كشف تحقيق مشترك أجرته «شبكة البلقان للتحقيقات الاستقصائية» وصحيفة «هآرتس» الإسرائيلية في الـ10 من يونيو 2024، عن سلسلة من صادرات الأسلحة الصربية إلى «إسرائيل» هذا العام، في ظلّ حرب الإبادة المستمرة على الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة والضفة الغربية. المعلومات تأتي بعد حوالي 8 أشهر من الكشف عن المجازر الصهيونية بحقّ الفلسطينيين، والتدمير المُمنجح للمستشفيات والمدارس والبُنى التحتية، فضلًا عن الحصار المُستمر المفروض على قطاع غزّة ومنع الحياة عن سكّانها. صورة كيان الاحتلال بشعوب دول العالم اهتّزت، وحكومات عدّة أُجبرت على تعديل خطابها ومواقفها تبعًا لمُجريات الميدان. أمام ذلك، يبدو الأمر فضيحة عارمة لصربيا، التي تكشف التحقيقات أنّها أيضًا شريكة في سفك الدم الفلسطيني وسرقة الأرض.
ماذا نعلم؟
حدّد التحقيق المُشترك ستّ رحلات جوية عسكرية إسرائيلية، من بلغراد إلى «قاعدة نيفاتيم» الجوية بالقرب من بئر السبع في الفترة ما بين فبراير ومايو من العام الحالي، تزامنت مع مبيعات أسلحة صربية بقيمة 15.7 مليون يورو إلى «إسرائيل». وأصّرت صربيا على بيع شحنات الأسلحة على الرغم من ثبوت أن الأعمال العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزّة تتخذ طابع الإبادة الجماعية في ظل دعوات خبراء وهيئات الأمم المتحدة لوقف عمليات نقل الأسلحة بسبب خطر تسهيل انتهاكات القانون الإنساني.
وبحسب التحقيق، فإنّ طائرتين عسكريتين إسرائيليتين هبطتا في بلغراد في 18 مارس الماضي، تزامنًا مع تصدير شركة «يوغو إيمبورت» ( شركة الأسلحة الصربية المملوكة للدولة) أسلحة بقيمة 14 مليون يورو إلى «إسرائيل» في ذلك الشهر، وهي أكبر شحنة من هذا النوع منذ سنوات.
ووصلت ثلاث طائرات عسكرية إسرائيلية أخرى في 26 مايو الماضي، مصحوبة بصادرات أسلحة بقيمة 1.17 مليون يورو. وإجمالًا منذ أكتوبر 2023، صدّرت صربيا أسلحة بقيمة 16.3 مليون يورو إلى «إسرائيل»، ولا سيما الذخيرة والمتفجرات، كما نقل تقرير «هآرتس» و«شبكة البلقان» عن بيانات الجمارك.
ورد في التقرير تعليق من محلل السياسة الخارجية الصربي، بوسكو ياكسيتش أنّ «زيادة تصدير الأسلحة والذخائر إلى إسرائيل في الوقت الحالي لا يمكن أن يكون مدعاة للفخر»، مضيفًا أنّه «عندما تُقاضى إسرائيل بتهمة الإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية، فإن التواطؤ في القتل الجماعي للفلسطينيين لا يجلب الشرف لأحد».
دعم صربي رسمي للاحتلال
تتلاقى صادرات الأسلحة الصربية إلى العدّو مع الدعم السياسي القوي الذي يُقدّمه الرئيس الصربي، ألكسندر فوتشيتش، إلى كيان الاحتلال. فبعد مكالمة هاتفية مع رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو في فبراير الماضي، تحدّث فوتشيتش عن «مزيد من التقدّم في العلاقات الثنائية»، بينما أعرب نتنياهو عن امتنانه لـ«دعم فوتشيتش الثابت، قولًا وفعلًا».
صربيا تخرق القانون الدولي
استمرت مبيعات الأسلحة لكيان العدّو على الرغم من التدقيق القانوني الدولي المتزايد في تصرفاته. وبعد أن أمرت محكمة العدل الدولية بمنع أعمال الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، أيّد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الدعوات لوقف عمليات نقل الأسلحة التي يمكن أن تُسهّل المزيد من الانتهاكات في غزة. وفي شهر مايو، سعى المُدعّي العام للمحكمة الجنائية الدولية إلى إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وآخرين بسبب ارتكابهم جرائم حرب.
كيان العدّو يمسح رجليه بكلّ القرارات الدولية. فقد أشار خبراء عسكريون في التحقيق الصحافي إلى أن «إسرائيل» تسعى للحصول على ذخيرة صربية مثل قذائف المدفعية عيار 155 ملم من إنتاج مصنع «كروسيك» الصربي، بالإضافة إلى مكونات المتفجرات للإنتاج المحلي، وسط نقص في الإمدادات على الخطوط الأمامية بسبب شدة القصف على قطاع غزة. بالإضافة إلى الحصول على ذخائر موجّهة وغير موجّهة للطائرات، بما في ذلك قنابل جوية لاختراق المخابئ، وصواريخ لأنظمة الدفاع الجوي، كما أسلحة المشاة والذخائر ذات العيار الصغير.
يُشار إلى أنّ صادرات صربيا من الأسلحة إلى كيان الاحتلال كانت منخفضة نسبيًا في السابق، لكنها ارتفعت خلال العام الحالي بعد توثيق الرئيس الصربي العلاقات مع حكومة نتنياهو. ونقل التقرير عن بعض المحللين قولهم إن فوشيتش يستخدم تجارة الأسلحة ربما لتعزيز مكانته مع القوى الغربية.
وقد أدانت جماعات حقوق الإنسان بشدة خط الأسلحة الصربية إلى «إسرائيل». وقالت الباحثة في شؤون صربيا لدى منظمة «العفو الدولية»، ميريانا نيكوليتش، إن «صربيا متواطئة في انتهاكات قواعد الحرب من خلال الاستمرار في تسليح الجُناة».
أسلحة من أمريكا وألمانيا أيضاً
يُذكر أنّه في 24 مارس الماضي، كشفت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» العبرية عن بيانات جديدة صادرة عن معهد «ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)» توثّق مدى اعتماد «إسرائيل» على واردات الأسلحة من الولايات المتحدة وألمانيا، في الوقت الذي تتزايد فيه الدعوات الدولية للحد من مبيعات الأسلحة إليها. فوفقًا لتقرير «معهد ستوكهولم» لعام 2023، فإن 99% من واردات كيان الاحتلال من الأسلحة تأتي من دولتين فقط:
– 69% من الولايات المتحدة.
– 30% من ألمانيا.
وحلّت إيطاليا في المرتبة الثالثة بنسبة 0.9%.
وذكر تقرير الصحيفة العبرية أنه «في نهاية عام 2023، سلّمت الولايات المتحدة الأميركية بسرعة آلاف القنابل والصواريخ الموجّهة إلى إسرائيل (ذخائر JDAM تصنعها الشركات الأميركية فقط). وبحلول نهاية عام 2023، تضمّنت عمليات التسليم المعلّقة (لم تُرسل بعد) للأسلحة الرئيسية إلى «إسرائيل» 61 طائرة مقاتلة من الولايات المتحدة الأميركية و4 غواصات من ألمانيا». وقد احتلت «إسرائيل» المرتبة الـ 15 كأكبر مستورد للأسلحة في العالم في الفترة من 2019-2023، إذ تمثل وارداتها 2.1% من الواردات العالمية، بناءً على بيانات «معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام».