلحمه ودمه، يحمينا كلّنا. هؤلاء قدّموا بيوتهم وفلذات أكبادهم وأطفالهم، حتى لا تكون بيوتنا، وليس بغير وعي أو اضطرارًا، يخرج الغزاوي من تحت الأنقاض – اسمعوا مقابلاتهم – فيقول أنا هنا، نيابة عن كل أمّة العرب، كل أمة محمد. لا تمنّنًا ولا استعطافًا، وعي هؤلاء بشرف معركتهم لا سابق له، وافتخارهم بالنيابة لا قرين له. والأمر أعظم وأكبر، فقد نابوا عنّا بالهجوم، أي عزة هذه! أعطونا في كل قصص التاريخ، الأسطورة والحقيقة، شعبًا وحيدًا واحدًا، ينوب عن أمّة، فلا يصمد فقط، وهو المحاصر، بل يهاجم، يبدأ القتال، كرّارًا ومقدامًا. لا يجوز الحديث عن الشجاعة اليوم قبل هذه اللحظة في كل تاريخ العرب، كل من قضينا عمرنا في تقديرهم والفخر بهم وخصالهم نسخوا، تصاغروا، للتاريخ هنا فصل جديد.
فصل جديد لنا، قديم لهم. أرجعت انقضاض 7 أكتوبر الصهيونية إلى أولها. رجعت لتلجأ لمفرداتها الأولى. تسترجي وتشحذ الدعم من المستعمرين الغربيين. وتعيد تذخير سرديتها التاريخية، بالعصبية اليهودية ومظلوميتها. كل “القوة اليهودية” في أدبياتهم التي راكموها في عقود على دمائنا وبمواردنا، تهشّمت. يوم بعقود. هذا هو اليوم الثوري. صهرنا التاريخ. بل طوّعناه. القسّاميون سرمديّون، سافروا عبر الزمن، إلى نداءات الشيخ عزالدين القسّام الأولى، ولبّوه. ما نشهده اليوم هو تصحيح تاريخي وكأننا في أفلام الخيال العلمي. يلهث الصهاينة خلف الدعم العسكري لتثبيت جديد لوعد بلفور مأمرك. تعرفون بالمعنى التاريخي ما الذي يقوم به وزير الخارجية الأمريكي في “تل أبيب” اليوم؟ هو يعيد تجديد قرار الكونجرس باسم “قرار رايت-كومبتون” لعام 1944، وهو النسخة المأمركة من وعد بلفور، الذي ينص على أن “الولايات المتحدة ستستخدم كل نفوذها لتأمين الدولة اليهودية”.
فصل جديد لنا، قديم لهم. أرجعت انقضاض 7 أكتوبر الصهيونية إلى أولها. رجعت لتلجأ لمفرداتها الأولى
كل الخزان التاريخي للصراع، تجمّع في هذه اللحظة التاريخية. كل أدبيات الاستعمار؛ الحضارة ضد البربرية، الحرب ضد الإرهاب والهمجية، نشر السلّم والأمن، كل هذا الخزان الذي مر على شعب جنوب العالم أجمع ومرّ على أفغانستان والعراق وسوريا اليوم يحمل راية التصدي له شعب وحيد واحد، يتخذ من طيف عزالدين القسّام عنوانًا واسمًا ومنهجًا. يقال أن اسم عائلة القسّام أتى من أن أحد أجدادهم رأى أفعى تفتك بماشية القرية فضربها وقسمها، فأصبح القسّام. اليوم، ومن دون مبالغة أو شاعرية، بل وبكل التماس للعلم والموضوعية والتاريخية، القسّاميون يعملون على قسم أفعى التاريخ الأمريكية، يسيرون وحيدين بشعب واحد رايته حمراء وبيضاء وسوداء وخضراء بكل لون فصيل وتوجّه.
في وسط الدمار الهائل ودماء الشهداء، لا يستهينن أحد منّا بعظمة هذه اللحظة التاريخية، بل ولأنها عظيمة فالعار كل العار على من لم يلحق ويلتحق، جميعنا فرداً فرداً، لا بالقلوب وأضعف الإيمان، فلا ضعف بعد 7 أكتوبر. إنّ القوة التي ظهرنا بها في ذلك اليوم، جعلت الضعف خلفنا وإلى الأبد، نحن الأقوياء، نحن من تأتي لمواجهتنا الأساطيل، لا هم، لهم السفن لا لنا. ولأننا نصحح التاريخ، فالقوارب الصغيرة التي ركبها أهل حيفا في النكبة وغرق عبرها كثر وهم يهربون من الهجمة الصهيونية، هي ليست لنا. نحن الطوفان اليوم. ولعل شاعرنا العربي المصري الكبير، أمل دنقل، رأى هذه اللحظة في أبياته بعنوان “مقابلة مع ابن نوح”، فالجبناء وأصحاب المال والبنوك والملوك وحكماء السلاطين هم من يركبون السفن والبوارج وحاملات الطائرات، أما نحن، وبتعبيره، نقول “لا للسفينة”، “لا للنزوح” و”نحب الوطن”:
جاء طوفانُ نوحْ!
هاهمُ “الحكماءُ” يفرّونَ نحوَ السَّفينهْ
جباةُ الضرائبِ مستوردو شَحناتِ السّلاحِ
ها همُ الجُبناءُ يفرّون نحو السَّفينهْ.
بينما كُنتُ..
كانَ شبابُ المدينةْ
يلجمونَ جوادَ المياه الجَمُوحْ
ينقلونَ المِياهَ على الكَتفين.
ويستبقونَ الزمنْ
يبتنونَ سُدود الحجارةِ
عَلَّهم يُنقذونَ مِهادَ الصِّبا والحضاره
علَّهم يُنقذونَ.. الوطنْ!
(وقد طَمسَ اللهُ أسماءنا!)
نتحدى الدَّمارَ..
ونأوي الى جبلِ لا يموت
(يسمونَه الشَّعب!)
نأبي الفرارَ..
ونأبي النُزوحْ!
كان قلبي الذي نَسجتْه الجروحْ
كان قَلبي الذي لَعنتْه الشُروحْ
يرقدُ الآن فوقَ بقايا المدينه
وردةً من عَطنْ
هادئاً..
بعد أن قالَ “لا” للسفينهْ
.. وأحب الوطن!