أتت معركة “طوفان الأقصى” بضربةٍ افتتاحيةٍ ضد “فرقة غزّة” التي عطّلتها عن الخدمة. وقعت هذه الفرقة ما بين قتيلٍ وأسيرٍ وجريح، ومن هؤلاء القتلى قائد وحدة الاتصالات في الفرقة، المقدّم سهار مخلوف. يهدف هذا النص إلى التعريف المبسّط للفرقة التي هزمها جنود النخبة في “كتائب الشهيد عزّ الدين القسّام”، مفصّلًا محطاتها في محاولات سحقها لمقاومة الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة، منذ نشأتها في خضم الانتفاضة الأولى وجولاتها البرّية في معارك “الفرقان” و”العصف المأكول”، وعملها الاستخباري، حتى استعداداتها للاجتياح البرّي في معركة “طوفان الأقصى”.
النشأة
تأسّست “فرقة غزّة” أثناء الانتفاضة الأولى، وقد سمّيت رسميًا بـ”فرقة ثعالب الجنوب (643)”. جنبًا إلى جنب مع “فرقة سيناء”، “فرقة النقب”، و”فرقة المدرعات”، شكّلت تلك الفِرَق، مع “فرقة غزّة”، القيادة الجنوبية لجيش العدوّ. وقد انحصرت مهمة “فرقة الثعالب” في الأعمال البوليسية التي فرضتها طبيعة الانتفاضة: هدم البيوت، الاعتقالات، وفض التظاهرات بالرصاص الحي وبالهراوات. وقد أُسّست وحدة “شمشون” في فرقة غزّة لكي تكون رديفًا لوحدات المستعربين مثل “الدوفدوفان”، وبعد تأسيس سلطة أوسلو حلّت “شمشون” وضمت إلى “الدوفدوفان”. وبعد الانتفاضة الأولى، نقلت قيادة “الثعالب” إلى تجمّع مستوطنات “غوش قطيف،” وأوكلت إليها حماية تلك التجمّعات الاستيطانية والعمل مع باقي وحدات جيش العدوّ وشرطته لسحق خلايا “كتائب القسّام” الأولى التي نشأت في قطاع غزّة. وفي الانتفاضة الثانية أوكلت إليها مهمة ملاحقة المطارَدين مع وحدات المستعربين التابعة لحرس الحدود في شرطة العدوّ. ومن بعد تحرير القطاع في عام 2005، نُقِل مقر الفرقة إلى قاعدة “أوريم” المبنية على أنقاض قرية العمارة قبل نقل الفرقة مجددًا إلى قاعدة “ريعيم” في عام 2008، وقد أعيدت تسمية الفرقة إلى “فرقة ثعالب النار (143)” في عام 2015.
وحدات الفرقة
وكما أردفنا، تتكوّن “فرقة غزّة” من وحدة “شمشون” التي حُلّت، ووحدة “فرسان الفولاذ” المسؤولة عن تدمير أنفاق المقاومة، وحماية ما يسمى صهيونيًا بـ”محور فيليديلفاي” وهو خط الحدود ما بين قطاع غزّة ومصر، خوفًا من تهريب الأسلحة وبناء الأنفاق التي يمكن أن تمتد إلى داخل حدود أراضي الـ48.
وهناك أيضًا وحدة “القطط الفولاذية” المسؤولة عن تأمين الحدود ما بين غلاف غزّة والقطاع بما يلزم ضد الصواريخ المضادة للدبّابات التي تمتلكها المقاومة، وعمل الوحدة يشمل تأمين الجرّافات لأي اجتياحٍ برّي أو توغّلٍ على الأراضي الزراعية في قطاع غزّة. وهناك وحدةٌ أخرى تتقاطع مهمتها مع مهمة “فرسان الفولاذ” المسماة بـ”وحدة المختبر التكنولوجي لاكتشاف الأنفاق،” وهي المسؤولة عن اكتشاف أنفاق المقاومة من خلال تجميع المعلومات الاستخباراتية وتحليلها للوصول إلى شبكات الأنفاق. إضافةً إلى ما ورد أعلاه، توجد أيضًا وحدة الاتصالات التي قُتل قائدها في أوائل ساعات “طوفان الأقصى”، المسؤولة عن إيصال المعلومات الميدانية إلى القيادات العليا في جيش العدوّ. وتتوزّع جغرافيا غزّة إلى ثلاث وحدات في الفرقة: الشمال والجنوب والوسط، وتشرف تلك الوحدات على حماية غلاف غزّة من أي هجوم برّي للمقاومة. وهناك أيضًا وحدةٌ مختصة بحراسة حاجز بيت حانون المسمى صهيونيًا بـ”معبر إيريز”. وبالنظر إلى تلك الوحدات العسكرية التي حلّت محل مستوطنات “الناحال” التي تقع في غلاف غزّة في حراسة الغلاف، يمكن لنا رؤية الإصرار على منع الفلسطينيين من العودة إلى أراضيهم أو مقاومة الاحتلال، وعلى تضييق الحصار على أهالي قطاع غزّة.
“الوهم المتبدّد” و”أمطار الصّيف”: أول ضربةٍ للفرقة
أتت عملية “الوهم المتبدّد” (25 حزيران 2006) لتضرب عرض الحائط بالتشديدات الأمنية التي قامت بها “فرقة غزّة” لمنع العبور عبر الحدود، حيث قام مقاومي “القسّام” و”ألوية الناصر صلاح الدين” بأسر الجندي في لواء “جفعاتي”، جلعاد شاليط، من خلال عمليةٍ معقّدة تضمنّت سلسلة من الأنفاق التي عبرت إلى أراضي غلاف غزّة. ومن بعدها شنّ جيش الاحتلال عملية “أمطار الصيف”، حيث اجتاح قطاع غزّة بحثًا عن شاليط مدة خمسة أشهر، ولم يفلح في أهداف عمليته. وكانت “فرقة غزّة” في الصفوف الأمامية التي تقود وتخطط لهذه العملية العسكرية، حيث قُتل خمسة جنود لهم في هذه الجولة. وأتت هذه الهزيمة لفرقة غزّة لتشكّل نذيرًا لهزائمهم الأخرى في السنوات اللاحقة.
معركة “الفرقان”: محاولة لسحق المقاومة
بدأت معركة “الفرقان” (2008-2009) بعد خرقٍ لوقف إطلاق النار من قِبَل الاحتلال، حيث أراد الاحتلال من هذه المعركة شلّ القدرة الصاروخية للمقاومة. وتوغّل الاحتلال برّيًا لذلك، مستخدمًا “فرقة غزّة” مرةً أخرى. وبالرغم من قصف الاحتلال وتوغّله البرّي واغتياله للشهيد نزار ريّان، لم يستطيع “شلّ قدرة حماس الصاروخية”، كما صرّح إيهود باراك، رئيس الوزراء آنذاك. وانتهت المعركة بمقتل 48 جنديًا من الفرقة. وبعد هذه الجولة، ركّز الاحتلال على استخدام سلاح الجو، كما بيّنته معركة “حجارة السجّيل” (2012) التي بدأت باغتيال نائب القائد العام لـ”كتائب القسّام” أحمد الجعبري. وبيّنت تلك المعركة أيضًا هشاشة معركة “الفرقان” إسرائيليًا، حيث أطلقت “القسّام” فوق الـ 1500 قذيفة صاروخية على المستوطنات الصهيونية وقصفت، ولأول مرة في تاريخ صراعنا مع الصهيونية، مستوطنة تل أبيب.
معركة “العصف المأكول”: الشجاعية مقبرةٌ للغزاة
انتهت معركة “العصف المأكول” في عام 2014 لكي تدشّن سطرًا جديدًا في نضال المقاومة الفلسطينية، حيث قصفت حيفا لأول مرة، وأجريت “بروفة” صغيرة لمعركة “طوفان الأقصى” تمثّلت في عمليات “ناحال عوز”، موقع أبو مطيبق العسكري، وإنزال “زيكيم”. توغّلت فرقة غزّة هذه المرة برّيًا ظنًا منها أن القصف قد أضعف قوّات المقاومة، لكنهم فوجئوا ببأس المقاومة في حي الشجاعية الذي خلّف عددًا من القتلى، والكثير من الجرحى أشهرهم قائد لواء “جولاني،” غسّان عليّان. وقد أوقفت معركة الشجاعية، جنبًا إلى جنب مع رشقات المقاومة الصاروخية، اجتياحًا كاملًا لقطاع غزّة، فبعد تلك المعركة بالتحديد أخذ الاحتلال يبحث عن مخرج من غزّة، ووُقّع على وقف إطلاق نار وانتهت الحرب، مرةً أخرى، بانتصارٍ للمقاومة، حيث لم تُضَر قدرتها الصاروخية ولم تطل يد الاغتيال أيًا من قادتها في الصفوف الأولى. وقد شاركت “فرقة غزّة” في هذه المعركة جنبًا إلى جنب مع لواء “جولاني” و”جفعاتي” وسلاح الجوّ.
“حدّ السّيف” و”صيحة الفجر”: التماهي ما بين “فرقة غزّة” وباقي أجهزة العدوّ
في عام 2018 توغّلت وحدةٌ من قوّات “سيريت ماتكال” المختصّة في الاغتيالات خلف خطوط العدوّ (كمال ناصر وكمال عدوان وأبو جهاد الوزير)، في مدينة خانيونس تجهيزًا لعملية اغتيالٍ مرتقبة بناءً على معلوماتٍ استخباراتية شاركت في جمعها “فرقة غزّة” التي تتوّلى، مع جهاز “الشاباك”، مهمة مراقبة غزّة. أتت تلك القوّة ظنًا منها أن خاصرة المقاومة رخوة، وانتهت مهمتها بالفشل الذريع، حيث اكتشفها الشهيد نور الدين بركة، وتم تصفية جندي واحد على الأقل من القوّة التي هربت من القطاع باستخدام هيليكوبتر الاباتشي الشهير. وبعد ذلك التوغّل، صعّدت المقاومة قصفها للمستوطنات حتّى أتى وقف إطلاق النار.
انحصر دور “فرقة غزّة” في هذه الجولة، وفي معركة “صيحة الفجر” (2019) التي تلتها، بالدور الاستخباراتي البحت، حيث أصبحت المسؤولة عن رصد أي تحركاتٍ على الحدود، والتنسيق ما بين “الشاباك” وجيش الاحتلال، وجمع المعلومات عن الوضع الميداني في غلاف غزّة. ومن هنا، يمكن لنا ملاحظة تغييرٍ جذريّ لعقيدة الاحتلال في التعامل مع المقاومة في غزّة، حيث أصبحت الفرقة بنكًا من المعلومات بدلًا من قوةٍ محاربة، وفضّل الاحتلال جولاتٍ متقطعة من التصعيد مبنية على اغتيالاتٍ تضرب خاصرة المقاومة بدلًا من الحرب الشاملة التي تضر بمصالحه. وتفنّنت “فرقة غزّة” في تلك الفترة بسحق مسيرات العودة من خلال القنص، وانحصر دورها القتالي في المحافظة على “جدارها الحديديّ” من السيل البشري الفلسطيني.
“سيف القدس” و”مترو حماس”
فُعّل سلاح الجوّ في معركة “سيف القدس” (أيار 2021)، وكان هناك حديثٌ عن توغّلٍ برّي لـ”فرقة غزّة” وباقي قوّات الاحتلال، وتلك الإشاعات كانت مبنية على حملةٍ ممنهجة شاركت فيها عدّة قنوات عربية أشهرها قناة “الجزيرة” التي روّجت لتلك الإشاعة. أرادت “إسرائيل” من هذه الكذبة أن تجرّ مقاومي “القسّام” إلى الأنفاق التي جمّعت “فرقة غزّة” المعلومات الاستخباراتية اللازمة لكي يقصفها سلاح الجوّ، فتعدّ ضربةً قاصمة للمقاومة في “عقر دارها”، وبدون تحريكٍ لأي آليةٍ للاحتلال عبر الحدود. مُنيت هذه العملية، التي سمّيت بعملية “مترو حماس”، بالفشل الذريع، واستطاعت المقاومة أن تسطّر انتصارًا وردعًا أسّس لمعركة “طوفان الأقصى” بعد سنتين.
“وحدة الساحات” و”ثأر الأحرار”: سلاح الجوّ حصرًا
ترسيخًا للعقيدة التي فضّلت سلاح الجوّ على التوغّل البرّي، أتت معركتا “وحدة الساحات” و”ثأر الأحرار” لكي تقلّل ضمنيًا من فاعلية “فرقة غزّة”. استُخدم سلاح الجوّ بكثافة، وأكثره المسيّرات الانتحارية، لاغتيال خيرة قادة المقاومة في “سرايا القدس”. فمثلما حصل في “سيف القدس”، و”صيحة الفجر”، أتى سلاح الجوّ لكي يدمّر ويغتال، فالذي لا يستطيع جيش العدوّ فعله برًا بسبب عامل الردع التي رسّخته المقاومة في “العصف المأكول”، يفعله جوًا وبخسائرٍ أقل نسبيًا.
“طوفان الأقصى”: الفرقة تحت أقدام “النخبة”
إدراكًا منها لإعداد العدوّ ضربةً قادمة للمقاومة بعد الأعياد اليهودية، شنّت “القسّام” هجومًا استباقيًا سمّته “طوفان الأقصى”، حيث تم اقتحام جميع مستوطنات غلاف غزّة، وأيضًا قاعدة “ريعيم” التي تحوي “فرقة غزّة”. وفعلت “القسّام” ما فعلت من أسرٍ وقتلٍ وجرحٍ لجنود الاحتلال ومستوطنيه، وعطّلت وأخرجت الفرقة من الخدمة كلّيًا بعد الضربة الافتتاحية لـ”طوفان الأقصى”. وتظهر تلك الضربة فشلًا استخباراتيًا للفرقة، إذ هي تضمّ وحدتين على الأقل مختصة في رصد وتدمير أنفاق المقاومة، وبحسب مهمتهم فهم مسؤولون أيضًا عن مراقبة السياج الفاصل في سياق حماية مستوطنات غلاف غزّة، وقد فشلوا في هذا أيضًا. وهناك وحدةٌ كاملة لحراسة ومراقبة حاجز بيت حانون، تلك الوحدة التي دمّرت كليًا في هجوم “القسّام” الافتتاحي. وما عمليات الإنزال والإمداد والاشتباك التي حصلت في غلاف غزّة سوى برهان على إخراج الفرقة من الخدمة.
يذكر أن آخر توغّلٍ بريٍّ لـ”فرقة غزّة” كان قبل 9 سنوات، وخاضت المقاومة عدة جولات من بعد “العصف المأكول” أذاقت فيها المحتل مرّ العلقم، وقد كانت تلك الجولات تستدعي توغّلًا بريًا واسعًا لكن ذلك لم يحصل.