يوم 21 ديسمبر الماضي، اكتشف الأردنيون وجود قاعدة عسكرية فرنسية داخل أراضيهم، وذلك بعد زيارة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون لهذه القاعدة الجوية، واحتفاله بليلة عيد الميلاد المجيد مع الجنود الفرنسيين فيها.
هي واحدة من قواعد عسكرية كثيرة لم يكن الشعب الأردني يعلم بوجودها، قبل أن يُكشف الستار عنها.
بعد شهر على انكشاف أمر القاعدة الجوية الفرنسية، اكتشف الأردنيون قاعدة عسكرية أجنبية أخرى، هذه المرة أمريكية، موجودة «للدفاع عن سيادة الأردن». انفضح أمر هذه القاعدة بعد توجيه المقاومة العراقية ضربة بطائرة مسيّرة فجر 28 يناير، استهدفت القاعدة العسكرية الأمريكية في الأردن، وأدّت إلى مقتل 3 جنود أمريكيين.
المملكة الهاشمية، محمية أمريكية، واقعة تحت احتلال القواعد العسكرية الغربية. إلا أنّها ترفض أن تُصارح شعبها بذلك، مُصرة على إبقاء الأمر سرّيًا بسبب ردّة الفعل الشعبية المتوقعة تجاه هكذا إعلان. بعد إعلان واشنطن مقتل جنودها الثلاثة، نفى النظام الأردني أن تكون الضربة قد وقعت على الأراضي التي يحكمها. لكنه سرعان ما تراجع أمام إصرار السلطة الحقيقية، أي البنتاغون وقيادة المنطقة الوسطى الأمريكية، على القول إنّ العملية وقعت داخل الأردن. عندئذ «اعترف» النظام الأردني بما حاول إخفاءه عن الشعب، واصفاً الهجوم بالـ«إرهابي». ببساطة، تصرّف النظام الأردني بصفته سلطة بلا سيادة على أرض تخضع للاحتلال، والقول النهائي فيها ليس سوى لسلطات الاحتلال.
عمّان تحت الاحتلال. قوات فرنسية وأمريكية (وربّما قواعد لبلدان أخرى؟) موجودة فيها، بغطاء «مكافحة الإرهاب». لكن في الحقيقة، هذه القواعد العسكرية هي من تدير السياسة الأمنية الأردنية، وتستخدم الأراضي الأردنية لتسهيل عمليات قوى الاحتلال في بلدان المشرق العربي والخليج.
بإعلانها التخلي عن أراضي القاعدة الأمريكية، ثم تراجعها، عبّرت قيادة المملكة الأردنية مرة جديدة عن حقيقة سيادتها المنقوصة. هي لم تكذب ولم تتراجع عن كذبتها. بل أعلنت، بصدق، أنها غير ذات سيادة على الأراضي الأردنية، وأن صاحب السلطة الحقيقية ليس سوى الجيش الأمريكي، وأنه الوحيد المخوّل تحديد الأراضي الأردنية من غير الأردنية. قبل ذلك بأيام، خضع النظام الأردني لأوامر زعيم المعارضة في كيان الاحتلال الإسرائيلي، يائير لابيد، القاضية بإزالة اسم مطعم قرر صاحبه الاحتفاء بطوفان الأقصى، وتسمية مطعمه «7 أكتوبر». في الحالتين، كان النظام يقول للأردنيين إنه ليس صاحب السيادة.
قبل ذلك وبعده، يؤدي النظام الأردني دوره المرسوم له في حماية الحدود الشرقية لكيان الاحتلال الإسرائيلي، مانعًا نقل السلاح إلى الضفة الغربية المحتلة. كما يمنع النظام نفسه التظاهرات الشعبية من الاقتراب من الحدود، ناشرًا دبابات وجهت فوهاتها باتجاه الطرقات المؤدية إلى الحدود مع فلسطين. ولا تخجل سلطات عمّان من إطلاق طائراتها الحربية لشنّ غارات على الأراضي السورية، بحجة مكافحة تهريب المخدرات، فيما الهدف الرئيسي أداء دور شرطي الحدود للعدو الإسرائيلي ومحاولة تقطيع أوصال المقاومة.
منذ عقود، يؤدي النظام الأردني وظيفة محددةً له من قبل الغرب: ضمان أمن “إسرائيل”، ومنع أي قيادة مشتركة لدول المشرق العربي. لكن منذ طوفان الأقصى، انخرط هذا النظام بوضوح غير مسبوق في الدفاع عن أمن «إسرائيل» عبر تصدّي الدفاعات الجوية الأردنية للطائرات المُسيرة التي تُطلقها المقاومة في العراق واليمن. القيادة الأردنية ساعدت كيان الاحتلال في حربه، ولا ينخدعنّ أحد ببيانات دبلوماسية غير نافعة، وتصريحات رفع العتب، أو البطولات الوهمية بإنزال مساعدات جوًّا في غزة تمت بعد التنسيق مع جيش العدو الاسرائيلي. ففي نهاية المطاف ما سيذكره التاريخ هو طلب قيادة الأردن من الولايات المتحدة الأمريكية تزويدها بمنظومة الباتريوت للدفاع عن «إسرائيل» والتصدي لصواريخ المقاومة ومُسيراتها.