أصدرت محكمة العدل الدولية في لاهاي يوم الجمعة 24 مايو 2024، قرارها بشأن العدوان الإسرائيلي الإبادي على رفح، بأمر حظي بموافقة 13 قاضيًا مقابل صوتين. ولم يعارض الأمر سوى قاضيين من أوغندا و”إسرائيل” نفسها، وهما القاضية الأوغندية، جوليا سيبوتيندي، ورئيس المحكمة العليا الإسرائيلية السابق، أهارون باراك.
وقضت المحكمة برئاسة القاضي اللبناني نواف سلام، بأنه يتعيّن على “إسرائيل أن توقف على الفور هجومها العسكري أو أي أعمال أخرى في رفح”، مشرة إلى “الخطر المباشر على الشعب الفلسطيني”. وأمرت المحكمة الاحتلال الإسرائيلي بـ”فتح معبر رفح لدخول المساعدات الإنسانية للقطاع، إلى جانب ضمان وصول أي لجنة تحقيق أو تقصي حقائق بشأن تهمة الإبادة الجماعية”.
ووفقا لقرار المحكمة يتوجب على “إسرائيل” أن تقدّم للمحكمة في مدة أقصاها شهر تقريرًا عن الخطوات التي ستتخذها. وفي هذا المجال، أوضحت المحكمة أن “إسرائيل لم تؤمّن معلومات كافية بشأن سلامة المواطنين خلال عمليات إجلاء الفلسطينيين في قطاع غزة”، مؤكدة أن “الإجراءات المؤقتة التي أقرتها في مارس/آذار الماضي لا تستجيب تمامًا للتطورات الأخيرة”.
أما سلام، فقد دعا إلى “إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين في غزة فورًا ودون شروط”، وقال إنه “من المقلق للغاية أن الرهائن الإسرائيليين ما زالوا محتجزين في غزة”.
ويعتبر قرار المحكمة الدولية مطابقًا للموقف الأمريكي بشأن عملية رفح، إذ إن واشنطن سبق أن أعلنت أنها “تدعم عملية محدودة في رفح”. فيما بعد، أشار المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر إلى أن بلاده “تعتقد أن أي عملية عسكرية كبيرة في رفح ستُضعف موقف إسرائيل في محادثات الرهائن مع حركة حماس”. كما أنّ البيت الأبيض ذكر في أوائل أيار 2024 أن الولايات المتحدة قدّمت “بدائل لإسرائيل لهزيمة حماس”. وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي إن “قيام إسرائيل بعملية كبرى في رفح لن يحقق هدف الولايات المتحدة وإسرائيل إلحاق الهزيمة بحركة حماس الفلسطينية في غزة”.
ترحيب عربي ودولي
فور صدور قرار المحكمة الدولية، علّقت عليه حركة “حماس” في بيان قائلة: “كنا نتوقع من محكمة العدل الدولية إصدار قرار بوقف العدوان والإبادة الجماعية على شعبنا في كامل قطاع غزَّة، وليس في محافظة رفح فقط، فما يحدث في جباليا وغيرها من محافظات القطاع لا يقلّ إجرامًا وخطورة عمَّا يحدث في رفح”. ودعت الحركة “المجتمع الدولي والأمم المتحدة إلى الضغط على الاحتلال لإلزامه فورًا بهذا القرار، والمضي بشكل حقيقي وجاد في ترجمة كل القرارات الأممية”. وأشارت الحركة إلى أن الضغط على “إسرائيل” يجب أن “يجبرها على وقف حرب الإبادة الجماعية التي ترتكبها ضد شعبنا منذ أكثر من سبعة أشهر”.
من جهته، رحّب المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة بالقرار، وقال إن “الرئاسة ترى أن القرار يُمثل إجماعًا دوليًا على مطلب وقف الحرب الشاملة على غزة”.
كذلك رحبت المجموعة العربية في مجلس الأمن، بالتدابير المؤقتة التي أصدرتها محكمة العدل الدولية. وقالت المجموعة في بيان من مدينة نيويورك، إنه “على إسرائيل تنفيذ التدابير المؤقتة التي أصدرتها محكمة العدل فوراً ودون تأخير”.
فيما أكد الأردن، أن قرارات محكمة العدل الدولية ضد “إسرائيل” “تكشف جرائم الحرب التي ارتكبتها في قطاع غزة”، على حد قول وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، في منشور له على منصة “إكس”. وأضاف الصفدي أنه “مرة أخرى، تتصرف الحكومة الإسرائيلية بازدراء للقانون الدولي، وترفض الانصياع لأوامر المحكمة”.
أما منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، فقال عقب صدور القرار إنه “يتعين على الاتحاد الأوروبي الاختيار بين احترام دعم الاتحاد الأوروبي للمؤسسات الدولية أو دعمه لإسرائيل”.
كذلك، رحبت جنوب أفريقيا، التي تقدّمت بالدعوى ضد “إسرائيل” بدعوى الإبادة الجماعية في كانون الأول/ ديسمبر 2023، بقرار المحكمة وحثت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على دعمه. وقالت وزيرة الخارجية ناليدي باندور “أعتقد أنها مجموعة أكثر حزماً، من حيث الصياغة، من الإجراءات المؤقتة، ودعوة واضحة جداً لوقف إطلاق النار”.
غضب إسرائيلي
تلقت “إسرائيل” قرار المحكمة بكثيرٍ من الإستنكار، إذ أعلنت رئاسة الوزراء الإسرائيلية عن إجراء مشاورات دبلوماسية بمشاركة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير العدل ياريف ليفين، ووزير الدفاع يوآف غالانت، ووزير الخارجية يسرائيل كاتس، ومستشار الأمن القومي تساحي هنغبي. وبُعيد إعلان المحكمة عن جلسة اليوم، قال متحدث باسم الحكومة الإسرائيلية لوكالة رويترز، الخميس، إنه “لا توجد قوة على وجه الأرض ستمنع إسرائيل من حماية مواطنيها وملاحقة حماس في غزة”.
وذكرت صحيفة “يسرائيل هيوم” العبرية بأن “نتنياهو قرر عقد اجتماع طارئ لم يدع إليه وزيري مجلس الحرب بيني غانتس وغادي آيزنكوت”. فيما علق وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير بأنه “يجب أن نقدم ردًا واحدًا على قرار محكمة العدل الدولية وهو احتلال رفح”. وأضاف بن غفير بأن “مستقبل الدولة الإسرائيلية ليس منوطًا بما يقوله الغير بل بما نفعله نحن اليهود”.
أما وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، قال في تغريدة على موقع “إكس”: “من يطلب من إسرائيل وقف عملياتها في رفح يحكم عليها ألا تكون موجودة”.
كذلك، نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن الوزير في مجلس الحرب بيني غانتس قوله إن “إسرائيل ستواصل القتال لإعادة المختطفين في أي وقت وفي أي مكان بما في ذلك رفح”. فيما وصف زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد، قرار محكمة العدل الدولية بأنه “انهيار أخلاقي”، مضيفًا أن “عدم ربط محكمة العدل في لاهاي في حكمها بين وقف القتال في رفح وعودة المختطفين وحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد الإرهاب هو انهيار أخلاقي وكارثة أخلاقية”. وشدد لابيد على أن “إسرائيل هي التي تعرضت لهجوم وحشي من غزة وكان عليها أن تدافع عن نفسها ضد منظمة إرهابية فظيعة تقتل الأطفال وتغتصب النساء ولا تزال تطلق الصواريخ على المدنيين الأبرياء”.