بعد 23 يوماً من القصف الجوي غير المسبوق على المناطق المأهولة في قطاع غزة بشكل عام وعلى شماله بشكل خاص، تقدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي برًّا على محورين.
الأول: شمال القطاع من جهة بيت حانون (شمال شرق القطاع)، بواسطة المدرّعات، حيث عدد الأبنية قليل والأراضي الزراعية واسعة.
الثاني: في الجهة الغربية لشمال قطاع غزة، بواسطة المدرّعات أيضاً، لمئات الأمتار، في أراض شبه خالية من المنشآت.
سبق ذلك قصف جوّي ومدفعي غير مسبوق للمنطقتين.
رغم كل التمهيد الناري الذي نفذه العدو، والقصف المدفعي والجوي العنيف، تصدّت مجموعات المقاومة لتقدم الجنود. كما أخذ المقاومون زمام المبادرة ونفذوا عملية خلف خطوط الغزاة، مستهدفين أماكن تجمع جنود العدو عند معبر إيريز شمال القطاع.
أما على الجبهة الشرقية، فقد شهدت الأيام الماضية، اشتباكات قوية بين قوات العدو والمقاومين، وذلك شرق الشجاعية والبريج، (وسط قطاع غزة). واستهدفت المقاومة قوات الغزو المتقدمة بالصواريخ الموجهة وقذائف الهاون.
أين نحن الآن؟
حتى الآن، لم تصل قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى المناطق المأهولة في قطاع غزة، أو تلك التي كانت مأهولة قبل تدميرها وتهجير سكانها أو قتلهم. والوصول إلى هذه الأماكن يعني الوصول إلى نقاط الاشتباك مع المقاومة الفلسطينية التي أعدّت للعدو الاستقبال اللازم. تريد “إسرائيل”، بناءً على “النصائح” الأمريكية، تفادي الخسائر التي ستُلحِقها بها المقاومة، والتي ستُضاعِف من هزيمتها التي تلقتها في “طوفان الأقصى”.
في الوقت عينه، مفاوضات تبادل الأسرى لا تزال قائمة، بوساطة قطرية. هذه الوساطة، في حال نجاحها، ستؤدي إلى إقرار هدنة إنسانية لعدة أيام.
ماذا يعني ذلك؟
تريد الولايات المتحدة من الهدنة، السعي إلى منع توسّع الحرب على غزة وتحوّلها إلى حرب إقليمية. وتريد أيضًا استخدام الوضع الإنساني لسكان القطاع للضغط على المقاومة لتقديم تنازلات سياسية تعوّض عجز جيش الاحتلال عن تحقيق الأهداف التي أعلنت “إسرائيل” سعيها إلى تحقيقها عقب “طوفان الأقصى”.
تحاول الولايات المتحدة الأمريكية تحويل الحرب على غزة من “غزو سريع وحاسم” تعجز “إسرائيل” عن الانتصار فيه، إلى حرب طويلة بعمليات برية مركّزة، لتحقيق أهداف سياسية بنهايتها.
تُدرك “إسرائيل” أن “الجدار الحديدي”، الذي بنته حولها في السنوات الـ75 الماضية سقط، مؤكدة انها مجرد مستعمرة غربية في الوطن العربي.
صحيفة “نيويورك تايمز” نقلت عن مسؤولين أمريكيين أن “إسرائيل” أوقفت خطط الاجتياح البري واسع النطاق لقطاع غزة، واستعاضت بتوغّلات محدودة، ما يتماشى مع اقتراح وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن.
صحيفة “فايننشال تايمز” بدورها قالت إن “إسرائيل” لا تتحدّث عن العملية البرية لكي لا يؤدي ذلك إلى دخول حزب الله وإيران في الحرب.
في الحالتين، مَنْ رسم سقف العمل البري لـ”إسرائيل” ليس سوى الإدارة الأمريكية.
الأمريكيون اعترضوا على خطط الاجتياح الإسرائيلي الشامل لقطاع غزة لافتقارها إلى أهداف عسكرية قابلة للتحقيق، وشككوا بقدرة الجيش الإسرائيلي واستعداده لها. ونقلت “نيويورك تايمز” عن مسؤولين أمريكيين إن “التوغلات البرية الإسرائيلية في غزة حتى الآن أصغر حجمًا وأكثر تركيزًا مما وصفه المسؤولون العسكريون الإسرائيليون في البداية لأوستن وغيره من كبار المسؤولين العسكريين الأمريكيين”.
هذه التوغلات او العملية البرية الخاصة الإسرائيلية تعني أمرين: إما أن “إسرائيل” لا تزال تنفذ عملية “استطلاع بالنار” لاكتشاف الوضع الميداني في غزة لتحديد مواقع عناصر المقاومة الفلسطينية والاشتباك معهم وتحديد نقاط الضعف، أو ستكتفي بهذا النوع من العمليات خوفاً من سقوط عدد كبير من الجنود القتلى في حال نفذت هجومًا بريًا واسعًا.
حالة اللايقين التي يعيشيها العدو الإسرائيلي انعكست على الإدارة الأميركية ايضاً التي قال مسؤولون فيها لصحيفة “نيويورك تايمز” ان إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تعاني صعوبة من عدم “معرفة ما ستفعله إسرائيل في نهاية المطاف، لأن الغارات الجوية المتزايدة والتوغلات البرية الموسعة خلال الأيام الماضية تشير إلى موقف أكثر عدوانية”.
ماذا يقول الغزاة؟
من جهته، رأى المحلل السياسي في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، ناحوم برنياع، أن “التوغل البري أكبر مما وُصف ليلة السبت وأصغر من الانطباع الذي صنعه نتنياهو وغالانت وغانتس خلال المؤتمر الصحافي (28-10-2023)، وهو أوسع، من دون مقارنة، من الغزوات إلى داخل القطاع في الأيام السابقة”.
وأضاف أن الحرب التي تشنها “إسرائيل” على قطاع غزة “من أجل استعادة المخطوفين، إزالة التهديد من جانب منظمة إرهابية وترميم قوة ردعها تجاه أعداء في المنطقة. وهذه ثلاث مهمات من الوزن الثقيل، وثمة شك إذا كانت الحكومة ستنجح في إنجازها”.
من جانبه، أشار المحلل العسكري في صحيفة “معاريف”، طال ليف رام، إلى أنه “بالرغم من دخول الجيش الإسرائيلي إلى القتال في القطاع بقوات كبيرة، إلا أن حجمها ليس أكبر مما كان في عمليات عسكرية برية سابقة في القطاع. والاعتقاد في إسرائيل هو أن ممارسة ضغط عسكري من شأنه أن يخدم أيضا المفاوضات حول تحرير المخطوفين”.
وتوقع ليف رام أنه كلما كانت كثافة البناء أكبر في المنطقة التي تتوغل فيها القوات الإسرائيلية، فإن حماس ستسعى إلى خوض معارك أشد، ومن خلال استغلال طبيعة المنطقة من أجل نصب كمائن وزرع عبوات ناسفة.
وأفاد بأن التقديرات في الجيش الإسرائيلي هي أنه “كلما عمّق عمليته البرية أكثر في القطاع، سيرفع حزب الله تدريجيا قوة ردّه من خلال عمليات من الأراضي اللبنانية”.