14 مليار دولار أقرّ مجلس الشيوخ الأمريكي منحها لـ”إسرائيل”، لتعزيز تفوّقها العسكري. تزامن ذلك مع منح الأمريكيين جيشَ الاحتلال موافقتهم على شن عدوان واسع على مدينة رفح، لكن بطريقة تضمن لهم الحفاظ على صورة الولايات المتحدة..
من اليوم الأول للحرب الإسرائيلية المستمرّة (حتى اللحظة) منذ السابع من أكتوبر سنة 2023، والولايات المتحدة الأمريكية لم تنفّك تمارس الألاعيب والكذب بأدائها الدبلوماسي.
دأبت بدايةً على تقديم المساعدة والدعمٍ الكاملين للاحتلال الإسرائيلي في حرب الإبادة التي يخوضها في القطاع، على الصعد كافة، السياسية والدبلوماسية والمالية والعسكرية.
فيما بعد، تعرّضت لضغط شعبيّ عالميّ، وخاصة في أوروبا والولايات المتحدة، نتيجة الحجم الكبير للجرائم الإسرائيلية، وصولًا إلى سعي جنوب أفريقيا إلى محاسبة “إسرائيل” على جرائم الإبادة الجماعية بحق فلسطينيّ القطاع في محكمة العدل الدولية. نتيجة لذلك، كما لخشية واشنطن من التوتر العسكري في المشرق العربي والبحر الأحمر، لجأت الولايات المتحدة إلى تغيير قناعها عبر خفض سقف تصريحاتها العلنية في هذا الخصوص وادّعاء تكثيف الجهود الدبلوماسية لوقف الحرب والترويج لفكرة أنّ الحرب الإسرائيلية على غزة باتت قريبة من نهايتها، مع التشديد على ضرورة تطبيق حل الدولتين. حتى أنّ واشنطن نصّبت نفسها “راعيًا رسميًا” لهذه المفاوضات بين “إسرائيل” والمقاومة الفلسطينية في غزة، والضامن الأول لتنفيذ بنود هذا الاتفاق الذي يتم طبخه مع كلٍّ من قطر ومصر.
الخداع الأمريكي استثمر كثيرًا في العلاقة المتوترة بين الرئيس الأمريكي، جو بايدن ورئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو. صحيحٌ أنّ بينهما كثيرٌ من التباينات واختلاف في وجهات النظر حول أمد الحرب وما بعدها، إلا أنّه يبقى محدودًا بسقف التحالف الاستراتيجي بين واشنطن وكيان الاحتلال.
الخلاف بين الرجلين تحوّل إلى مادة لتمرير الرسائل في الإعلام الأمريكي. وفي هذا السياق، كشفت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية عن أنّ “الخلافات بين بايدن ونتنياهو تستعر على خلفية حرب غزة، رغم الدعم الأمريكي السياسي والعسكري لإسرائيل منذ بداية الحرب”.
وزعمت «واشنطن بوست» أنّ أبرز النقاط الخلافية تشمل:
– الإصرار الأمريكي على ضرورة حماية المدنيين؛
– سيناريو ما بعد الحرب وحلّ الدولتين؛
– العملية الإسرائيلية في رفح جنوبي القطاع.
كذبة رفض العدوان على رفح
ربما يكون البند المسمّى “حل الدولتين” هو الأمر الخلافي الوحيد بين بايدن ونتيناهو. فالأخير يرفض عرض الأول بإطلاق مفاوضات تحت عنوان “حل الدولتين”. كذلك يرفض رئيس وزراء الاحتلال أي التزام بالتفاوض على إقامة دولة فلسطينية، ولو كان هذا الالتزام لفظيًا حصرًا.
أما حماية المدنيين، فتلك هي الكذبة الأمريكية الأكبر منذ بداية الحرب، لأن الولايات المتحدة غطّت كل جرائم الاحتلال في غزة، دبلوماسيًا وإعلاميًا، واستمرت بتقديم الدعم التسليحي للجيش الإسرائيلي من أجل استكمال إبادة سكّان غزة وتحويل القطاع إلى مكان غير قابل للسكن فيه مستقبلًا.
الهجوم على رفح هو أحدث “كذبة” أمريكية في هذه الحرب يتم إماطة اللثام عنها. ففيما أعلن البيت الأبيض أخيرًا رفضه القاطع لعملية إسرائيلية عسكرية في رفح وأكد “حرصه الدائم على تخفيف عدد الضحايا المدنيين من الفلسطينيين والإسرائيليين”، عاد المسؤولون الأمريكيون ليؤكدوا أن ما يهمّهم هو إقرار جيش الاحتلال خطة لإجلاء المدنيين عن رفح قبل شن هجوم واسع على جنوب قطاع غزة. هذه التصريحات كانت بمثابة ضوء أخضر أمريكي لشن عدوان واسع على رفج.
تصريحات منسّق الشؤون الاستراتيجية في البيت الأبيض، جون كيربي، يوم الإثنين 12 فبراير كشفت الخداع الأمريكي المستجّد. إذ قال الرجل عندما سئُل عن ضحايا العملية العسكرية الإسرائيلية التي جرت في الليلة السابقة في رفح إنه “لا يمكن تأكيد مقتل مدنيين”، معبّرًا عن “سعادتنا لنجاح الجيش الإسرائيلي في إطلاق سراح إسرائيليين في رفح”،
علمًا بأن العملية تلك أدت إلى استشهاد أكثر من 100 مدني فلسطيني. والأهم، تأكيد كيربي أن حكومته “لا تدعم وقفًا عامًا لإطلاق النار في غزة في الوقت الحالي”.
14 مليار دولار لـ”إسرائيل”
أمّا الأمر الثاني الذي يدلّ على الخداع الأمريكي، فهو خطو مجلس الشيوخ الأمريكي الذي يقوده “الديمقراطيون” خطوة أخرى نحو الموافقة النهائية على حزمة مساعدات بقيمة 95.34 مليار دولار لأوكرانيا و”إسرائيل” وتايوان. فصوّت أعضاء المجلس يوم الإثنين 12 فبراير بأغلبية 66 صوتًا مقابل 33 ليتم تجاوز 60 صوتا المطلوبة وتخطي العقبة الإجرائية الأخيرة قبل النظر النهائي في مشروع القانون. وتوقّع زُعماء مجلس الشيوخ التصويت على تمرير الحزمة في غضون يومين. ويتضمّن التشريع 61 مليار دولار لأوكرانيا، و14 مليار دولار لـ”إسرائيل” في ظل استمرار الحرب على قطاع غزة، و4.83 مليار دولار لدعم الشركاء في منطقة المحيطين الهندي والهادي، مثل تايوان «لردع العدوان الصيني».