لم يقتصر الدعم الأمريكي لـ«إسرائيل» خلال الحرب الحالية على المال والسلاح والحشد السياسي الدولي، بل انخرطت الولايات المتحدة بشكل مباشر في الحرب منذ الساعات الأولى لاندلاعها، بتوجيه تهديد إلى إيران والمقاومة الإسلامية في لبنان، لمنعهما من المشاركة في دعم وإسناد الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية. وأرسلت واشنطن على وجه السرعة حاملة الطائرات «جيرالد فورد» إلى المنطقة لإثبات جدّية تهديداتها. فكان تصرّف الولايات المتحدة مع «إسرائيل» كما لو أنّها إحدى ولاياتها التي «تعرّضت لهجوم».
أول أشكال التضامن كان ليلة السابع من أكتوبر عندما أضيء البيت الأبيض بألوان العلم الإسرائيلي الأزرق والأبيض. هذه اللقطة الهوليودية كانت نقطة انطلاق «الفيلم الأمريكي الطويل»، الدائر حول الدعم المستمر لكيان العدّو على مدى الأشهر العشرة الماضية.
على الصعيد الميداني، نفّذ سلاح الجو الأمريكي مئات الطلعات الجوية الاستخبارية لتقديم الدعم المعلوماتي لـ«إسرائيل» حول مكان وجود الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة، بالإضافة إلى تحديد أهداف عملياتية على شاكلة أماكن الأنفاق ومساراتها، وتحديد أماكن وجود قيادات المقاومة الفلسطينية لاستهدافها (وهو ما أسفر عن اغتيال بعضهم)، إضافة إلى المساعدة في إختراق سلاح الإشارة التابع للمقاومة.
ووفّرت الولايات المتحدة في أشهر الحرب الماضية، الذخائر والأسلحة لكيان الاحتلال، مستفيدة من مخازنها الموجودة في القواعد الأمريكية في الدول المحيطة بفلسطين المحتلة وذلك لتوفير الدعم بشكل سريع ولكسب الوقت، فأرسلت إلى الداخل المُحتلّ ذخائر موجودة في قواعدها في الأردن. كما استخدمت مطارًا في قبرص لاستقبال بعض الشحنات عوضًا عن إرسالها إلى مطار «بن غوريون»، الذي كان مُقفلاً في الأسابيع الأولى للحرب.
في ما يلي نستعرض أبرز ما قدّمته الإدارة الأمريكية لكيان العدو من دعم عسكري، سياسي، مالي وغيره…
- 8 أكتوبر/ تشرين الاول 2023: وصول حاملة الطائرات الأمريكية «يو إس إس جيرالد فورد» قرب الشواطئ الفلسطينية لدعم كيان العدو، وتوجيه رسالة إلى إيران وحزب الله بعدم الانضمام إلى جبهة المقاومة. وفي الوقت نفسه، أعلن الأمريكيون أنه، كجزء من المساعدة، ستحصل «إسرائيل» على المزيد ذخيرة، وسيزيد البنتاغون من عدد طائراته المقاتلة في المنطقة. وبعد أسبوع من هذا الإعلان، كشف الأمريكيون عن اقتراب حاملة طائرات ثانية «يو إس إس دوايت أيزنهاور» من سواحل فلسطين المحتلة.
- خطاب بايدن 10 اكتوبر / تشرين الاول 2023: بعد ثلاثة أيام من الحرب، ألقى الرئيس الأمريكي جو بايدن خطابًا أكّد فيه دعم بلاده المطلق لـ«اسرائيل»، مُدينًا الهجوم، وموجّهًا رسالة إلى إيران وحزب الله، طالبًا منهما تجنّب الدخول في الحرب.
- زيارة بايدن السريعة إلى فلسطين المحتلة يوم 18 اكتوبر / تشرين الاول 2023: كانت زيارة بايدن إلى الأراضي المحتلة أبرز تعبير علني عن دعمه لكيان الاحتلال، وهي الزيارة الأولى التي يقوم بها رئيس أمريكي لـ«إسرائيل» خلال أي حرب.
- 18 نوفبر / تشرين الثاني 2023: وصلت أولى المساعدات العسكرية الأمريكية إلى «إسرائيل» علمًا أنّها لم تأت كلها من الولايات المتحدة مباشرةً، بل استُعين بالقواعد الأمريكية المنتشرة في الإقليم، وشملت هذه المساعدات:
- تقديم أسلحة ومساعدات لـ«إسرائيل» قيمتها 14.3 مليار دولار، إلى جانب المساعدات السنوية التقليدية بقيمة 3.4 مليارات دولار.
- قنابل صغيرة القُطر (250 رطلا).
- صواريخ اعتراضية لتجديد القبة الحديدية الإسرائيلية.
- ذخائر الهجوم المباشر المشترك من طراز «جيه دي إيه إم إس – (JDAMs)» وهي مجموعة تُحوّل الأسلحة غير الموجّهة إلى قنابل موجّهة بالأقمار الصناعية.
- قذائف مدفعية عيار 155 مليمترا.
- بطاريتَا قبة حديدية.
- 36 ألف طلقة من ذخيرة المدافع عيار 30 مليمترا.
- 1800 قنبلة من ذخائر «إم 141» الخارقة للتحصينات.
- حوالي 3500 جهاز رؤية ليلية.
- 19 ديسمبر / كانون الأول: أعلن وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، من البحرين، عن تشكيل تحالف بحري متعدد الجنسيات باسم «حارس الازدهار»، يتألّف بشكل أساسي من قوى أمريكية وبريطانية للرد على الهجمات التي شنّتها قوات «أنصار الله»، على السفن المرتبطة بـ«إسرائيل» أو المتجهة إلى الموانئ في فلسطين المحتلة.
- أواخر ديسمبر / كانون الأول 2023: بلغ مجموع ما قدّمته أمريكا إلى العدّو من دعم أكثر من 230 طائرة شحن، و20 سفينة مُحمّلة بالأسلحة.
- 25 يناير / كانون الاول 2024: وصلت شحنة أسلحة أمريكية تضمّ عشرات المقاتلات من نوع «إف-35» و«إف-5» ومروحيات أباتشي.
- 5 مارس / آذار 2024: أعلن بايدن عن إنشاء ميناء مؤقّت في غزة لإيصال مزيد من المساعدات الإنسانية بحرًا إلى القطاع. وقد كان لهذا الميناء الذي بدأ بناءه في 17 مايو / أيار الماضي، دور في عملية المداهمة التي نفّذتها قوات العدو الإسرائيلي في مخيم النصيرات في 8 يونيو / حزيران الماضي وأسفرت عن إطلاق سراح 4 رهائن إسرائيليين. بعد العملية بشهر، أعلن البنتاغون عن تفكيك الميناء العائم، الذي عمل لـ20 يومًا فقط.
- 14 أبريل / نيسان 2024: قادت الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة قائد القيادة الأمريكية المركزية، حلفًا دفاعيًا عسكريًا من دول اوروبية وعربية عدّة للدفاع عن «إسرائيل» في وجه الردّ الإيراني الذي شمل صواريخ وطائرات مُسيّرة، وذلك ردًّا على قصف القنصلية الإيرانية في دمشق. وعملت الولايات المتحدة على تفعيل أنظمة دفاع جوّي وتعزيزها والاستفادة من المُدمّرات التي كانت موجودة في البحر الأحمر.
- 18 أبريل / نيسان 2024: استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد مقترح قرار في مجلس الأمن يعترف بالدولة الفلسطينية. صوّتت 12 دولة لصالح الاقتراح، وعارضته الولايات المتحدة، وامتنعت المملكة المتحدة وسويسرا عن التصويت.
- 25 أبريل / نيسان 2024: قرار أمريكي بإرسال حزمة من المساعدات بقيمة 26.4 مليار دولار إلى كيان العدو، تتألّف من 14 مليار دولار مساعدات عسكرية، 4 مليارات دولار لشراء وتسليح أنظمة القبة الحديدية ومقلاع داود، بالإضافة إلى 1.2 مليار دولار لنظام «ماجن أور» مصمم لاعتراض قذائف الهاون والصواريخ باستخدام الليزر، و4.4 مليار دولار لتجديد المخزونات التي حوّلتها الولايات المتحدة سابقًا إلى العدّو، مثل القذائف المدفعية والقنابل. كما خصصت الولايات المتحدة 3.5 مليار دولار إضافية لـ«أنظمة الأسلحة المتقدمة». و9.2 مليار دولار للمساعدات «الإنسانية». بلغ عدد الشحنات التي وصلت إلى العدو حتى تاريخ هذه الصفقة، أكثر من 100 شحنة.
- 24 مايو / أيار 2024: صوّت مجلس الأمن الدولي لصالح قرار يتضمّن المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية في شهر رمضان، «والإفراج الفوري وغير المشروط» عن الرهائن الإسرائيليين. أيّدت 14 دولة القرار المقترح وامتنعت الولايات المتحدة عن التصويت لعدم تضمّنه إدانة لحركة حماس، لكنها لم تستخدم حق النقض (الفيتو). رغم ذلك، رفضت «إسرائيل» الالتزام به.
- 29 مايو / أيار 2024: وافقت الولايات المتحدة على حزمة مساعدات بقيمة 17.6 مليار دولار تشمل 2300 قنبلة، منها 1800 قنبلة «مارك 84» تزن 900 كلغم، و500 قنبلة «مارك 82» أخرى تزن 225 كلغم.
- الأول من أغسطس / آب 2024: نتيجة التهديدات الإيرانية وحزب الله واليمن والعراق، غداة اغتيال القائد العسكري في المقاومة اللبنانية، فؤاد شكر في ضاحية بيروت الجنوبية، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس، اسماعيل هنية في إيران، عاودت الإدارة الأمريكية التزامها بحماية «اسرائيل» والدفاع عنها، كما قامت بتعزيز الدفاعات الجوية في المنطقة، ومحاولة إنشاء تحالف مع عدد من الدول العربية والاوروبية. يقود في الوقت الحالي العملية الدفاعية، قائد القيادة المركزية، مايكل كوريلايث.
- 03 اغسطس/ آب 2024: قرّرت الولايات المتحدة إرسال 1700 قنبلة «ام كيو 83» والتي تزن الواحدة منها نصف طن إلى العدو. كما قرّرت نشر أسطول من السفن الحربية والطائرات المقاتلة، من بينها «إف 18» و«إف 22»، إضافة إلى أنظمة دفاع جوي.
- 07 اغسطس / آب 2024: وصل دعم الجالية اليهودية في الولايات المتحدة إلى الجمعيات الإسرائيلية داخل الكيان إلى 830 مليون دولار منذ بدء الحرب.
- 14 أغسطس / آب 2024: وافقت إدارة بايدن على صفقة أسلحة جديدة لـ«إسرائيل» تفوق قيمتها الـ20 مليار دولار. تضمّنت الصفقة 100 طائرة من طراز «F-15IA» و«F-15I»، بقيمة تبلغ حوالي 18.82 مليار دولار، وقذائف مدفعية عيار 120 ملم بقيمة 774.1 مليون دولار، ومعها صواريخ جو – جو متقدمة متوسطة المدى بقيمة تصل إلى 102.5 مليون دولار.
كذلك شملت الصفقة مركبات تكتيكية معدلة من طراز «M1148A1B2» مقابل 583.1 مليون دولار، و50 ألف قذيفة هاون و33 ألفا من ذخائر الدبابات.
فضلًا عن كل ما تقدّم، راوغت الولايات المتحدة واحتالت مرات عدّة أثناء جولات التفاوض الرامية إلى التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. ففي الأشهر الماضية، أوحت واشنطن أثناء محادثات التفاوض أكثر من مرة عن قرب التوصّل إلى اتفاق. الخداع ظهر ميدانيًا، من خلال عمليات العدو العسكرية والأمنية لاستهداف قيادات المقاومة أو لتنفيذ عمليات تحرير الأسرى. فظهر بشكل جلي التنسيق وتوزيع الأدوار بين كلّ من الولايات المتحدة و«إسرائيل»، لخداع المقاومة في غزة وطمأنتها، مقابل استمرار عمليات استهداف المقاومة والمدنيين. مثالٌ على ذلك، تنفيذ العدو عملية على مستشفى الشفاء، غرب قطاع غزة في مارس / آذار الماضي، والتي ادّعى وقتها أنّ العملية هدفها استهداف قادة المقاومة وكوادرها الذين كانوا داخل المستشفى، فيما عمليًا من سقط هم أبرياء وأفراد لجأوا إلى المستشفى، على اعتبار أنّه مكان آمن. سبق العملية إيحاء أمريكي بالاقتراب من التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار. وعزّزت هذا الادعاء بإدخالها مساعدات إنسانية إلى المنطقة عبر جمعية «المطبخ العالمي الأمريكي» التي وزّعت وجبات طعام على جزء من سكان القطاع، مما أوحى بالطمأنينة وعدم مبادرة الاسرائيليين إلى فعل يُفشل اتفاق التهدئة المفترض. وقد استفاد الاسرائيلييون من هذا الجو ونفّذوا عملية مُوسّعة في مستشفى الشفاء نتج عنها مئات الشهداء والمعتقلين. وهذا السيناريو كرّره أيضًا في عملية تحرير أسرى إسرائيليين في مخيم النصيرات، بتنفيذه عملية أمنية، بعد إشاعة أمريكا جوًّا من التهدئة حينذاك وتغطيتها دخول فريق العمليات الاسرائيلي إلى المخيم عبر شاحنات دعم انساني، نسّقت الولايات المتحدة مرورها.
اليوم، تُكرّر واشنطن الخداع نفسه. فبعد خرق العدو قواعد الردع وضربه ضاحية بيروت الجنوبية، وقلب طهران، باغتيال هنية وشكر، سارعت أمريكا إلى إخراج أرنب التفاوض من القبعة. وطلبت من مصر وقطر الضغط على حماس لقبول الاتفاق. كما أشاعت أجواء إيجابية – مثل كل مرة – للضغط على محور المقاومة. دار مندوبوها من بلد إلى بلد، لتوجيه رسائل الضغط والطمأنينة والتهديد بأنّه «إذا ردّ حزب الله وإيران على إسرائيل فإنّ فشل المفاوضات حتمي»، وبالتالي توسّع الصراع في المنطقة. في 25 أغسطس / آب، أعلن حزب الله حصول ردٍّ أولي على اغتيال فؤاد شكر واستهداف ضاحية بيروت، والمنطقة بانتظار الردّ الإيراني، فكيف ستتصرّف الولايات المتحدة دفاعًا عن «نجمتها» الإسرائيلية؟