لا تزال المقاومة اليمنية ممثّلة بحركة أنصار الله (أو الحوثيين) تُفاجئ العدّو الإسرائيلي يومًا بعد يوم، منذ بدئها شنّ ضرباٍت ضدّ الاحتلال، دعمًا للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزّة، وردًّا على العدوان الإسرائيلي المُستمّر على القطاع منذ السابع من أكتوبر / تشرين الأول 2023.
وفي حدثٍ مفصليّ سُجّل يوم الثامن من نوفمبر / تشرين الثاني، أعلن المُتحدّث باسم أنصار الله، العميد يحيى سريع أنّ الدفاعات الجوية اليمنية تمكّنت من إسقاط طائرٍة أمريكية من نوع «MQ9» أثناء قيامها بأعماٍل عدائية ورصد وتجسّس في أجواء المياه الإقليمية اليمنية. وهو الأمر الذي اعترفت به واشنطن رسميًا.
وفيما استمرّت القوات المسلحة اليمنية (الجيش اليمني في صنعاء وأنصار الله) بتنفيذ ضربات صاروخية وبالطائرات المسيرة ضد أهداف إسرائيلية في فلسطين المحتلة، شهد يوم 14-11-2023 حدثين لافتين:
الأول، تمثّل بوقوع انفجار كبير في مدينة أم الرشراش الفلسطينية المحتلة (يسميها الصهاينة “إيلات”)، نتيجة إطلاق صاروخ زعم جيش الاحتلال أنه تصدّى له وأنه كان متجهًا من البحر الأحمر.
الثاني، تأكيد قائد انصار الله، السيد عبدالملك الحوثي، أن القوات المسلحة اليمنية ستستهدف كل السفن الإسرائيلية التي تمر قبالة السواحل اليمنية، إضافة إلى استمرار اليمن بتنفيذ عمليات قصف للمواقع الإسرائيلية في فلسطين المحتلة وفي أي مكان آخر.
منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزّة، شنّت المقاومة اليمنية عددًا من الضربات ضدّ قوات الاحتلال الإسرائيلية، إذ أطلقت عددًا من الصواريخ الباليستية والمجنّحة، إضافًة إلى الطائرات المسيّرة التي طالت أهدافًا عسكرية وحيوية واستراتيجية في مستوطنة «إيلات» ومنطقة النقب، جنوبيّ فلسطين المحتلّة.
الضربات اليمنية كانت بمثابة إنذار موجّه إلى كيان الاحتلال ومن خلفه حليفته الولايات المتحدة الأمريكية، التي تخوض الحرب بشكل مباشر ضدّ فلسطين. الإنذار اليمني يُصيب هدفين أساسيين:
الأول، التأكيد على إمكانية توسّع الحرب على غزّة.
الثاني، الكشف عن جزء من القدرات العسكرية لأنصار الله، والتي لا يُعلم عنها الكثير. وكانت «الحركة» قد بدأت بتطوير ترسانتها العسكرية منذ بدء الحرب على اليمن في العام 2015. في البداية، كانت الترسانة العسكرية متواضعة قبل أن تتمكّن أنصار الله، وبغضون سنوات قصيرة، من تطويرها بصورة لافتة، ما دفع بالإعلام الغربي إلى وصفها أكثر من مرّة بأنّها «الترسانة الأكثر تطورًا بين دول محور المقاومة، بعد الترسانة التي تمتلكها إيران».
الوجود الأمريكي السري
اللافت أنّ أنصار الله تمكّنت من تطوير قدراتها العسكرية (ومن إصابة أهدافٍ داخل فلسطين المحتلة على بُعد أكثر من ألفَي كلم) في ظلّ وجود عسكري أمريكي سرّي في اليمن، وفق ما أوردت مجلة «ذي إنترسبت» الأمريكية في مقال تحليلي للصحافي الاستقصائي كين كليبنشتاين، نُشر في 3 نوفمبر / تشرين الثاني 2023.
ذكر كليبنشتاين في التقرير أنّ هجوم «الحوثيين» على الكيان العبري بصواريخ باليستية يُمثّل تصعيدًا كبيرًا ويُهدّد بإشعال حرٍب إقليمية. واعتبر الكاتب أنّ إطلاق صواريخ باليستية ومجنّحة على أهداف إسرائيلية – نصرةً لغزّة – في ظلّ وجود عسكري أمريكي سرّي في اليمن، أمرٌ يُثير المخاوف من زيادة التدخّل الأمريكي بشؤون اليمن، مُشيرًا إلى أنّه على الرغم من أنّ حجم العمليات الخاصة الأمريكية داخل اليمن قد انحسر، إلا أنّ الولايات المتحدة في حالة حرب هناك منذ عام 2000.
وقد كشف البيت الأبيض، في يونيو / حزيران الماضي، عن الاحتفاظ بقوّات أمريكية قتالية في اليمن، بحجّة شنّ عمليات ضدّ تنظيمَي «القاعدة» و«الدولة الإسلامية في بلاد الشام – داعش»، في شبه الجزيرة العربية. ورغم أنّ الإدارة الأمريكية لم تذكر أنّ أحد أهداف هذه القوات الخاصة توجيه ضربات ضدّ الحوثيين، ولكن بحسب «ذي انترسبت»، استخدمت وزارة الدفاع الأمريكية حجّة «الحرب على تنظيم داعش لضرب الجماعات المدعومة من إيران في أماكن أخرى».
القوات الأمريكية هدف لحركات محور المقاومة
في الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر / تشرين الأول 2023، ردّت الولايات المتحدة على الهجمات ضدّ القواعد الأمريكية في المنطقة بقصف منشأتين مرتبطتين بقوى محور المقاومة في سوريا. وقد برّر الرئيس الأمريكي جو بايدن الضربات باعتبارها «استراتيجية ردع». إلا أنّ نائب الرئيس التنفيذي لمعهد «كوينسي» الأمريكي، تريتا بارسي، اعتبر في حديث مع «ذي إنترسبت» أنّ «أفضل استراتيجية لتجنّب انجرار الولايات المتحدة الأمريكية إلى حرب أخرى في الشرق الأوسط هي أولًا وجود قوّات لا داع لها في المنطقة، وإعادة العناصر الموجودين هناك الآن إلى الوطن… فوجودهم لا يجعل الولايات المتحدة أكثر أمنًا، بل إنّه يرفع احتمال خوضها حربًا جديدة في المنطقة».
تحوّلت هذه القوّات، وفق بارسي، إلى أهداف سهلة للحوثيين أو المقاومة العراقية، «وحتى المشرّعون الأمريكيون الذين لا يؤيدون حربًا جديدة سيضغطون لتنفيذ عمل عسكري إذا تعرّضت هذه القوات للهجوم».
أما الخبير في مركز الدراسات الأمنية بجامعة «جورج تاون»، بول بيلار، فقد أوضح في حديثه مع «ذي إنترسبت» أنّ من الخطأ تفسير الهجوم الصاروخي الحوثي كما لو أنّه جزء من استراتيجية كبرى لمحور المقاومة الذي تقوده إيران، «فالحوثيون وعلى الرغم من الدعم المادي الإيراني لهم، يتّخذون قراراتهم الخاصة».
مهمة أمريكية في اليمن بذريعة مكافحة الإرهاب
كشف كليبنشتاين في تقريره في «ذي انترسبت» أنّ عنصرًا من قيادة العمليات الخاصة الأمريكية المعروفة باسم «SFY» هو الذي يتولّى مراقبة العمليات الأمريكية في اليمن، ويعمل تحت عنوان «الإشراف على حملة مكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط، من باكستان إلى مصر».
وأشار الكاتب إلى أنّ وزارة الدفاع الأمريكية «لم تعترف رسميًا بمهّمة SFY في اليمن، لكنّها نقلت عن ضابط عسكري كبير خدم في هذه القوّات قوله إنّه في بداية ولاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وُضعت خطط لتدريب قوة قبلية يمنية قوامها 300 شخص من أجل شن حرٍب غير تقليدية طويلة المدى وعمليات مكافحة الإرهاب». وكان عناصر «SFY» يتواجدون داخل السفارة الأمريكية لدى اليمن، التي أغلقت فيما بعد مع اندلاع الحرب اليمنية.