لم تُفوّت حكومات الغرب حتى اللحظة أي فرص لدعم «إسرائيل» في حربها على الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة. هذا الدعم بشقّه العسكري مرتبط أيضًا باستثمارات تقوم بها أكبر الشركات الأوروبية في شركات مُنتجة للسلاح المُصدّر إلى الكيان. هي عملية تنصاع فيها بعض المحاكم الأوروبية لسلطة «إسرائيل فوق الجميع»، كفرنسا التي أعادت إحدى محاكمها النظر في قرار منع مشاركة كيان الاحتلال في معرض باريس للأسلحة، لينتهي القرار بعودة الأخيرة إلى المعرض، وألمانيا وهولندا المتجاهلتين لقرارات وقف تصدير الأسلحة.
المؤسسات المالية الأوروبية وتسليح العدّو
المؤسسات المالية الأوروبية استثمرت في الشركات الست الأهم عالميًا المصدّرة للأسلحة وهي: «بوينغ»، «جنرال دايناميكس»، «ليوناردو»، «لوكهيد مارتن»، «آر تي إكس»، و«رولز رويس». بين عامَي 2019 و2023، باعت هذه الشركات أسلحة أو أنظمة أسلحة إلى «إسرائيل»، لدعمها من جهة في الحرب، ولجمع بيانات الأداء لتحسين التقنيات وتسويق أسلحة جديدة إلى بلدان أخرى، من جهة أخرى.
الاستثمارات تمّت عبر طريقتين:
- 36.1 مليار يورو قُدّمت على شكل قروض واكتتابات؛
- 26 مليار يورو مملوكة على شكل أسهم وسندات في شركات بيع الأسلحة.
البنك الفرنسي «بي أن بي باريبا» يُعدّ من أكبر المموّلين للشركات المُصدرة. فقدّم حوالي 5.7 مليار يورو كقروض واكتتابات منذ عام 2021. أما مصرف «باركليز» البريطاني، فموّل الشركات عام 2022 بملياري و500 مليون دولار على شكل سندات وأسهم، و6 مليارات دولار على شكل قروض واكتتابات، ليرتفع التمويل لهذه الشركات الضعف منذ عام 2022.
ويُضاف إلى المستثمرين الماليين المذكورين، مصارف: «كريدي أجريكول»، «دويتشه بنك» الألماني، بنك إنجلترا، صندوق التقاعد الحكومي النرويجي، وشركة التأمين «أليانز».
الحكومات تتجاهل القانون
ارتفاع نسب الاستثمارات في شركات الأسلحة في فترة 2019-2023، يضع المؤسسات المالية مع حكوماتها أمام المساءلة الدولية، في ما يتعلّق بالدعم والمشاركة في الإبادة الجماعية في قطاع غزة، فهي بخطوتها لم تمتثل لما تنصّ عليه شرعة حقوق الإنسان وقرارات المحاكم الدولية في هذا الخصوص.
في أبريل سنة 2024، أصدر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قرارًا يدعو فيه لحظر تصدير الأسلحة إلى كيان الاحتلال. «تخوّف» بعض الأنظمة من اتهامها بالتواطؤ في الجرائم التي يُنفّذها العدو في فلسطين من خلال استمرار التصدير العسكري، استجابت كلّ من بلجيكا وإيطاليا وإسبانيا لنداءات وقف تصدير الأسلحة. والإيقاف أتى عقب إعلان محكمة العدل الدولية في 24 يناير عن وجود «خطر معقول» بحدوث إبادة جماعية في قطاع غزة، مُسلطة الضوء على التأثير الشديد المستمر على المدنيين. مقابل ذلك، تجاهل عدد من الحكومات القرارات والدعوات والتحذيرات.
ألمانيا وهولندا وبريطانيا: لن نوقف التصدير
إلى جانب أمريكا وألمانيا وبريطانيا، استأنفت هولندا صادرات الأسلحة إلى «إسرائيل»، متجاهلة قرار محكمة الاستئناف الهولندية في 12 فبراير الماضي وقف صادرات الأسلحة.
أما في بريطانيا، فقد رفضت المحكمة العليا البريطانية دعوى مقدمة ضد قرار الحكومة البريطانية مواصلة بيع قطع غيار عسكرية وأسلحة لـ«إسرائيل». القرار الحكومي يشكّل مخالفة لمعايير الترخيص الاستراتيجي البريطانية، والتي تنصّ على «عدم جواز تصدير الأسلحة في حال وجود خطر جلي يكمن في إمكان استخدامها في انتهاكات للقانون الدولي الإنساني».
فرنسا واستمرار الترويج لأسلحة الاحتلال
تستمر فرنسا في منح تراخيص لمجموعة كاملة من المعدات لتدريع المركبات أو التصوير بالأشعة تحت الحمراء أو المراقبة بالأقمار الصناعية، حتى مع تخفيض صادراتها العسكرية، وبعد مراجعة التراخيص الممنوحة لـ«إسرائيل» نهاية أكتوبر سنة 2023. في كلتي الحالتين، خرقت باريس معاهدة تجارة الأسلحة، المصادق عليها عام 2014، التي تحظر على أي دولة نقل الأسلحة «إذا كانت على علم وقت الترخيص بأنها يمكن أن تُستخدم لارتكاب هجمات ضد المدنيين».
واستمرت فرنسا بالترويج لأسلحة شركات الكيان. بعد أن أصدرت محكمة الاستئناف في باريس قرارًا بإلغاء قرار المحكمة القضائية في «بوبيني» (الصادر في مايو سنة 2024)، استبعاد 74 شركة أسلحة إسرائيلية من حضور معرض «يوروساتوري» للدفاع في «فيلبينت» شمال باريس، وقبيل بدء الجلسة الاستئنافية، أمرت المحكمة التجارية شركة «كوجيس إيفينتس»، المنظمة للمعرض، بتعليق الحظر المفروض.
لا إجراءات ضد ألمانيا
ألمانيا والولايات المتحدة من أوائل الداعمين عسكريًا للكيان (تشكّلان مجتمعتين مَصدر نحو 99% من واردات الكيان من الأسلحة)، منذ عام 2019 حتى الآن، لتُشكّلا طرفًا رئيسيًّا في الحرب على غزة، بدعم من محكمة العدل الدولية. ففي أبريل 2024، رفضت المحكمة طلب نيكاراغوا اتّخاذ إجراءات طارئة لوقف صادرات الأسلحة الألمانية، معلنة على لسان رئيسها، القاضي اللبناني نواف سلام «أنّ الظروف ليست على النحو المطلوب لكي تمارس سلطتها بطلب إجراءات احترازية».
على غرار القرار الدولي، رفضت محكمة في برلين طلبًا مستعجلًا في 11 يونيو لمنع الحكومة الألمانية من تصدير الأسلحة للكيان بحجة «أنّ المُدّعين لم يثبتوا وجود قرارات قيد البحث حول صادرات الأسلحة إلى إسرائيل». ورأت أن سلطة الحكومة نافذة في رفض تصاريح التصدير، أو فرض شروط إضافية، أو الحصول على التزامات من الدولة المتلقية لتقييد استخدام الأسلحة. لكن غياب الكشف الحكومي عن طلبات تصدير الأسلحة لا يسمح بمعرفتها.
القانون الدولي، المُنادى به من سنين بصوت دول العالم الأول، لا صدى له في تشريعات هذه الدول إن غاب تطابقها مع ذرائع حكوماتها. هدف الغرب بات تعزيز قدرة «إسرائيل» على ممارسة الإرهاب المنظم ضد المدنيين في فلسطين بكل السبل المتاحة.