الإعلام والرأي العام مُقصّر بحقّ حكومة ناريندا مودي في الهند. فالتركيز كلّه ينصبّ على مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب على فلسطين وشعبها، أكان عبر الدعم العسكري والمالي أو عبر توفير الغطاء الدبلوماسي للعدّو لارتكاب المزيد من المجازر. إلا أنّ السلطات الهندية بقيادة مودي غير مُقصّرة أبدًا. هي أيضًا شريك رئيسي في سفك الدماء الفلسطينية، حتى ولو لم تُسلّط الأضواء عليها كفاية. دورٌ خبيث جدًا يلعبه رئيس وزراء الهند لمصلحة العدّو الصهيوني. آخر فصوله «بيعه» العمّال الهنود للمستوطنات الإسرائيلية حتى يُساعدوا في سدّ فجوة نقص العمالة في القطاعات التي «يترفّع» المستوطنون المُحتلون عن العمل بها، لا سيّما البناء والزراعة. فبعدما أوقفت سلطات الاحتلال إصدار تراخيص العمل لليد العاملة الفلسطينية ومغادرة آلاف العمّال الأجانب الأراضي المحتلة، برزت الحاجة إلى مئات الآلاف من الأشخاص لإنقاذ قطاعَي الزراعة والبناء.
كرمى لعيون «بيبي» ومصالحه التجارية، يزجّ مودي بمواطنيه في منطقة حرب، من دون أي ضمانات أو تغطية صحية بعد أن أوصلتهم سياساته المستمرة منذ العام 2014 إلى التفضيل بين خيارَين أحدهما أمرّ من الآخر: الفقر المدقع في الهند أو الموت بحثًا عن مدخول أفضل في بلاد مُحتلة!
ماذا نعلم؟
10 آلاف عامل هندي من ولاية هاريانا سيُنقلون إلى المستوطنات الإسرائيلية ليحلّوا مكان العمّال الفلسطينيين. يُشكّل هؤلاء العمال المرحلة الأولى من خطّة ستشمل ولايات: أوتار براديش، بيهار، راجستان، هيماشال براديش، وميزورام.
ستنطلق مرحلة توظيف الأفراد، والتي لن تكون صعبة لوجود نسبة من العمّال الهنود التي لا تُمانع الانتقال للعمل في منطقة حرب، والسبب ببساطة هو نسبة البطالة المرتفعة في الهند والفقر الذي يؤدي إلى عدم حصول نسبة كبيرة من الأطفال على التغذية الكافية، حيث يوجد في الهند ثلث عدد سكان العالم الذين يعانون من سوء التغذية.
شركة الاستقدام التي تتولى العملية تَعِد العمّال الهنود بالحصول على راتب يوازي 1600 دولار بالشهر، وهو رقم «حُلم» لأكثريتهم كون الحدّ الأدنى للأجور حاليًا في الهند لا يتخطى الـ65 دولارًا في الشهر. لا يكتفي مودي بزجّ مواطنيه في بؤرة نزاع، من دون أي ضمانات أو تعويض، في حال مسّهم مكروه، بل إنّ شركة الاستقدام ستحتفظ برواتبهم ولن تعطيها لهم إلا عند انتهاء مدّة تعاقدهم، وهي تمتد من سنة حتى خمس سنوات.
ما هو موقف نقابات العمّال؟
أصدر المجلس المركزي لنقابات العمّال لعموم الهند (AICCTU) بيانًا ردًّا على قرار حكومة مودي المتاجرة بالبشر أعلن فيه اتّخاذ «موقف تضامني لا يتزعزع مع شعب فلسطين والطبقة العاملة الفلسطينية. استخدام العمال الهنود بعقود استخدام قسرية في الاقتصادات الاستعمارية ليس بالأمر الجديد. فمنذ سنة 1834 حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، نقلت بريطانيا نحو مليونَي عامل هندي بعقود استخدام قسرية إلى 19 مستعمرة (…) إن حكومة حزب بهاراتيا جاناتا ترسل الهنود على طريق التبعية الاستعمارية نفسه. ويجدر بنا أن نقاوم بقوة مثل هذه التوجهات الرامية إلى تحويل العمال إلى سلعة».
تمرّد نقابة عمّال النقل المائي
في الإطار نفسه لرفض الممارسات الاستغلالية، وإعلان التضامن مع شعب فلسطين في وجه الاحتلال الصهيوني، أعلنت نقابة عمّال النقل المائي التي تضم 3500 عامل قرارها الجماعي رفض تحميل أو تفريغ شحنات الأسلحة من «إسرائيل» أو من أي دولة أُخرى تحمل معدات عسكرية لنقلها إلى موانئ فلسطين المحتلة، لاعتبارها أنّ «تحميل وتفريغ هذه الأسلحة يساعد على قتل الأبرياء».
دولة متقدمة وفقيرة؟
شعب الهند بأغلبيته فقير. والبلد يضمّ ثلث عدد سكّان العالم الذين يُعانون من سوء التغذية، فضلًا عن تدنّي الحدّ الأدنى للرواتب بشكل كبير. ولكن، لا شيء يستدعي الاستغراب في بلد تتسّع فيه هوامش عدم المساواة بين عامة الشعب وفئة الـ1% التي تُسيطر على الثروة بشكل واسع. مثالٌ على ذلك، هو نسبة التقزم بين من هم أقل من 5 سنوات والتي تبلغ 35.5%، بحسب تقرير «رؤية عامة» الصادر عن البنك الدولي لسنة 2023.
اهتمت السلطات الهندية بتحسين المؤشرات المالية الرقمية، مُتناسيةً أولوية تطوير المجتمع وتمكينه كونه هو عصب أي اقتصاد والمؤشر الحقيقي على تقدّم بلد أم تراجعه. فجاء التركيز على تحسين موقعها في سوق الأعمال التكنولوجية الخارجي، وتطوير قطاع الخدمات (الذي يُسهم بنسبة 60% من حجم الاقتصاد الهندي)، ومنافسة الصين والولايات المتحدة في الصناعة عبر تحويل نفسها إلى مركز صناعي عالمي. في المقابل، تخلّت الهند كلّيًا عن الاعتماد على قطاع الزراعة وتطويره، وأدخلت نفسها في عجز تجاري (زيادة الواردات على حساب الصادرات) ودوامة من الديون العامة الكبيرة.
لم يهتم مودي بتطوير المجتمع الهندي، مُتحجّجًا بعدد السكان الكبير الذي يحول دون تحقيق التقدم في هذا المجال. إلا أنّ تتبّع مراكز الاستثمار التي يتمّ التركيز عليها يؤكّد العكس. فالأولوية هي دائمًا لتقديم نموذج يُرضي المؤسسات الدولية الحاكمة ومراكز القرار المالية العالمية على حساب المجتمع. تمامًا كما يبحث مودي عن إرضاء «إسرائيل» وتوفير اليد العاملة الهندية لها من دون الاهتمام تحصيل ولو القليل من الحقوق لهؤلاء العمّال.