بالرغم من مساعي التهدئة التي اقترحتها مصر وقطر، يصرّح مسؤولون في حكومة العدو بأن الحرب مستمرة، وانها لن تقف إلا بعد وصول جيش الاحتلال إلى معبر رفح، والسيطرة على محور فيلادلفيا الفاصل بين قطاع غزة ومصر.
التهديد بشن حملة عسكرية جنوب القطاع، وترويج وسائل الإعلام الإسرائيلية بأن جيش الاحتلال أقر خططاً عسكرية للسيطرة على ما يسمى “محور فيلادلفيا”، هدفه حالياً الضغط على المقاومة الفلسطينية في غزة، لإجبارها على التنازل عن بعض شروطها لوقف الحرب.
بعد تصريح رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو (7-2-2024) بأنه أوعز للجيش الإسرائيلي “التحضير لشن عملية عسكرية في رفح”، اتصل به الرئيس الأمريكي جو بايدن، وذلك بعد 3 أسابيع من عدم التواصل، وقال له: “لا ينبغي على إسرائيل المضي قدما في حملتها العسكرية في مدينة رفح الحدودية المكتظة بالسكان من دون خطة موثوقة لحماية المدنيين” (11-2-2024). وبحسب مقابلة نتنياهو مع قناة NBC الأمريكية (11-2-2024)، فإن حل أزمة المدنيين الموجودين في رفح هو “توفير ممر آمن للسكان المدنيين حتى يتمكنوا من المغادرة”. أما المكان الذي من المفترض أن يذهب إليه السكان، قال نتنياهو: “المناطق التي قمنا بتطهيرها شمال رفح، هناك الكثير من المناطق هناك”.
إسرائيلياً، يعتبر محور فيلادلفيا او صلاح الدين “محور المحاور”، فهو الخط الممتد على طول 14 كلم من معبر كرم أبو سالم (يسيطر عليه جيش الاحتلال) شرقًا إلى معبر رفح (تسيطر عليه مصر) غرباً.
تاريخياً، كان هذا الخط الهاجس الأمني الأول بالنسبة للعدو الإسرائيلي، فبعد توقيع اتفاقية “كامب ديفيد” مع مصر عام 1978، اشترطت إسرائيل نشر قوات تابعة لها على طول ذلك الخط، لمنع نقل السلاح إلى قطاع غزة. في العام 2004 وبعد إقرار الكنيست الإسرائيلي خطة الانسحاب الأحادي التي طرحتها حكومة ارئيل شارون آنذاك، انتشرت قوات من الشرطة المصرية على طول الحدود مع القطاع.
السيسي يُغرِق الأنفاق بالمياه
بعد الانسحاب الإسرائيلي، حفرت المقاومة الفلسطينية الانفاق في تلك المنطقة لنقل السلاح من سيناء إلى قطاع غزة. وعلى مدى السنوات الماضية، عملت كل من “إسرائيل” ومصر معاً لمنع نقل السلاح إلى المقاومة، فأغرق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي جزءًا كبير من تلك الأنفاق بمياه البحر، ونفذ الجيش المصري عملية عسكرية لإبعاد سكان سيناء عن حدود غزة، بذريعة مكافحة الإرهاب.
ما يفعله النظام المصري تجاه غزة شبيه بما فعله العدو الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة، إذ بنت القاهرة جداراً على طول الحدود ورفعت عليه الأسلاك الشائكة، بحجة منع تهجير الفلسطينيين إلى مصر.
العودة إلى “فيلادلفيا”
بعد عملية 7 أكتوبر والعدوان على قطاع غزة، أعادت “إسرائيل” الترويج لاحتلال “محور فيلاديلفيا”، لأسباب عدة منها ما عبّر عنه العقيد الاحتياط دافيد حاخام في صحيفة “معاريف” (31-1-2024)، وأولها “منع وإحباط محاولات محتملة لتهريب مخطوفين إسرائيليين الى خارج القطاع، وتسليمهم الى حماس وعناصر جهادية في سيناء”. ورأى حاخام أن على إسرائيل منع “مثل هذا السيناريو الكابوسي “. ثاني تلك الأسباب، “الحاجة إلى كشف وتدمير أنفاق التهريب العاملة على طول محور فيلادلفيا، ومنع وإحباط محاولات محتملة لهروب وفرار مسؤولين كبارًا في قيادة حماس أو نشطاء عاديين، الى خارج قطاع غزة”.
وقال الضابط الذي خدم في تلك المنطقة في العام 1987 ان على “إسرائيل” ألا تعتمد على مصر للحفاظ على أمنها إذ “تفيد تجربة الماضي بان إسرائيل ملزمة قبل كل شيء بالاعتماد على نفسها. ولا يمكنها بأي حال أن تودع حراسة مصالحها الأمنية الحيوية في أيدي الآخرين”، داعياً إلى وجود “لقوات الجيش الإسرائيلي على الأرض في مجال محور فيلادلفيا”.
ما ترفضه مصر
العائق الذي يقف أمام تحقيق هذا السيناريو هو رفض القاهرة لأي عملية عسكرية على حدودها، وذلك ليس حرصاً على أبناء غزة أو المقاومة، بل خوفاً من لجوء مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى أراضيها في حال بدء العدو حملته العسكرية في رفح. فقد هجّر كيان الاحتلال في الأشهر الأربعة الماضية ما يقارب مليونًا و400 ألف فلسطيني إلى جنوب القطاع. وفي حال قرر استكمال حربه في رفح فلن يجد هؤلاء أي مكان للتوجه إليه سوى الأراضي المصرية، وهو ما أشارت إليه قناة “كان” العبرية (10-1-2024) عن “احتمال أن تتسبب حملة عسكرية إسرائيلية في فرار أعداد كبيرة من سكان غزة إلى شبه جزيرة سيناء”.
مشروع التهجير إلى سيناء
التخوف المصري، نابع أيضا من دعوات أطلقها وزراء اليمين في الحكومة الإسرائيلية لتهجير سكان قطاع غزة إلى سيناء. وهذا المشروع هو مطلب إسرائيلي قديم روّج له في العام 2020 مع طرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب “صفقة القرن”. حينذاك كان المخطط بناء مدن صناعية في سيناء، لنقل إليها 1200 عائلة فلسطينية للعمل فيها. لذلك، وبما ان “إسرائيل” مصمّمة، بحسب وزير الامن يؤاف غالانت، على التوجه إلى رفح، فإن الحل بالنسبة للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية هو التفاوض مع المصريين لإيجاد حل وسط. وبحسب قناة “كان” فقد قدمت تل أبيب “ضمانات واضحة بأن أية عملية عسكرية لن تؤدي إلى هجرة جماعية للفلسطينيين إلى الأراضي المصرية”. وقالت القناة إن “إسرائيل التزمت أمام مصر بعدم العمل في منطقة رفح قبل السماح لعدد كبير من الفلسطينيين الموجودين هناك بإخلاء المنطقة لتقليل حجم الخسائر في الأرواح”.
وبحسب ما كتبه العقيد حاخام في “معاريف” فإن “المقترح الذي قدمه الجيش، واضح ان سد المحور يستوجب تنسيقا وتعاونا مع مصر، التي تعارض اليوم بشدة التواجد الإسرائيلي العسكري على طول المحور. في هذه الظروف، فان إسرائيل ملزمة بأن تصل الى تفاهمات مع مصر تسمح للطرفين بالعيش المشترك في المنطقة”.
النقاش المصري الإسرائيلي حول العملية العسكرية في محور فيلادلفيا، توصل بحسب “إذاعة الجيش الإسرائيلي” (1-2-2024) إلى اتفاق لـ”إخلاء النازحين من رفح، وعددهم حوالي مليون فلسطيني، ونقلهم إلى منطقة أخرى في قطاع غزة”.
وأضافت الإذاعة أن إسرائيل تعهدت أمام مصر بأنها “لن تعمل (عسكريًا) في منطقة رفح، قبل أن تسمح للسكان (النازحين) الموجودين هناك بالخروج من هذه المنطقة، وذلك من أجل خفض مخاطر نزوح موجات لاجئين فلسطينيين من غزة إلى الأراضي المصرية، وهو التخوف المركزي لدى مصر”.
وقال يؤاف ليمور في صحيفة “إسرائيل اليوم” (6-2-2024) ان “السيطرة على محور فيلادلفيا، سيفرض على الجيش الإسرائيلي البقاء طويلًا إلى أن يتوفر حل دائم لمشكلة التهريب. وتوجد عدة حلول ممكنة كهذه: بقاء دائم لإسرائيل في المكان؛ إقامة عائق تحت أرضي مثل العائق الذي أقيم في حدود إسرائيل – غزة؛ مرابطة قوة متعددة الجنسيات؛ مرابطة قوة مصرية معززة. في إسرائيل يتطلعون إلى دمج عدة حلول”.
في شتى الأحوال، فإن جميع الحلول التي يقترحها كيان الاحتلال تتمحور حول قاعدة أن مصر، على الجانب الآخر من حدود قطاع غزة، ليست سوى شريك “إسرائيل” في خنق الشعب الفلسطيني.