في اليوم الثالث لبدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، بعد عملية “طوفان الأقصى”، قال متحدّث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي لوكالة “رويترز” إن على سكان القطاع مغادرته إلى مصر!
المقدم في الجيش الإسرائيلي، ريتشارد هيشت، وهو كبير المتحدثين العسكريين للإعلام الأجنبي، قال في مؤتمر صحافي: “أنصح أي شخص يمكنه الخروج إلى مصر بالقيام بذلك”!
هذا التصريح أتى بعد خطاب لرئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتيناهو، دعا فيه سكّان غزة إلى المغادرة، من دون تحديد الوجهة.
التصريحان أغضبا الجانب المصري، فاضطر كيان الاحتلال إلى توضيح أنه لا يريد تهجير سكان القطاع إلى مصر. وخرج الناطق باسم جيش الاحتلال بالعربية، أفيخاي أدرعي، ليقول إن المعتدين لا يطلبون من أهل غزة مغادرة القطاع إلى مصر.
لكن، رغم التوضيح، تبيّن أن الولايات المتحدة الأمريكية بدأت تمارس الضغوط على القاهرة لاستقبال اللاجئين من غزة.
مصر تؤكّد!
تهديد نتنياهو تزامن مع قلق أبداه مسؤولون سياسيون كبار في مصر، من أن أطرافاً – لم تسمّها – تدفع الفلسطينيين في غزة نحو حدودها في سيناء ضمن نزوح جماعي، وبالتالي إفراغ قطاع غزة من ساكنيه.
أكدت مصادر أمنية مصرية رفيعة المستوى يوم 10-10-2023 أن الاحتلال “قدّم طروحات تسعى إلى توطين أهل قطاع غزّة في سيناء، لكنّ القاهرة تصدت لها”.
كلام نتنياهو والتأكيدات المصرية لطرح هذا الخيار من قبل الإسرائيليين توازى مع كشف مصادر في المقاومة لوسائل إعلام أنّ الخطة العملانية لـ”إسرائيل” في تحقيق هذا السيناريو تمثّل في القصف العنيف الذي شنّه سلاح الجو الإسرائيلي في اليومين الثامن والتاسع من تشرين الأول 2023 على غزة”، وهو ما يعني فرض واقع سكاني وجغرافي جديد في القطاع.
لماذا يهمنا هذا الخبر؟
الخطة هنا واضحة: نكبة جديدة للشعب الفلسطيني، وتحديدًا لسكان قطاع غزة، من دون ضمان أن يعودوا إليه لاحقًا. إخراج ما أمكن من أهل القطاع، والقول لمن يبقى إنه يتحمّل مسؤولية ما سييجري عليه نتيجة العدوان.
هكذا يعتقد الذين يديرون الحرب، من تل أبيب وواشنطن، أن في مقدورهم القضاء على المقاومة، وضمان إعادة ترتيب القطاع سياسيًا وسكانيًا، بعد انتهاء الحرب.
الخطة القديمة تتجدّد
هذه التصريحات الإسرائيلية والضغوط الأمريكية تعيد إلى الواجهة الخطة الإسرائيلية لاستخدام أراضي سيناء المصرية لتوطين الفلسطينيين.
هي خطة تسربت ملامحها لأول مرة في عام 2000، وقد وضعها جنرال الاحتياط الإسرائيلي غيورا آيلاند الذي كان يشغل منصب رئيس قسم التخطيط في الجيش الإسرائيلي ورئيس مجلس الأمن القومي، وكانت مبنية على انسحاب إسرائيلي من قطاع غزة تحقق فعلاً عام 2005.
تقوم هذه الخطة على عدّة نقاط، أهمها نقل مصر قطاع غزة إلى مناطق في شبه جزيرة سيناء بمساحة تبلغ 720 كيلومترًا مربعًا، تمتد من من رفح حتى العريش، وبعرض 20 كلم داخل سيناء.
هذه الزيادة في المساحة إلى 720 كيلومترًا مربعًا توازي نحو 12٪ من أراضي الضفة الغربية. ومقابل هذه “الزيادة” على أراضي غزة، يتنازل الفلسطينيون عن 12٪ من أراضي الضفة الغربية التي ستضمّها “إسرائيل” إليها، شاملة الكتل الاستيطانية الكبرى، وغلاف مدينة القدس.
الفلسطينيون رفضوا هذه الخطة بشكلٍ قاطع، فيما تضاربت الأنباء في مصر حول هذه الخطة. الوزير الإسرائيلي السابق أيوب قرا، قال عام 2018 على “تويتر” إن الإدارة الأمريكية في عهد رئيسها دونالد ترامب ستتبنى ما سمّاه خطة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي “بإقامة دولة فلسطينية في غزة وسيناء بدلاً من الضفة الغربية”. وأكّد قرّا أن السيسي يتبنى هذه الخطة، غير أنّ الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، نفى تقديم السيسي عرضًا للرئيس الفلسطيني محمود عباس بتوسيع قطاع غزة على أراضي سيناء مقابل التخلي عن المطالبة بدولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967.