قرّرت الإمارات يوم الاثنين 6 نوفمبر / تشرين الثاني إقامة مستشفى ميداني داخل قطاع غزة من أجل «تقديم الدعم الطبي والإنساني العاجل» لأهل غزّة، في إطار مبادرة «الفارس الشهم 3» (انطلقت بأمٍر من رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد، تحت عنوان «دعم الشعب الفلسطيني الشقيق في قطاع غزة»). ولأجل ذلك، انطلقت خمس طائرات من أبو ظبي إلى العريش في سيناء، تمهيدًا لنقل المعدّات اللازمة لإقامة المستشفى.
قد يعتبر الرأي العام الخبر «إيجابيًا»، ويستبشر خيرًا من «التضامن العربي» مع فلسطين في الحرب التي تشنّها ضدّها «إسرائيل». إلا أنّ التدقيق في الخبر يُطلق هواجس وأسئلة عن الغاية الحقيقية للإمارات من تنفيذ هذا المشروع. فهل الهدف فعلًا دعم الشعب الفلسطيني، أم أنّ الإمارات تستخدم المُستشفى كستار لتنفيذ مهمّات أخرى؟
لماذا يجب أن نحذر من إقامة مستشفى ميداني إماراتي؟
إقامة مُستشفى ميداني إماراتي في غزّة يُذكّر بالفضيحة التي كُشفت سنة 2014، يوم قرّرت الإمارات أيضًا إقامة مستشفى ميداني لمساعدة الفلسطينيين أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة.
ماذا جرى في تلك السنة؟
أرسلت الإمارات فريقًا مؤلفًّا من 50 طبيبًا لإقامة مستشفى ميداني شكلي، ولكن في الحقيقة استُخدم كقاعدة استخباراتية، مهمّته جمع معلومات من المدنيين في غزّة وإحداثيات عن مواقع ومنصّات الصواريخ التابعة لكتائب الشهيد عزّ الدين القسّام.
اكتشفت المقاومة الفلسطينية أمر المستشفى، فاعتُقل «الفريق الطبّي» وخضع للتحقيق، قبل أن يُفرَج عن أعضائه بوساطات عربية.
التجربة السابقة مع دولة الإمارات و«مساعداتها» للشعب الفلسطيني، تُشرّع الشكوك والمخاوف من أن تتكرّر الحادثة ويكون الهدف من إقامة مستشفى ميداني جمع معلومات استخباراتية عن فصائل المقاومة الفلسطينية، تُستخدم لمُساعدة العدّو في حربه على قطاع غزّة. خاصة أنّ المسؤولين الإماراتيين يتمنّون «أن تنجح إسرائيل في القضاء على حماس بسرعة»، وفقًا لكبير مديري مشروع «N7» (وهو مشروع يهدف لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري، وتنظيم مؤتمرات بين إسرائيل والدول العربية المُطبّعة معها)، ونائب مساعد وزير الدفاع الأميركي للعمليات الخاصة ومكافحة الإرهاب، ويليام ويكسلر الذي زار أبو ظبي مؤخرًّا قادمًا من تل أبيب.
في العام 2014 أيضًا، كانت لدى الإمارات «الأُمنية» نفسها، وكانت على علمٍ مُسبق بالعملية العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزّة، فأيّدت حدوثها، وشاركت فيها حتّى عبر إقامة مستشفى ميداني هدفه جمع معلوماٍت استخباراتية.
يؤكد ذلك، مرّة جديدة، أنّ الإمارات لم تكن تنتظر إقامة علاقات رسمية مع دولة الاحتلال (عام 2020)، وتوقيع اتفاقيات تجارية واقتصادية وأمنية ودبلوماسية معها، حتى تتعاون معها.
أبرز الموقف الإماراتية الداعمة للحرب الإسرائيلية الحالية على غزة
- يوم 26-10-2023، قالت وزيرة الدولة لشؤون التعاون الدولي ريم الهاشمي إنّ «هجمات حماس بربرية وشنيعة لكنها لا تبرر سياسة العقاب الجماعي الإسرائيلي ضد سكّان قطاع غزة».
- صرّح وزير الدولة الإماراتي للتجارة الخارجية، ثاني الزيودي أن الإمارات «لا تخلط بين السياسة والاقتصاد» (في تبرير لاستمرار اتفاقيات التعاون الاقتصادي مع كيان الاحتلال).
- أكّد رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع، علي النعيمي في مؤتمر صحافي عبر الإنترنت مع الجمعية اليهودية الأوروبية أنه «من وجهة نظر الإمارات، اتفاقيات إبراهام موجودة لتبقى. نريد من الجميع أن يعترفوا ويقبلوا بأنّ إسرائيل موجودة».
كيف كانت العلاقة الإماراتية – الإسرائيلية قبل التطبيع؟
بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية في غزة عام 2006، أوقفت الإمارات تحويل الأموال إلى قطاع غزة، وأغلقت 4 شركات بحجّة دعم حماس، وعذّبت عددًا من المُقيمين لديها بناًء على معلومات إسرائيلية بأنّ لديهم ارتباطات بحماس.
نقلت الإمارات للسعودية معلومات تخصّ قيادات وعناصر مقرّبين من حماس مُقيمين في المملكة. كما جنّدت أفرادًا في غزّة مهمّتهم تزويد «إسرائيل» بمعلوماٍت عن المقاومة.
التعاون مع شركات إسرائيلية للمراقبة والحماية
عام 2007:
وقّعت الإمارات عقداً مع شركة «فور دي للحلول الأمنية» الإسرائيلية لتحديث دفاعاتها حول المنشآت الحسّاسة. تولت شركتا «آي جي تي إنترناشونال» السويسرية – الإسرائيلية، و«لوجيك إندستريز» المقامة في «إسرائيل»، تنفيذ العقد الذي أنجز بحلول العام 2016 مشتملًا على شبكة من كاميرات المراقبة وأجهزة الاستشعار ومنصات للذكاء الاصطناعي.
عام 2018: زوّدت «إسرائيل» دولة الإمارات بطائرات من دون طيار.
عام 2019: لم تعترض الإمارات على استخدام تكنولوجيا إسرائيلية في تصنيع طائرات «إف 16» التي اشترتها من الولايات المتحدة الأميركية.
ما هو إطار التعاون بعد التطبيع؟
عام 2020: الإمارات ترعى مشروع بناء محطات طاقة شمسية في الأردن ضمن اتفاقية «الماء مقابل الكهرباء» الأردنية – الإسرائيلية، مقابل حصول الأردن على المياه المُحلّاة من كيان العدّو.
عام 2021: عقدت الإمارات صفقة لشراء الطاقة بنسبة 22% من حقل «غاز تمار» الإسرائيلي بمليار دولار.
عام 2022:
- استثمر صندوق الثروة السيادية في أبو ظبي «مبادلة» 100 مليون دولار في ستة صناديق لرأس المال الاستثماري في «إسرائيل». واشترت الإمارات حصّة بقيمة مليار دولار في حقل غاز طبيعي بحري من شركة «نيوميد إنرجي» الإسرائيلية.
- بالتعاون بين شركات إماراتية وإسرائيلية، أُنتجت أوّل سفينة عسكرية غير مأهولة.
- نشرت الإمارات نظام الدفاع الجوّي الإسرائيلي «Elta ELM 2084» وقاذفتين من طراز «باراك 8» بالقرب من قاعدة الظفرة الجوية جنوب أبو ظبي.
عام 2023:
دخلت اتّفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين «إسرائيل» والإمارات حيّز التنفيذ، لتخفيض أو إلغاء الرسوم الجمركية عن نحو 96% من السلع.
بحلول عام 2022، كان حجم التجارة الثنائية غير النفطية قد بلغ أكثر من 2.5 مليار دولار. ويتوقع الجانبان ارتفاعه إلى 10 مليارات دولار بحلول عام 2030.
الأمن السيبراني: ذروة التعاون
شاركت الإمارات في مؤتمر «الأسبوع السيبراني 2023» في جامعة تل أبيب.
في المؤتمر، عُقدت اتفاقيات ثنائية عدّة، منها:
- إنشاء المنصة الرقمية «Crystal Ball» لمشاركة المعلومات السيبرانية بسهولة، كَشف القراصنة الالكترونيين وصدّهم بمشاركة شركتَي «مايكروسوفت» و«رافائيل» الإسرائيلية لأنظمة الدفاع المتقدّمة.
- توقيع مذكرة تفاهم بين منتدى «EliteCISOs» (مجتمع عالمي في مجال الأمن السيبراني يتخذ من الإمارات مقرًّا له) مع مؤسّسة إسرائيلية، ليسمح للإماراتيين بالتدرّب على الأدبيات الأكاديمية الإسرائيلية وطُرق تفكيرها وتبادل المعلومات وبناء بنية تحتية رقمية.
قبل توقيع اتفاقية التطبيع عام 2020، أقرّ رئيس الأمن السيبراني الإماراتي، محمد الكويتي، أنّ بلاده عملت مع شركات قرصنة إسرائيلية، حصلت بموجب ذلك على برامج «بيغاسوس» لاختراق هواتف مُعارضي الحكم وعددٍ من المسؤولين في لبنان والسعودية.