جبهات الإسناد لقطاع غزّة والضفة الغربية لا تنحصر – على أهميتها وأولوياتها – بالتدخلات العسكرية لحزب الله في لبنان، وأنصار الله في اليمن، والمقاومة في العراق. هو «محور» للمقاومة أممي مُتعدّد الأوجه والأدوات المُستخدمة، بهدف أوحد: وقف الإبادة الإسرائيلية المُستمرة منذ السابع من أكتوبر الماضي، وصولًا إلى حدّ إنهاء الاحتلال الغربي الصهيوني لفلسطين. دعوى جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، تُوضع تحت هذه الخانة. إعلان الرئيس الكولومبي، غوستافو بيترو وقف صادرات الفحم إلى «إسرائيل»، أيضًا يندرج في السياق نفسه. تضييق شعبي، عسكري، قضائي، اقتصادي فُرض على كيان الاحتلال للمرة الأولى منذ فرضه على الوطن العربي. وليتكلّل الأمر يوم 9 يوليو بإعلان الرئيس البرازيلي، لولا دا سيلفا دخول اتفاق التجارة الحرّة مع السلطة الفلسطينية، الذي وُقّع قبل 13 عامًا، حيّز التنفيذ. أرادتها البرازيل خطوة لتظهير الدعم للشعب الفلسطيني، ولتكون «مساهمة ملموسة لدولة فلسطينية ذات جدوى اقتصادية»، بحسب بيان وزارة الخارجية البرازيلية.
قرار البرازيل يُعدّ موقفًا سياسيًا داعمًا لوجود دولة فلسطينية قوية ومستقلة، سياسيًا وماديًا واقتصاديًا، ويزيد من اتساع الهوة بين البرازيل وكيان الاحتلال. اللافت في الأمر أنّ لولا يُدرك أنّ هذا القرار سيدفع الإمبريالية الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية إلى شحذ هممها لمحاولة قلب حُكمه وإعادة رئيس تقوده واشنطن ويُنفّذ مصالحها ومصالح «إسرائيل» في أميركا الجنوبية. ورغم ذلك لم يأبه الرئيس البرازيلي للمخاطر. لم يحذُ حذو حكّام أنظمة التطبيع العربية الملتحقين بمحور الإبادة.
ماذا في تفاصيل الخبر؟
خلال القمة الرابعة والستين لرؤساء دول «ميركوسور» (هو عبارة عن تكتّل اقتصادي مشترك لدول بين الأرجنتين والبرازيل وباراغواي وأوروغواي وفنزويلا وبوليفيا والتي تُشكّل 76% من الناتج المحلي الإجمالي لأمريكا اللاتينية)، التي عُقدت في الباراغواي، أعلن لولا دا سيلفا أنّ البرازيل ستكون أول دولة تُصدّق على اتفاقية تجارة حرّة مع فلسطين: «نحن فخورون بذلك، لكن لا يسعني إلا أن أشعر بالأسف لأن ذلك يحدث والشعب الفلسطيني يُعاني من عواقب حرب غير عقلانية على الإطلاق». أتت الموافقة بعد طلب فلسطين في 30 أبريل الماضي، تصديق الاتفاقية. الأوروغواي، هي الدولة الوحيدة في التحالف التجاري التي أيّدت قرار البرازيل، فيما لم يتضح بعد ما إذا كانت دول أخرى ستُصادق على تنفيذ الاتفاقية.
وكانت السلطة الفلسطينية قد وقّعت في 20 ديسمبر سنة 2011 على اتفاقية التجارة الحرة التي تنصّ على «إعفاء الصناعات الفلسطينية المُصدرة من الرسوم، وإلغاء تدريجي للرسوم الجمركية على الصادرات إلى فلسطين على مدى خمس سنوات». كما أنها «تعزز الإطار التنظيمي الذي يهدف إلى توسيع التجارة بين ميركوسور والدول الشرق أوسطية».
من جهته، وصف السفير الفلسطيني في برازيليا، إبراهيم الزين، قرار البرازيل بأنه «شجاع». وأضاف في حديث مع وكالة «رويترز» أنّه يأمل «أن تنمو التجارة بين فلسطين ودول الميركوسور، التي تبلغ حاليًا 32 مليون دولار سنويًا».
الخطوة البرازيلية، وإن كانت تصب في مصلحة ما يُسمى «حل الدولتين»، إلا أنها تكشف مرة جديدة وجود الكثير من الدول في العالم المستعدة لتبنّي خيار دعم الشعب الفلسطيني، في مقابل دول عربية وغربية تعمل لخدمة كيان الاحتلال وحمايته ومساعدته في حرب الإبادة التي يشنها على الشعب الفلسطيني. رغم ذلك، لا تزال السلطة الفلسطينية مصرّة على التعويل حصرًا على دول محور الإبادة.
توتّر العلاقة مع كيان العدّو
كانت «إسرائيل» أول كيان من خارج دول أمريكا الجنوبية، تُوقّع اتفاقية إطارية مع «ميركوسور» في عام 2007، مما منح مزايا لعمل الشركات الإسرائيلية وقيمة تفاضلية للصناعات الصهيونية. وصل حجم التجارة بين كيان الاحتلال وتلك الدول إلى 1.1 مليار دولار، وكانت جميع المنتجات الصناعية والزراعية الإسرائيلية المُصدّرة إلى دول الـ«ميركوسور» معفاة من الرسوم الجمركية.
أتت البرازيل لتكسر «شهر العسل» التجاري هذا، وتُفاقم التباعد بينها وبين كيان الاحتلال. تفاقمت التوترات مع وصول دا سيلفا إلى الحكم، الذي أقفل السفارة البرازيلية في «تل أبيب» وأمر بسحب السفير. في فبراير الماضي، قارن لولا الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بالمحرقة النازية زمن الحرب العالمية الثانية، واصفًا ما يجري بـ«الإبادة الجماعية». يومها ردّ رئيس حكومة الاحتلال باعتبار أنّ لولا «تجاوز الخطّ الأحمر»، وأُعلن الرئيس البرازيلي «شخصية غير مرغوبة» داخل الأراضي المُحتلة.