للمرة الثالثة في أقل من أسبوع، تصدّت المقاومة الفلسطينية لمحاولة قوات الاحتلال التوغل داخل قطاع غزة.
بعد المحاولة الأولى، كشف المستشار السابق في وزارة الدفاع الأمريكية، دوغلاس ماكغريغور، أن قوة أمريكية إسرائيلية مشتركة حاولت دخول القطاع لجمع معلومات عن الأسرى الإسرائيليين الموجودين لدى المقاومة، فتعرّضت لإطلاق نار و”تحوّل الجنود إلى أشلاء”.
في المرة الثانية، سعى جيش الاحتلال إلى دخول غزة براً وبحراً، فتصدّت له المقاومة ومنعته من تحقيق هدفه.
المرة الثالثة، ليل 27-28 أكتوبر 2023، كانت الأعنف. شنّ جيش الاحتلال غارات جوية هي الأعنف في تاريخ الأراضي الفلسطينية. قطَعَ الاتصالات عن غزة تماماً، وبدأ عملية برية من شمال القطاع ووسطه.
هذه المرة أيضاً، باءت محاولته بالفشل.
بعد 22 يومًا على “طوفان الأقصى”، لم يتمكّن جيش الاحتلال من تحقيق أي إنجاز. جيش يُقال إنه الأقوى في منطقتنا، عاجز حتى الآن عن معرفة العدد النهائي لقتلاه في 7 أكتوبر، كما عن الحصول على أي معلومة عن أسراه، وبينهم ضباط برتب عالية.
ما “حقّقه” حتى الآن هو قتل أكثر من 7000 مدنيّ، وتدمير مبانٍ سكنية، وقصف المخابز والمراكز الصحية والتعليمية..
هذا الجيش يقول مسؤولون إسرائيليون وأمريكيون سابقون إنه عاجز عن تحقيق النصر في أي عملية برية. ولأجل ذلك، ينصحونه بالاستمرار في نشر الموت، مراهنين على أن هذا الأمر سيحقق لهم استسلام غزة.
لماذا لم يدخل جيش الاحتلال إلى غزة بعد، رغم حشده نحو 100 ألف جندي عند حدود منطقة لا تتجاوز مساحتها 365 كلم مربع؟
1- عدم ثقة رئيس حكومة الكيان الصهيوني، بنيامين نتنياهو، بقدرة الجيش على “تحقيق النصر”. استمع نتنياهو إلى مفوّض الشكاوى السابق في جيش الاحتلال، اسحق بريك، الذي نصحه بعدم خوض الحرب البرية. وكذلك فعل رئيس الأركان السابق غابي أشكينازي، الذي التقاه نتنياهو أيضاً. بريك وأشكينازي من أكثر الشخصيات العسكرية الاسرائيلية معرفة بجيش الاحتلال. الأول كان مفوّض الشكاوى، أي أنه يعرف مشكلات جيشهم من أحذية الجنود وطعامهم وتدريبهم وتجهيزاتهم وحالاتهم النفسية، إلى مشكلة غياب التنسيق بين الأذرع المختلفة لآلة القتل الصهيونية. أما أشكينازي، فهو الذي أعاد تشكيل جيش الاحتلال بعد حرب العام 2006 مع لبنان، والتي انتهت بفشل ذريع لـ”إسرائيل”. والاثنان قالا لرئيس حكومة الاحتلال إن غزة وأنفاقها ووجود نحو 50 ألف مقاوِم فيها كلها عوامل ستجعل جيش الاحتلال يدفع ثمناً أكبر من قدرته على الاحتمال، في حال تقرر شن حرب برية بهدف احتلال القطاع.
وعدم الثقة مبني أيضًا على أن قادة جيش الاحتلال جميعهم معرّضون للمساءلة بسبب ما جرى في “طوفان الأقصى”. وبالتالي، هم يُظهرون “حماسة” لشن حرب برية شاملة على غزة، تسمح لهم باستعادة صورة الأبطال.
2- الجيش الأمريكي الذي يدير المعركة العسكرية ضد غزة، غير متحمّس لخوض حرب برية شاملة. وبحسب ما نشرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، فإن واشنطن تفضّل حربًا تعتمد على سلاح الجو، مع عمليات برية خاصة ومحدودة. حتى الآن، يطبّق جيش الاحتلال التعليمات الأمريكية. وهم في النهاية يتوقّعون تحقيق الفوز بهذه الطريقة.
3- المستوى السياسي في الولايات المتحدة، طلب من قيادة الاحتلال التراجع عن خيار الحرب البرية الشاملة على قطاع غزة، في انتظار وصول قوات عسكرية أمريكية إضافية إلى المنطقة، من بينها حاملة الطائرات الثانية التي تقرر إرسالها إلى شرق المتوسط بعد الأولى التي وصلت عقب “طوفان الأقصى”. ويعتقد الأمريكيون أن وجود قوات إضافية من جيشهم سيردع أعداء “إسرائيل” عن شن حرب عليها لمنعها من تحقيق أهدافها في غزة.
4- المخاوف الإسرائيلية من فتح جبهة إضافية مع لبنان، بعدما بدأ حزب الله عمليات عسكرية بوتيرة يومية على الحدود مع فلسطين المحتلة، بهدف إشغال جزء كبير من قوات جيش الاحتلال في الشمال، لضمان عدم استخدامها على الجبهة مع غزة. ويتخوّف الكيان من أن تتحوّل الجبهة الشمالية من جبهة “إشغال” لثلاثة فرق من الجيش الإسرائيلي، إلى جبهة حرب، فيما لو قرر الصهاينة شن “حرب اجتثاث” ضد المقاومة في غزة.
5- الولايات المتحدة الأمريكية تعبّر عن غياب الرغبة لديها بإشعال المنطقة برمّتها، بعد الرسائل الميدانية التي تلقتها في العراق وسوريا، حيث تعرّضت قواعدها لأكثر من 17 عملية إطلاق صواريخ وطائرات مسيّرة مفخخة. هذه العمليات، كما إطلاق الصواريخ والمسيّرات من اليمن باتجاه قواعد جيش الاحتلال في فلسطين، تُنذر باشتعال الإقليم، في حال خيضت الحرب البرية لتحقيق الهدف الذي أعلنه الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية، ألا وهو القضاء على المقاومة في قطاع غزة.
ما الخيارات إذاً؟
كما في يوم 7 أكتوبر، وضع “طوفان الأقصى” كيان الاحتلال وداعميه في مأزق. ما يجيدونه هو القتل بالنيران البعيدة، بواسطة سلاح الجو. أما في السياسة، فخياراتهم محدودة: إما التراجع عن الحرب البرية الشاملة ضد غزة، واللجوء إلى العمليات البرية المحدودة، وإما التراجع بعد دفع ثمن كبير في حرب لن يتمكنوا فيها من احتلال القطاع.