منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في السابع من أكتوبر 2023، بدا الموقف الروسي لافتاً في إدانة هذا العدوان. وعلى الرغم من أن روسيا دولة لا تجمعها بفلسطين أي قواسم مشتركة، بل على العكس تجمعها علاقات تاريخية مع الكيان الإسرائيلي منذ النكبة، إلا أنها أدلت بمواقف عجزت الدول العربية المطبعة مع “إسرائيل” عن اتخاذ مثلها.
أبرز المواقف الروسية
1– في بداية الحرب، شبّه الرئيس الروسي فلاديمر بوتين الحصار الذي يفرضه كيان الاحتلال على قطاع غزة بحصار ألمانيا النازية على لينينغراد في الحرب العالمية الثانية، الذي أسفر عن قتل مئات آلاف المدنيين الروس آنذاك.
2- يوم 30-10-2023، قال بوتين في بيانٍ متلفز أمام اجتماع لأعضاء مجلس الأمن القومي الروسي والحكومة ورؤساء وكالات إنفاذ القانون، إن “النخب الحاكمة في الولايات المتحدة ومن يدورون في فلكها يقفون وراء قتل الفلسطينيين في غزة، ويقفون وراء الصراعات في أوكرانيا وأفغانستان والعراق وسوريا”. وأضاف: “إنهم يريدون استمرار الفوضى في الشرق الأوسط، ولذلك تبذل الولايات المتحدة قصارى جهدها لتشويه سمعة تلك الدول التي تصر على وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة ووقف إراقة الدماء، والتي تقف مستعدة لتقديم مساهمة حقيقية في حل الأزمة”. كذلك أكد الرئيس الروسي أنّه “لا يمكن مساعدة فلسطين إلا من خلال محاربة أولئك الذين يقفون وراء هذه المأساة… نحن، روسيا، نقاتلهم في إطار العملية العسكرية الخاصة” في أوكرانيا.
3- مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، كرّر في أكثر من جلسة في مجلس الأمن الدولي وخارجه أن “إسرائيل ليس لها الحق في الدفاع عن النفس في الصراع الحالي لأنها دولة احتلال”.
4– طالبت روسيا أكثر من مرة بالوقف الفوري لإطلاق النار.
غير أن أكثر ما أزعج “إسرائيل” وحلفاءها في العالم الغربي كان:
استضافة موسكو وفداً رفيع المستوى من حركة حماس، يوم 26 تشرين الأول 2023، وهو ما وصفته صحيفة “تايم” البريطانية بأنه “كان بمثابة صدمة للكثيرين في إسرائيل رؤية مجموعة من أعضاء حماس رفيعي المستوى يجتمعون مع مسؤول روسي كبير”. وقد انتقدت وزارة الخارجية الإسرائيلية قرار دعوة أعضاء “حماس” إلى موسكو ووصفته بأنه “دعم للإرهاب”، ودعت روسيا إلى طرد الوفد.
حقيقة الموقف الروسي
بالنسبة إلى روسيا، فإن الموقف الرسمي الذي صدر عنها فيما يخصّ هذه الحرب، والذي حمل تصعيداً في الخطاب ضد كيان الاحتلال، ينبع من عدة أسباب:
الأول، “إسرائيل” تشكل قاعدة غربية متقدمة في الشرق الأوسط، وهي أداة في النظام العالمي الذي تديره أمريكا، والذي يقاتل روسيا في أوكرانيا. في الأحوال العادية، العلاقات الروسية مع “إسرائيل” جيدة. غير أنه بعد بداية الصراع في أوكرانيا اختلف الوضع، أولاً لأن تل أبيب اتخذت موقفاً مؤيداً لكييف، ومع أنها لم تذهب بعيداً ضد روسيا، لكن الروس منزعجون من موقف تل أبيب، وباتوا ينظرون إليها بوجهها المرتبط بأمريكا وظيفياً.
الثاني، الموقف الروسي يأتي في سياق استراتيجية روسية للتقرب من دول الجنوب العالمي، ومنها الدول العربية والإسلامية. فموسكو تعرف أن القضية الفلسطينية هي قضية مشحونة بالعاطفة لمليارات البشر المؤيدين للفلسطينيين، في لحظة ظلم واضحة يتعرضون لها.
الثالث، روسيا تريد مواجهة الهيمنة الأميركية بشكلٍ علني، ولها مصلحة في فضح الازدواجية الغربية، وما تصفه بـ”النفاق الغربي حيال القانون الدولي” الذي لا تطبقه الدول الغربية على “إسرائيل”، وتطالب به في أوكرانيا.
الرابع والأخير، الوجه الآخر لكل هذه الأحداث مرتبط بخطوط التجارة الدولية ومصادر الطاقة في المستقبل وخطوط نقلها. إذ إن روسيا ترغب في إعاقة محاولة الأمريكيين تثبيت سيطرتهم على الخليج والمشرق العربي. وهذه المحاولة تضمّ “إسرائيل” بصفتها مركزاً لمختلف مشاريع نقل الطاقة من الخليج العربي إلى أوروبا، كما لربط الأخيرة بالهند.
التفسير الغربي للموقف الروسي
الصحف الغربية خصصت حيزًا لافتاً لتحليل الموقف الروسي من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. غالبية الصحافيين الغربيين أجمعوا على أنّ موسكو “تستفيد من الصراع الحالي لأنه يصرف انتباه العالم عن الحرب في أوكرانيا”، وبالتالي تحوّل إمدادات الأسلحة الأميركية التي كانت مخصصة أصلاً إلى أوكرانيا. فيما أكد مارك ن. كاتز أستاذ الحوكمة والسياسة في جامعة “جورج ماسون” في مقالٍ نشر على موقع “أتلانتك كاونسيل” إلى أن “اندلاع الصراع بين إسرائيل وحماس، والذي يخلق احتمال نشوب صراع أوسع نطاقًا ربما يشمل حلفاء إيران على كافة الجبهات في الشرق الأوسط – إنما يشكل مخاطر بالنسبة لموسكو أيضًا”. وعزا ذلك إلى أن “نفوذ موسكو في الشرق الأوسط يمكن أن يتراجع بغض النظر عما إذا كانت الحرب قد تصاعدت أو تم احتواؤها من خلال وقف إطلاق النار”.
أما مجلة “تايم” البريطانية فقد اعتبرت أنّه “إذا زادت روسيا دعمها لحماس، فمن المرجح أن يكون ذلك على حساب تدهور العلاقات مع إسرائيل”. على الرغم من ذلك، لفتت المجلة إلى أن “روسيا استطاعت مراراً وتكراراً الحفاظ على التوازنات الصعبة في الشرق الأوسط، خصوصاً لناحية الحفاظ على اتصال البلدين بشأن العمليات العسكرية في سوريا حتى بعد الدعم العسكري الإسرائيلي لأوكرانيا ضد روسيا”. ونقلت المجلة عن هانا نوت، الخبيرة في السياسة الخارجية الروسية في الشرق الأوسط في مركز “جيمس مارتن للحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل”، قولها في هذا السياق: “ربما ستكون روسيا قادرة هذه المرة أيضًا على القيام بذلك، وكسب الدعم العربي دون قطع العلاقات مع إسرائيل”.