بعد فشل المنظومة الأمنية الإسرائيلية في التنبؤ بعملية «طوفان الأقصى»، هبّت شركات التجسس السيبراني الإسرائيلي لمساعدة جيش الاحتلال في البحث عن أسراه لدى حركة حماس. الشركات الأمنيىة الإسرائيلية التي كانت تتنافس في ما بينها في وقت سابق لبيع خدمات التجسس والبرامج الضارة والخبيثة إلى دول المنطقة والعالم، اجتمعت منذ أكثر من 12 يوماً للمساعدة على جبهة الاستخبارات الرقمية الإسرائيلية.
لماذا يهمنا ذلك؟
مزّقت عملية «طوفان الأقصى» أكثر من صورة يتفاخر بها كيان العدو. الجندي الإسرائيلي ظهر جبانًا خاضعًا للمقاومين، وأحيانًا تحت أحذيتهم. أما والاستخبارات التي كانت تفاخر بأنها تحصي على الفلسطينيين أنفاسهم، فكُسرت صورتها بعد فشلها في جمع أي معلومة قبل الهجوم المباغت لكتائب القسام. وما يحصل اليوم من دخول تلك الشركات على خط البحث عن الأسرى الصهاينة في غزة، يهدف إلى أمرين: أولهما، استرداد الشركات ماء وجهها بعد فشل كل تلك الأنظمة من برامج التجسس إلى أدوات الذكاء الاصطناعي في منع الهجوم. وثانيهما، مسح ماضيها الأسود المليء بخدمات تجسس حصلت ضد حقوقيين ومعارضي أنظمة قمعية وحتى صحافيين في المنطقة والعالم، لتبرز بصورة البطل الذي يبحث عن أسرى.
مجمع الاستخبارات السيبراني
كشفت صحيفة “هآرتس” العبرية، في تقرير نشر في 19-10-2023، أنه تم تجنيد عدة شركات تكنولوجيا إسرائيلية تركز بشكل أساسي على عمليات البحث والإنقاذ، من بينها شركات التكنولوجيا الهجومية مثل NSO (مالكة برنامج التجسس الشهير بيغاسوس)، وRayzone (تقدم حلول المعلومات الاستخبارية للوكالات الاستخبارية في جميع أنحاء العالم)، وParagon (محترفي تكنولوجيا المعلومات)، وCandiru (شركة تقدم تكنولوجيا المراقبة والتجسس الإلكتروني)؛ وشركات الاستخبارات الرقمية المختلفة مثل Cobwebs (رائدة في مجال الاستخبارات مفتوحة المصدر المدعومة بالذكاء الاصطناعي) وAnyVision (من أبرز شركات المراقبة عبر الكاميرات، تستطيع أنظمتها تسجيل حرارة الأشخاص الذي يمرون أمامها وتعطي إنذارات عند اكتشفاها ذلك وتساعد في تحديد وتتبع الأسرى)، وIntelos (متخصصة في استخبارات عبر البيانات المتعددة الأبعاد). فضلا عن عشرات الشركات الدفاعية، بما في ذلك Cato Networks (مختصة بأمن الشبكات)، وPalo Alto (شركة أمن سيبراني)، وPersist، وActiveFence (تقدم خدمات مكافحة التضليل). ودخلت شركات أخرى تعمل في مجال الذكاء الاصطناعي والمجال الجنائي الرقمي لدمج الأنواع المختلفة من المعلومات الاستخبارية والبيانات التي يتم جمعها. الجدير ذكره أن شركة NSO قالت إنها حدّثت برنامجها التجسسي “بيغاسوس” ليصبح ملائماً لعمليات “البحث والإنقاذ” في محاولة لتبييض صفحتها امام العالم. كذلك كشفت “هآرتس” أن أكثر من 100 قرصان إلكتروني (هاكر) وكبار الباحثين من عالم الهجوم والدفاع السيبراني، وغيرهم من ذوي الخلفية في الاستخبارات الإسرائيلية أو حتى وحدات الاستخبارات التابعة للشرطة، تطوعوا وساعدوا في إنشاء ما يسمى بـ”غرفة الحرب السيبرانية”.
ما الذي ستقدمه تلك الشركات؟
تعمل العديد من تلك الشركات بالفعل مع وزارة الجيش الإسرائيلية أو أقسام المخابرات. علماً أن عدداً كبيراً من مؤسسي تلك الشركات أتى من الوحدة 8200، وهي وحدة التجسس الإلكتروني والتقني في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية. وبحسب الصحيفة العبرية، ستقوم “غرفة الحرب السيبرانية” بجمع المعلومات الاستخبارية من مصادر مفتوحة وبـ”مراقبة الإنترنت”، ومسح المواد البصرية على وسائل التواصل الاجتماعي التي تم نشرها أثناء الهجوم نفسه ثم مقارنتها بالأسماء والبيانات. كذلك ستستخدم تقنية التعرف على الوجه لمحاولة ربط الوجوه بالأسماء. وتقول “هآرتس” إنه تم في نهاية المطاف تجميع قائمة نهائية بالقتلى والأسرى الإسرائيليين. وساهمت تلك الشركات في العثور على 30 شخصاً مفقوداً كانوا مختبئين في كيبوتس عين هشلوشا لمدة 100 ساعة تقريباً.
جبهة رقمية
بعد انتهاء تركيز تلك الشركات على مهام البحث عن المفقودين والقتلى والأسرى، تغيرت المهمة بحسب الصحيفة العبرية، وتركز الآن على الاستخبارات المفتوحة المصدر (OSINT)، وليس الإنترنت. الأخيرة هي مصطلح جديد نسبياً، وتهدف إلى جمع البيانات من منصات التواصل الاجتماعي كافة والمرتبطة بعملية طوفان الأقصى من أجل استنباط معلومات استخبارية. وتعتبر “إسرائيل” ذلك أمراً أساسياً ويساعد في توحيد المعلومات التي يتم جمعها من كافة أذرع الاستخبارات.
وتكشف “هآرتس” علمها بإنشاء قاعدة بيانات لجميع مقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي من صباح الهجوم كجزء من محاولة لتوثيق ما حدث وتحليله.
أزمة قطاع التكنولوجيا
على الرغم من تعاظم دور وخدمات شركات التجسس السيبراني الإسرائيلية، إلا أنه بحسب “هآرتس” أتى ذلك على حساب جيش العدو. فشركات التكنولوجيا الخاصة داخل الكيان، انتقل إليها أبرز الأدمغة الآتية من جيش الاحتلال. بالتالي تعاظمت الشركات على حساب الجيش. ومنذ “طوفان الأقصى”، تم استدعاء العديد من جنود الاحتياط العاملين في تلك الشركات. وتقول بعض الشركات إن ما يصل إلى ثلث عمالها يخدمون حالياً بشكل نظامي. وتنقل الصحيفة عن خبراء قولهم إن هجرة تلك الأدمغة إلى الشركات الخاصة ضربت مجالات الإنترنت والاستخبارات العسكرية. مضيفين أن هذا “النقص في المواهب” أضرّ باستعداد كيان الاحتلال وأعاق رد فعله.