مجموعة حقائق تتعلق بالقضية الفلسطينية، وكل من وجود الكيان الصهبوني، والمشروع الصهيوني:
أولًا: عدم شرعية الكيان الصهيوني من وجهة نظر القانون الدولي، وعدم شرعية القرار رقم 181 الصادر عن الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة، وهو القرار الذي قسّم فلسطين إلى دولتين يهودية، وفلسطينية عربية، وقد استندت إليه الوكالة اليهودية عام 1948 لإعلان “دولة إسرائيل”.
يقضي القانون الدولي الخاص بالاستعمار والمستعمرات، وقد عبّر عنه إعلان “منح الاستقلال للسكان والشعوب المستعمرة”، بأن الحق الحصري في تقرير مصير المستعمرات، بعد رحيل الاستعمار، هو للشعب الذي كان يشغل البلد الذي استُعمِرَ، في لحظة احتلاله، فهو المرجع القانوني الدولي في إعلان دولة الاستقلال.
وعندما يطبّق على فلسطين يكون صاحب الحق في تقرير المصير هو الشعب الفلسطيني، الذي كان يسكن فلسطين عام 1917، عام احتلال فلسطين من قِبَل الجيش البريطاني.
ولهذا يكون قرار التقسيم رقم 181 الصادر عام 1947 (بأغلبية ثلاثة أصوات فقط) باطلًا، بسبب مخالفته الصريحة للقانون الدولي، الذي لا يعطي شرعية لتقرير مصير فلسطين بعد رحيل الاستعمار البريطاني (الانتداب البريطاني)، إلّا للشعب الفلسطيني الذي كان يقطن فلسطين 1917.
ثانيًا: هذا ويقضي القانون الدولي المشار إليه ببطلان أي تغيير ديموغرافي (سكاني) وأي تغيير جغرافي أحدثته سلطات الاستعمار خلال المرحلة الاستعمارية. الأمر الذي يعني أن كل ما جرى من هجرة يهودية باطل وغير شرعي، من وجهة نظر القانون الدولي الذي يستتبع، بدوره، لا شرعية الاستيطان، لاحقًا، مما يجعل من الباطل وغير الشرعي تقسيم فلسطين وإعطاء المستوطنين غير الشرعيين اليهود إقامة “دولة إسرائيل”، بموجب قرار من الجمعية العامة، على 54% من أرض فلسطين.
وهنا يمكن أن يضاف، وبأعلى درجات الطمأنينة، لا شرعية قرار التقسيم الرقم 181 لعام 1947 الصادر عن الجمعية العامة. فميثاق هيئة الأمم لا يعطي أية شرعية أو حق في تقرير مصير فلسطين للجمعية العامة لمخالفته الميثاق نفسه، ولاعتدائه على القانون الدولي نفسه. ولولا هذا التقييد لأخذت الجمعية العامة “حق تقرير مصير” أية دولة من الدول، أو تقسيمها إلى دولتين أو أكثر. ولهذا لا يجوز أن تعامل فلسطين خلاف ذلك، فتقرر الجمعية العامة، وبأقلية فاضحة، تقسيم فلسطين بموجب القرار 181 لعام 1947.
ثالثًا: عدم شرعية عضوية “دولة إسرائيل” في هيئة الأمم. وهو أمر يفترض أن لا جدال فيه أيضًا. لأن قبول العضوية اشترط، أولًا، أن يُطبّق الكيان الصهيوني القرار 181، أي الانسحاب إلى الحدود التي رسمها القرار المذكور، كما اشترط ثانيًا، إعادة الذين هجروا من ديارهم. وكان الجيش الصهيوني قد احتل 24% من فلسطين، زيادة على تلك الحدود، وهجّر ثلثي الشعب الفلسطيني.
ارتبط قبول عضوية “إسرائيل” في هيئة الأمم بتطبيق القرارين 181 (العودة لحدود القرار) و194 (قرار إعادة الذين هجّروا في حرب 1949). وقد تضمنهما قرار قبول العضوية الرقم 273 في 11 أيار/مايو 1949. وجاء ذلك بعد أن أعلن مندوب الكيان الصهيوني للأمم المتحدة التزام “إسرائيل” بهذين القرارين، فضلًا عن الالتزام بمبادئ الميثاق. ولكن لم ينفذ الكيان الصهيوني هذين القرارين، بل سحب عمليًا التزامه بالاعتراف بهما، وذلك بعد حصوله على العضوية المشروطة.
بكلمة، إقامة الكيان الصهيوني من حيث أتى، يُعتبر باطلًا من وجهة نظر القانون الدولي، وكذلك تعتبر عضويته في هيئة الأمم باطلة. كما يعتبر كل ما حدث من هجرة يهودية واستيطان، بدوره، باطلًا.
هذا على المستوى القانوني الدولي، ووفقًا لمبادئ ميثاق هيئة الأمم المتحدة، ولكن الكيان الصهيوني، من جهة، وما سميّت “المسيحية الصهيونية الأمريكية” (لا علاقة لها بالمسيح أو المسيحية)، من جهة ثانية، راحا يطرحان “رواية” تاريخية لـ”حق يهودي في فلسطين”، اعتمادًا على التوراة التي بين أيديهما. وقد أكد عدد من علماء الآثار، أن لا أثر في فلسطين يدعم تلك الرواية، كما لا وثيقة تاريخية مصرية أو آشورية أو كلدانية أو فارسية، تدعم ذلك أيضًا.
فعلى سبيل المثال، نشرت “هآرتس” في 18/11/1999، لزئيف هرتسوغ، أستاذ علم الآثار وحضارة الشرق القديم في جامعة تل أبيب، قوله “بعد سبعين عامًا من الحفريات المكثفة في أرض فلسطين، توصل علماء الآثار إلى نتيجة مخيفة، لم يكن هناك شيء على الإطلاق. حكايات الآباء مجرد أساطير”، ولذا ينصح اليهود بالتفتيش عن تاريخ آخر لهم.
لو تجاهلنا ما قاله هرتسوغ، وقبِلنا على سبيل الافتراض بأن يناقش الادعاء بحق تاريخي، لدبّت الفوضى في العالم. وذلك حين يقرّ بأن ثمة تاريخًا ما ليهود في فلسطين قبل ألفي عام، أو أكثر أو أقل، يعطيهم حقًا مستمرًا إلى يومنا هذا، متجاوزًا حقًا عربيًا إسلاميًا، ترسّخ في فلسطين على مدى ألف وأربعمائة سنة، في الأقل، بصورة دائمة ومتواصلة حتى اليوم. أمّا قبل ذلك، فكان الوجود العربي في فلسطين، وبلاد الشام، حاضرًا على مرّ العصور.
كيف يمكن أن يقرّ حق لشعب أو قوم، انقطع وجوده عن بلد ما عدة قرون أن يعود إليها، ويقتلع شعبها الذي يسكنها منذ قرون. وماذا يحدث حين يصبح حقًا وسابقة عالمية؟ فعلى سبيل المثال، ماذا يحدث في الحياة الدولية إذا استخدم العرب الذين أقاموا حضارة شامخة لسبعة قرون في إسبانيا، هذا “الحق”. وهنالك أمثلة أخرى في العالم. من هنا أيضًا يلحظ التزوير الافتراضي العالمي لما تدعيه الصهيونية من “حق تاريخي” في فلسطين.
ومن ثم إن مثل هذا الادّعاء أو “الحق” لا يقبل به القانون الدولي الذي يستند على أحقيّة كل شعب، في البلاد التي يسكنها، منذ زمن. ولا حجة لمثل ذلك الادّعاء الأخرق الذي يستند إلى وجود يهودي سابق في فلسطين قبل ألفين من السنين. من هنا تكون الرواية التاريخية باطلة، بسبب ادّعائها وجودًا لم يثبته التاريخ، ولا علم الآثار، من جهة، وباطلة حتى لو صحّ ذلك الوجود فرضًا، من جهة ثانية، وقد عفا عليه الزمن.
ومن ثم كيف يصح اقتلاع الشعب الذي يسكن بلده، والحلول مكانه. فهذا قطعًا غير مقبول، من جهة، وهذا مناقض قطعًا، لواقع الشعوب العالمي، من جهة ثانية.
لقد ارتكبت بريطانيا، في زرع الكيان الصهيوني في فلسطين جريمة كبرى، فرضتها بحراب الاستعمار، وبظلم دولي شنيع، تحولت إلى غدّة سرطانية في جسم الأمة العربية والإسلامية. وقد يصل عدواها وانتشارها ليشمل العالم كله.
والدليل الساطع ما راح الكيان الصهيوني يرتكبه من جرائم إبادة للمدنيين، وتدميره شبه الشامل (80%) للمعمار في قطاع غزة. فمنذ أول يوم لإقامته، وطوال وجوده حتى الآن، أظهر أنه غير قابل حتى للتعايش مع شعب فلسطين، وشعوب العرب والمسلمين. وذلك لما يحمله من أحقاد أيديولوجية، ومن تصرفات استعلائية، واعتماد لسياسات القوّة والارهاب، وأخيرًا اللجوء إلى جرائم القتل الجماعي.
وإذا كان احتلاله لكل فلسطين، وتبني سياسة ترحيل الفلسطينيين غير قابلة للتنفيذ، كما أثبتت ذلك صراعات 75 عامًا، فالحل لا يكون إلاّ برحيله. وهو الحل الممكن والوحيد. وقد أخذت مؤشرات هذا الحل تظهر، بعد “طوفان الأقصى”، أكثر فأكثر.