تستخدم قوات الاحتلال الإسرائيلية الجوع كسلاحٍ ضدّ سكّان قطاع غزة والمقاومة الفلسطينية.
سياسة التجويع هدفها الضغط على البيئة الحاضنة للمقاومة لتأليبها ضدّها، ولمحاولة تقويض سلطة حركة حماس في القطاع. واستخدام هذا السلاح الخبيث أيضًا هدفه الضغط على المقاومة لدفعها إلى التنازل عن شروطها في المفاوضات الدائرة في قطر.
استخدام سلاح التجويع ظهر ميدانيًا في الأسابيع الماضية. فـ”أقوى جيش في الشرق الأوسط”، كما تُسوّق الدعاية الغربية، وبعد ستة أشهر من حربه المدمّرة على قطاع غزة، وبعد إعلانه منذ أشهر “تطهير” مستشفى الشفاء وشمال القطاع من وجود المقاومة، عاد إلى “الشفاء” يوم الاثنين 18 مارس، مُعلنًا شنّ عملية عسكرية على المستشفى بذريعة “ورود معلومات استخباراتية تُفيد بوجود مسؤولين كبار في حماس في المنطقة ويستخدمون المستشفى للتخطيط وتنفيذ نشاط مسلح”!
كيف تمكّن مقاومو حماس من العودة إلى محيط المستشفى بعد “تطهيره” قبل أشهر؟ وكيف استطاعوا معاودة نشاطهم في “الشفاء”، فيما قوات الاحتلال تُحاصر المنطقة؟ هل كان الاحتلال يكذب في المرة الأولى أم يكذب حاليًا أم في المرتين؟
في الحقيقة، كلّ ما زعمته “إسرائيل” هو محض كذب. العملية الجديدة على “الشفاء” ليس هدفها قيادات من المقاومة، بل تصفية العاملين في ملف المساعدات الإنسانية، ومنع توزيع ودخول المساعدات إلى مناطق القطاع. ففي هجوم ذلك اليوم، اغتالت “إسرائيل” المدير العام للعمليات المركزية في وزارة الداخلية والأمن الوطني في قطاع غزة، الشهيد اللواء فائق المبحوح، وذلك بعد تنسيقه مع العشائر ووكالة “الأونروا” تأمين وصول المساعدات الإنسانية إلى شمال غزة. واستمرت قوات العدّو في استهداف أفراد اللجان المُشكّلة من العشائر والمعنية بتوزيع المساعدات، فقتلت 23 شخصًا منهم عند دوّار الكويت في نفس اليوم الذي اغتالت فيه المبحوح (19-3-2024).
الحرب الإسرائيلية على المساعدات وصفها بعض المحللين العسكريين الإسرائيليين بـ”حرب السيوف الحديدية الثانية”، على حد وصف مدير العمليات السابق بوزارة الدفاع الإسرائيلية، زيف يسرائيل في موقع “N12” العبري (22-3-2024). وبحسب يسرائيل، الهجوم هو “حرب استكمالية يقوم بها الجيش ضد نهوض حماس من جديد في المناطق التي تم احتلالها، ثم الانسحاب منها”.
لذلك يسعى العدو الإسرائيلي للاستفادة من “الفوضى في الميدان التي تصاعدت إلى أبعاد تصل إلى حد فقدان السيطرة. فالنقص في المساعدات الإنسانية وانعدام السيطرة المدنية الفعّالة يرفعان سقف العنف وانعدام السيادة الميدانية”.
وقال يسرائيل إنّ “تفكيك سلطة حماس لم يعد ممكنًا. فجيش حماس تم تفكيكه فعلًا، وسلطتها هشّة، لكن لا يوجد أي محاولة لاستبدالها فعليَا. الجيش (الإسرائيلي) يُسيطر ميدانيًا، وفي الوقت نفسه تستمرّ سلطة الحركة”.
يُحاول العدّو تحقيق ما يسمّيه “تقويض سلطة حماس”، بهجومه على مستشفى الشفاء في مدينة غزة، ومستشفى الأمل في خانيونس، بالتزامن مع إبلاغه الأمم المتحدة (24-3-2024) عدم موافقته بعد الآن على مرور أيّ من قوافل “الأونروا” الغذائية إلى شمال غزة.
الفوضى التي تنشرها “إسرائيل” شمال قطاع غزة تهدف إلى تمهيد الأرضية لتسليم توزيع المساعدات على شمال القطاع إلى عصابات تضم عملاء لكيان الاحتلال في القطاع، والذين تدرس المؤسسة العسكرية في كيان العدّو تسليحهم، بحسب ما كشفت قناة “كان” العبرية (24-3-2024).
وبحسب القناة، “يبحث مسؤولون أمنيون (لم تُحدد ما إذا كانوا فلسطينيين أم صهاينة)، تحت إشراف إسرائيلي، تسليح العشائر المحلية في قطاع غزة بالأسلحة، بعد أن تلقّت الأخيرة تهديدات بالقتل. وسيتم طرح هذه القضية للمناقشة خلال اجتماع وزير الأمن الإسرائيلي، يوآف غالانت ووزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن”.
التواصل مع هؤلاء المتعاملين يتم عادة عبر قادة التنسيق الأمني في سلطة رام الله، وتحديدًا (رئيس الهيئة العامة للشؤون المدنية) حسين الشيخ و(رئيس جهاز الاستخبارات العامة) ماجد فرج، فضلاً عن محاولات لتسويق القيادي المفصول من حركة فتح، محمد دحلان، كقائد لسلطة ما بعد الحرب على غزة برعاية خليجية.