يوم 5 – 9 – 1972 (أي قبل 51 عامًا من اليوم)، نفّذت مجموعة فدائيين من منظمة “أيلول الأسود” عملية في مدينة ميونيخ الألمانية، للمطالبة بالإفراج عن مئات الأسرى الفلسطينيين والعرب والمناضل الأممي (الياباني) كوزو أوكاموتو من المعتقلات الإسرائيلية.
جرى تنفيذ العملية أثناء دورة الألعاب الأولمبية، وكان هدفها تسليط الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني، وأسر إسرائيليين لمبادلتهم بالأسرى الذين تعتقلهم سلطات الاحتلال. نجحت العملية، وجرى الاتفاق بين الفدائيين والسلطات ألمانيا الغربية على الانتقال بطائرة إلى خارج البلاد، لكن نُصب كمين للفدائيين، فوقع اشتباك أدى إلى مقتل 11 إسرائيليًا وشرطيًا وطيارًا ألمانيين، واستشهاد خمسة فدائيين.
في الليلة السابقة للعملية، كتب الفدائيون وصيّتهم بخط اليد. هذه الوصية وثيقة ثورية ذات أهمية بالغة، كونها تكشف عمق رؤية الفدائيين لدورهم، كما لموقعهم في العالم، وموقفهم مما يجري فيه، وتصميمهم على “فعل كل شيء” لتحرير فلسطين، أي “إحياء الوطن” وشعبه.
نص الوصية:
“وصية الشهداء الجماعية”
إلى اخوتي ورفاق الدرب الطويل…
لم نكن نريد أن نكتب وصيتنا لأننا كنا نريد الحياة ولا لأننا نحب الحياة، خاصة حياتنا نحن شعب فلسطين.. الحياة القاسية المريرة، ولكن لأننا نحب أن تستمر حياتنا من أجل أن يستمر نضالنا…. والليلة 4 أيلول من سنة 1972 الساعة العاشرة مساءً، ولم يبقَ على تحركنا سوى ساعات، طرح أحد الاخوة سؤالاً: لماذا لا نكتب كلمة الى رفاقنا والى أهلنا والى احبتنا والى الرأي العام العالمي الذي لا يساوي عندنا شيئاً؟
وبدأنا نتناقش ونكتب حصيلة هذا النقاش وتكوين وصيتنا الجماعية ولتكن أسلوباً جديداً فنحن نشترك في عملية واحدة وقد نموت دفعة واحدة وقد تنجح عمليتنا وينتصر شعبنا كله فلتكن الوصية جماعية ذخراً للمقاومة الخالدة وذخراً لجماعية التفكير والتخطيط والتنفيذ…
وسأل قائد العملية الأخ … نائبه والمسؤول عن مخاطبة الألمان كم لغة تجيد فأجاب الأخ…… إن كنت تعني اللغات التي يتفاهم بها الناس فأنا أجيد الألمانية والإنجليزية والفرنسية وإن كنت تسأل عن اللغة التي يفهمها أعداؤنا فهي لغتنا التي آمنا بها لغة القوة، لغة التحدي والإصرار على الهدف.. لغة السلام الحقيقي الذي لا يتجزأ في فلسطين وفيتنام وكمبوديا ولاوس وأمريكا الجنوبية وأفريقيا وكل بقعة من الأرض عليها مضطهدون يقاتلون من أجل الحرية والعدالة.
ويسأل أحدنا ماذا تتوقعون ردة الفعل على عمليتنا… فأجاب صالح…: يتوقف ذلك على تصرفنا وثباتنا ونجاحنا في إبراز هدفنا الإنساني، نحن لسنا قتلة ولا قطاع طرق نحن مضطهدون لا نملك أرضاً ولا نملك وطناً، ليس لنا هوية ولا جواز سفر، وليس لنا ما نخاف عليه وليس لدينا ما نخاف منه. ولقد صمتنا كلاجئين أكثر من ثمانية عشر عاماً ونحن نتسول الرحمة والشفقة والعطف… كل ما اعطونا اياه اغاثة المستضعفين واعانة الشتاء والصيف.. أما الوطن والأرض فهي لأعدائنا يمرحون ويسرحون الى أن حملنا البندقية وشعرنا بانسانيتنا فتآمروا علينا.. ماذا تتوقع من هؤلاء الأعداء فسيكون فعلهم عنيفا ضدنا.. سيقولون إرهابيون فاشيون قتلة مجرمون إلى آخر هذه الصفات التي لا يستحقها غيرهم……
وسأل احدنا وهل تستجيب دولة الاحتلال الصهيوني الى مطالبنا… فرد الاخ… لا أعتقد… ولكننا سنجبرها هذه المرة على أن تعرف أننا جادون.. ولأننا سننفذ خطتنا كاملة وأن أكبر ضمان لنجاح خطتنا أننا بعنا حياتنا منذ هذه اللحظة ودخلنا بها صفوف الثورة ومن باع حياته من اجل هدف لا بد ان ينجح ولا بد أن ينتصر.
وسأل احدنا وعلاقتنا بألمانيا ماذا سيكون مصيرها… فضحك قائد العملية وهو يقول بأن ألمانيا تمد الكيان الصهيوني بشرايين الحياة فهي تدفع ثمن أخطائها على حساب أخطاء أخرى في حق شعبنا. هل اعدد لك الأموال التي دفعتها ألمانيا إلى عدونا؟ سيطول الحساب….. ورغم ذلك نحن لسنا ضد الشعب الألماني الذي نعرف انه يتطلع الى وحدته ويتطلع لتخلص من الاستعمار والامبريالية المتحكمة ببلاده، ونحن لسنا ضد أي شعب في العالم ولكننا في نفس الوقت نتساءل وذلك من حقنا لماذا يحتل الوفد الصهيوني مكاننا في هذه الدورة…. لماذا يرفع علم الاحتلال القائم على الإرهاب والعنف جنبًا الى جنب مع كل اعلام دول العالم وعلمنا غائب عن الدورة…. والعالم كله يلهو يتفرج ونحن نعاني ونعاني ونقاتل على اكثر من جبهة ولا من اذن تصغي لشكوانا وانين شعبنا… ويا ليت الأمر يتعلق بعدونا وأتباع عدونا ولكن منهم من يدعي العروبة والوطنية وكلهم ممن يدعي الحرص على الشعب والقضية وهذا الذي يؤذي ويؤلم.
هل نسيتم يا شباب أننا نعمل تحت اسم منظمة أيلول الأسود؟؟ هل نسيتم أيلول حسين الخائن؟؟ هل نسيتم أيلول العائلة الهاشمية الخائنة؟ ولكن الدرب طويل وطويل وشاق ولا بد أن ننتقم ولا بد أن تصل الراية من جيل إلى جيل حتى تتحرر الأرض ويتطهر الوطن من العملاء والمأجورين.
وهنا يتدخل أحد الأخوة ويقترح أن يكتب وصيته بنقاط محددة وبعد تسجيل هذا النقاش وإرساله بالطرق السرية.. الليلة 4 أيلول الساعة الواحدة ليلاً إلى قيادتنا السرية.. وكان أن يسجل الأخ هذه النقاط التي وقعنا عليها الجميع:
أولاً: نحن لا نبتغي من عملنا الثوري تنديد العالم وتعكير السلام بقدر ما نقصد أن يفهم العالم ويتفهم حقيقة الدور البشع الذي يمثله الاحتلال الصهيوني على بلادنا وحقيقة المأساة التي يعيشها شعبنا.
ثانياً: أننا نناشد كل أحرار العالم وشرفائه أن يتفهموا اسلوبنا الثوري الذي نرى من ورائه ضرب كل المصالح الاستعمارية والامبريالية في العالم، والذي يرمي الى فضح العلاقات الامبريالية الصهيونية علنا وحتى يعرف شعبنا وتعرف أمتنا العربية والجماهير الثورية في العالم من هي “إسرائيل” ومن هم مناصروها.
ثالثا: نحن جزء لا يتجزأ من حركة الثورة الفلسطينية التي هي جزء من حركة التحرر العربي، وبالتالي فإننا نوصي بأن لا تلقى البنادق الفلسطينية مهما كان التآمر ومهما كان الشقاء ومهما كانت صعوبة الطريق… كما نوصى الأمة العربية أن تتحرك قيادتها ويتحرك رجالها فليس بغير القتال والقتال وحده.. وليس بغير الموت والموت وحده. .وليس بغير الدماء والدماء وحدها يتحرر الوطن وتتحرر الأرض.
رابعا: العالم لا يحترم الا الأقوياء ونحن لن نكون أقوياء بالكلام والإعلان والإعلام ولن نكون أقوياء إلا حين نضع الموت بموضع الحياة ونجعل شرف الالتزام يرتقي الى شرف الممارسة، وبالتالي نكون نعطي شعاراتنا مضمونا نضاليا عمليا يجعل أعداءنا يشكون في قدرتهم على مواجهتنا ونجعلهم نهاية الأمر يرون أن لا مناص لهم إلا التسليم بمطالبنا العادلة..
خامساً: نحن نعتذر لشباب العالم الرياضي الذي يشارك في الدورة الأولمبية ان كنا قد أسأنا إلى مشاعره بعمليتنا ولكننا نطالبه بأن يعرف ان هناك شعبا مضى على بعضهم اكثر من اربع وعشرين عاما احتلت أرضه ودنست كرامته.. شعب يتألم ويعاني، فلا بأس على شباب العالم ان يتفهم حقيقة مأساته لساعات ولتقف المباريات لساعات فهناك شعب مرت عليه سنين وهو يعاني من عدو يحتل مكانه بينكم..
سادساً: إننا لا نهتم أين تدفن وتوارى أجسادنا “فلا يضير الشاة سلخها بعد ذبحها” كما قال أجدادنا ولكننا نوصي شباب الامة العربية ان يحرصوا على الموت حتى توهب لهم الحياة..الحياة لهم ولأوطانهم ولشعوبهم.
سابعا: الى رافقنا في جماعة أيلول الأسود ورفقاء السلاح واخوان النضال من حراس الثورة الفلسطينية وفاؤكم لدمنا ان تستمروا في الطريق والى كل ابناء الامة العربية الذين قضينا من أجلهم، فكلما سقط منا شهيد سينبت مكانه ألف رجل وكل نقطة دم سالت منا وتسيل منكم هي الزيت الذي يضيء لهذه الأمة مشاعل النصر والتحرير.
ثامنا وأخيرا: عذرا يا اخواننا ستجدون مع رسالتنا مبلغ خمسمائة دولار وسبعاً وثلاثين ماركاً حرصنا على توفيرها للثورة لأننا نعرف أنه قد يأتي اليوم الذي تكونوا بحاجة الى هذا المبلغ من المال على ضآلته.. واسلموا لنا ثوارا مناضلين واسلموا رافعين راية التحرير
عاش شعبنا الفلسطيني
عاشت امتنا العربية
وعاش ثوار العالم الاحرار
نحن ثوار عملية “كفر برعم واقرت” في ميونخ نعاهد شعبنا أن لا نتخاذل أو نتهاون في تأدية المهمة التي كلفنا بها وأن وأرواحنا ستكون رخيصة في سبيل حرية أسرانا في سجون الاحتلال، ونحن لا نقصد من وراء عملنا قتل الابرياء فنحن نقاتل من أجل العدالة و نكافح ضد الظلم ولكننا من أجل المضطهدين سنفعل كل شيء.