بعد أكثر من ستة أشهر على بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، والتي راح ضحيتها أكثر من 32 ألف شهيد من سكّان القطاع، تحرّك مجلس الأمن الدولي يوم الإثنين 25 مارس 2024، ووافق على قرار يطالب بوقف فوري لإطلاق النار في غزة في شهر رمضان والإفراج الفوري وغير المشروط عن “الرهائن” والحاجة المُلحة لتوسيع تدفّق المساعدات إلى غزة.
بطلة “العرض الدولي” الأخير كانت الولايات المتحدة الأمريكية، التي امتنعت للمرّة الأولى عن التصويت في مجلس الأمن فيما يخص الحرب الإسرائيلية على غزة، بينما صوّتت 14 دولة لصالح القرار. رغم ذلك، لا يُعدّ القرار مُلزمًا لـ”إسرائيل”، لافتقاده لأي صيغة تنفيذية، فهو لا يُحدّد تاريخًا فعليًا لوقف إطلاق النار، بل أتى على هيئة “الحضّ على وقف إطلاق النار” في فترة زمنية مرهونة بشهر رمضان الذي ينقضي في غضون أسبوعين.
مسرحية أمريكية
لم تكن خطوة الولايات المتحدة في الامتناع عن التصويت في مجلس الأمن مستغربة. ولكن يجوز معها السؤال: لماذا قرّرت واشنطن في هذا الوقت تحديدًا اتّخاذ هذا القرار، عوض رفع حقّ النقض دفاعًا عن كيان الاحتلال؟
السبب هو:
- صحيح أنّ القرار الأمريكي يبدو في ظاهر الأمر بمثابة ضغط على “إسرائيل”، غير أنه في الواقع عبارة عن ضغوط تُحاول الإدارة الأمريكية فرضها على حكومة بنيامين نتنياهو تتعلّق بفترة “ما بعد الحرب”.
- أرادت الإدارة الأمريكية من خلال هذا القرار تحسين صورتها أمام الناخبين الأمريكيين والرأي العام، خاصة بعد أن أُلصقت بواشنطن صورة أحد أبرز داعمي الحرب والمجازر التي ينفّذها العدو الإسرائيلي بحقّ أهالي القطاع والضفة الغربية.
واشنطن: القرار غير مُلزم
قرار مجلس الأمن الأخير دليل جديد على الدعم الأمريكي غير المنقطع لـ”إسرائيل”. فقد حرص ممثل الولايات المتحدة على دعم كيان الاحتلال لناحية فرض تعديل صيغة القرار من “وقف دائم لإطلاق النار” إلى “وقف إطلاق النار”. ورغم ذلك لم تُصوّت واشنطن لدعمه.
وكانت روسيا قد اقترحت تعديلًا أحبطه الرفض الأمريكي. فقد طالب السفير الروسي، فاسيلي نيبينزيا، في بداية الجلسة إضافة جملة “وقف إطلاق نار دائم” بدلًا من “وقف إطلاق نار” إلى مشروع القرار، لكن الأمر لقي معارضة من الولايات المتحدة.
أما بعد صدور القرار، فقد أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية بوضوح أنّ الولايات المتحدة تعتبر قرار مجلس الأمن الدولي حول الوقف الفوري لإطلاق النار في قطاع غزة “غير ملزم”، بعكس ما صرّحت به الأمم المتحدة بأنه قانون دولي ومُلزم. وقال المتحدث باسم الخارجية، ماثيو ميلر، في مؤتمر صحافي، يوم الاثنين 25 مارس 2024، إنّ “هذا قرار غير ملزم، وسأترك لخبراء القانون الدولي التعليق بالتفصيل على هذه المسألة”. وكرّر ميلر أنّ قرار مجلس الأمن بشأن وقف إطلاق النار “غير ملزم وتنفيذه ربما سيتم عبر المفاوضات”.
منافع متبادلة
شكّل مجلس الأمن يوم الاثنين الماضي مسرحًا سعت الإدارة الأمريكية فوقه أن تُميّز نفسها عن الجرائم الإسرائيلية وتُقدّم صورة جديدة كما لو أنّها بمنأى عن الحرب على قطاع غزة والضفة الغربية، وكما لو أنّها لم تعد تُرسل الأسلحة والمال لدعم كيان الاحتلال. الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الذي يمرّ حاليًا بمأزق تدني شعبيته أمريكيًا، وفق ما تُظهره استطلاعات الرأي الأخيرة، ويسعى إلى تحسين وضعه خصوصًا مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، أراد توجيه رسالة إلى ناخبيه من خلال عدم رفع “الفيتو” بوجه قرار مجلس الأمن أنّه ليس المسؤول عن المجازر التي تحصل في غزة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، وأنه يسعى لإحلال السلام، ومنع استمرار سفك الدماء، حتى لو كان على حساب علاقته بنتنياهو.
في المقابل، قدّمت المسرحية الأمريكية لنتنياهو فرصةً يظهر من خلالها بصورة
“المُتحدي” للولايات المتحدة وقراراتها، وحامي “سيادة دولته” (كما لو أنّها قادرة على الاستمرار أصلًا من دون دعم الغرب) وأنه الوحيد بين النخب السياسي الإسرائيلية الذي يريد “الانتصار الكامل” على حماس والحفاظ على أمن “إسرائيل”، رافضًا الاستسلام.